ما هو سبب نسبة الاقتراع المتدنية في بيروت؟

معركة من دون عدد كاف من الجنود شهدتها بيروت يوم الانتخابات البلدية، فعلى الرغم من محاولات اللائحتين المتنافستين "البيارتة" و"بيروت مدينتي" حضّ الجماهير على التصويت، فإن ما شهدته ارض المعركة أثبت فشل الطرفين في تحقيق هدفهم، وهذا ما أكدته نسبة الاقتراع التي بلغت 20 في المئة فقط، اي بنسبة ارتفاع بلغت 2 في المئة عن انتخابات عام 2010.
الحراك المدني الذي استطاع ان يحرز مكانة في قلوب الجماهير، وأظهر قدرته مراراً على تجييش الناس والحشد على الارض لوضع من هم في السلطة أمام مسؤولياتهم لم يتمكن من إقناع العدد الكبير من أهل بيروت المقاطعين للتوجه الى الصناديق وكسر صمتهم من اجل التغيير.
كما أن الماكينة الانتخابية للسلطة التقليدية، وعلى رغم لعبها على وتر استعطاف الناس وتذكيرهم بدماء الشهداء وضرورة الوفاء لها، فإنها لم تتمكن من جذب سوى العدد القليل حيث وصلت نسبة الاقتراع في دائرة بيروت الأولى الى: 19.97 في المئة والى 17.95 في المئة في الدائرة الثانية، أما في الدائرة الثالثة فوصلت الى 22.5 في المئة، المجموع: 20.14 في المئة . فماذا تعكس هذه النسبة المتدنية؟

خلفيات متعددة
شوارع بيروت هادئة يوم الانتخابات الا من حركة بسيطة لبعض من قرر المشاركة اما للتغيير أو لتثبيت الطاقم القديم، أرجعتها أستاذة العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية الدكتورة منى فياض في اتصال مع "النهار" إلى أسباب عدة هي "أولاً عدم نضج في المواطنة، فالناس تعتبر أن البلديات لا تصب في السياسة وانها انمائية واجتماعية. لا يدركون ان السلطة تبدأ من اسفل عبر انتخاب ممثلين لهم على مستوى الجمعيات ومراقبتهم ومساءلتهم، كما تعكس يأسهم من الوضع وإمكانية الاصلاح، لا سيما بعد افشال الحراك المدني الذي أظهر عدم نضجه وانجرار جزء منه بسرعة نحو العنف والاصطفاف المذهبي".
في حين ارجعتها الباحثة في الفكر السياسي وعلم الاجتماع الدكتورة فهمية شرف في اتصال مع "النهار" إلى " فقدان الناس ثقتهم بالسلطات الحاكمة وليس بالدولة معتبرين أن من سينتخبونهم للمجلس البلدي جزء من السلطة، وتالياً ليس لديهم استعداد لتثبيت شريعتهم، أي إنهم الى حد ما نزعوا الشرعية عن السلطات المحلية وسيكون الأمر كذلك في السلطات النيابية".
"نوعية" المقترعين
لولا اندفاع الشباب للتصويت للائحة "بيروت مدينتي" لكنا شهدنا نسبة تصويت اقل بكثير، وكما قالت شرف الدين: "اذا راقبنا نوعية الذين صوتوا لتلك اللائحة هم النخب والمثقفون ومن لا صوت لهم، تجربة عظيمة ستعيد ترتيب امور الانتخابات النيابية". اما ارتفاع نسبة التصويت 2 في المئة عن الانتخابات السابقة أرجعتها فياض الى "المتحمسين للمجتمع المدني الذي استطاع تحريكهم ودفعهم الى التوجه لصناديق الاقتراع، ولو ان شربل نحاس لم يترشح لكانت أصوات نحو 10 آلآف مواطن صبّت في مصلحة "بيروت مدينتي". لكن المصالح والنزعة النرجسية الذاتية دفعته لمنافسة لائحة "بيروت مدينتي"، فكانت النتيجة اظهار ان المجتمع المدني ضعيف". ولفتت فياض إلى أن "الماكينة التقليدية عملت على تحفيز الناس للإدلاء بصوتهم، لكن ارتفاع نسبة الاقتراع عن السابق مرده للمجتمع المدني ويأس المواطنين والنتيجة التي حصلت عليها لائحة "#بيروت_مدينتي" لا بأس بها لكونها المرة الأولى التي تخوض فيها انتخابات".

على امتداد الوطن!
" هذا قصاص للسياسيين الذين اجتمعوا ليس لفتح باب مجلس النواب لانتخاب رئيس جمهورية بل لأن هناك مليار دولار زائدة يريدون ان يتقاسموها" بحسب شرف الدين التي اعتبرت ان "تجربة بيروت مدينتي ستؤدي الى تجارب اخرى في مجلس النواب، نعم لست متفائلة كثيرا لكن على الاقل فتحت نافذة على الضوء". أما فياض فتوقعت ان يكون "هناك اقبال اكبر عن الانتخابات البلدية، لكن لا يمكن تحديد نسبته فهو يعود الى اداء الافرقاء من ناحية ومقدار الصراع المذهبي المحتدم ومدى قدرة كل طرف على تحريك جمهوره". وأشارت إلى أن "المجتمع المدني أخطأ عندما لم يدرج اسماء سياسيين مستقلين على لائحته، وبعد صدور النتائج يُفترض منه ممارسة الرقابة الحقيقية على المجلس البلدي باسم من صوّت له، وان يستمر في العمل من دون انتظار الانتخابات القادمة، كما عليه العمل ليكون له امتداد على كامل الاراضي اللبنانية و ليس في منطقة واحدة كأن نجد صيدا مدينتي، طرابلس مدينتي، وغيرها، كي يشعر المواطن بالحماسة ونرى نسبة تصويت مرتفعة".