الثلاثاء - 30 نيسان 2024

إعلان

ضرائب التقرب غير المباشر

المصدر: النهار - سعد نسيب عطاالله
تشرب الناس مفاهيم الإذلال والتذلل
تشرب الناس مفاهيم الإذلال والتذلل
A+ A-
اعتمد الكيان الصهيوني في كل حروبه ضد العرب على استراتيجية "التقرب غير المباشر"، التي أسسها المؤرخ البريطاني العسكري، الكابتن ليدل هارت (1895-1970)، التي تعتمد على خلع جيش العدو، أي فتح "دفرسوار"، ثم التحرك والهجوم غير المباشر والسريع للوحدات العسكرية المصفحة.
لقد تبنت المنظومة الحاكمة الفاسدة في لبنان هذه الإستراتيجية العسكرية غير المباشرة، واعتمدتها بعد 17 تشرين الأول 2019، في تطبيق سياساتها الضريبية الظالمة ضد الشعب، وخاصة على إثر محاولة وزير الاتصالات، زيادة ست دولارات شهرياً (ما يساوي تسعة الآف ليرة في حينه)، على خدمات تطبيق واتساب الإلكتروني!
بدأ دهاء المنظومة الظالمة تطبيق هذه الاستراتيجية السوداء في التغافل عن ضبط سعر صرف الدولار وتركه على غاربه، والسماح لمافياتهم بالتحكم بأسعار السلع الضرورية للاقتصاد والعيش الكريم، ما أدى إلى انهيار العملة الوطنية أمام الارتفاع المتوحش للدولار الذي فتح الباب أمام مستوردي المحروقات، والمواد الغذائية، والأدوية، بسحق جيوب الشعب المسكين، بالتضامن والتعاون مع المصارف، والصيارفة الذين تكاثروا على صورة وباء تفشى في كل حي من لبنان!
وجدت هذه المنظومة المتسلطة الفاسدة أن التركيز على تجاذباتها واختلافاتها الداخلية في ما بينهم جميعاً، وإقصاء أنفسهم عما يعانيه الشعب، والإيعاز إلى جماعاتهم، من رؤساء نقابات المحروقات والأدوية ومستوردي المواد الغذائية، ومن رؤساء اتحادات عمالية افتراضية وهمية خاضعين لمشيئتهم، للقيام بإطلالات إعلامية على وسائل الإعلام والمشاركة في تعمية الحقائق، وبث احتمالات انقطاع المواد الضرورية للحياة مسبقاً، والتكهن بارتفاع أسعارها لاحقاً، حتى يتقبل الناس هذه الزيادات دون أي اعتراض، بل الخضوع وقبولها ذهنياً ودون اعتراضات عندما يحصل إرتفاع أسعارها!
تشرب الناس مفاهيم الإذلال والتذلل، وباتوا قطعانا في طوابير لامتناهية عند محطات البنزين، والصيدليات، والأفران، وبات كل فرد ينادي "وين الدولة"، دون أن يدري أن الدولة حاضرة في كل مكان بأزلامها، وساخرة وشامتة من خنوعهم، وتشتتهم، وضعفهم!
فاقت أسعار كل المواد الغذائية، والمحروقات، والأدوية القدرة الشرائية لنسبة عالية من الشعب اللبناني، مما جعلهم يحيون حياة انطوائية وعزلة اختيارية قاتلة، أوصلتهم إلى حالة الجنون، والحيرة، وفقدان الذاكرة التي سقط عنها إدراك تراتبية أيام الأسبوع، وامّحت عنها أفكار البحث عن اللهو والتلهي، وانتقلت عدوى فراغ الجيوب إلى فراغ كل ما تحتويه قبعاتهم، من عقل ووعي ضروريين للمرحلة الحياتية الصعبة والقاتمة!
إن أكبر دليل على هذا التقرب غير المباشر، هو إعلان مستخدمي وزارة الإتصالات، الإضراب مؤخراً، وانتشار ظاهرة عدم توفر بطاقات إعادة شحن (تشريج) الهواتف شهرياً، الأمر الذي نقل سوق هذه البطاقات إلى الاحتكار والسوق السوداء - الشبيهة بسواد ضمائر زعماء السلطة - وتوفرها بأسعار باهظة، دون اتخاذ تلك الوزارة الفاسدة والفاسدين المفسدين فيها أي إجراء أو تدبير يحول دون خوف المشتركين على إلغاء هواتفهم في حال عدم إعادة شحنها، والعمل على طمأنة أصحاب هذه الهواتف بعدم قطعها لمكافحة مافيا البطاقات، لا بل على العكس، إنها روجت لإمكانية رفع أسعار كل منتجاتها؛ وأن أسعارها الجديدة سوف تكون أدنى بقليل من أسعار السوق السوداء!
إن تبنّي وزارة الاتصالات استراتيجية التقرب غير المباشر، قد حول عنها غضب الناس الجائعة إلى الثرثرة، والتواصل الاجتماعي التافه، وسمح لها بزيادة أسعار منتوجاتها دون امتعاض أو رفض من المستهلكين المساكين، الأمر الذي غفلت عنه الوزارة في السابق، في عهد الوزير محمد شقير مع قراره، زيادة الستة دولارات على تطبيقات الواتساب!
سوف يتكرر المشهد حالياً مع الانتخابات النيابية التي يراهن عليها شعب لبنان "العظيم" لسحق هذه المنظومة الفاسدة، التي سوف تلجأ إلى بث روح الطائفية والتزمت المذهبي المقيت بين قطعانهم "الغفورة" حتى يرضخون لهم ويعودون إلى صناديق الاقتراع خانعين، خاضعين، خاسئين!
وشاء الله أن يبقوا في زرائبهم مأسورين، وإلى المسالخ البشرية سائرين طائعين، تائهين، مرغمين، بائسين، وتقديمهم أضاحي في هياكل الفساد والفتن!
وقيل قديماً إن الشعب كارهين لحكامهم الطغاة الماكرين، المارقين، وأقول اليوم، إن شعب لبنان القطيع للقتلة والطغاة خاضعون خائبون، ولتزلمهم وتزمتهم مساقون، "متلولون"!

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم