الثلاثاء - 30 نيسان 2024

إعلان

إلى من يهمه الأمر

المصدر: النهار - ‏ ‏هند يوسف خضر - سوريا
كانت الليالي ثقيلة على وسادة ريم، والنهارات تركلها بأقدامها الحديدية
كانت الليالي ثقيلة على وسادة ريم، والنهارات تركلها بأقدامها الحديدية
A+ A-
كانت الليالي ثقيلة على وسادة ريم، والنهارات تركلها بأقدامها الحديدية. كان نزفها يغطّي شطآن البحر، ويزيد قليلاً. فقدت معنى الوقت أو غابت عنه. كلّ الاتجاهات أطبقت على طرقاتها بلحظة. الأقربون تخلّوا عنها في لحظة فارقة. تمنّت الموت عند شهقة كلّ فجر. استسلمت لقدرها. ذات مساء كانت تجلس قرب الجرح تنكؤه لينزف ما تبقى من صفيحات الحياة. نظرتْ إلى السماء، رفعتْ يديها، تمتمتْ بكلمات عجزت الريح عن فهمها، لكن النجم الراكن في أقصى القدر استلم رسالتها. شيء ما اختلج في صدرها، أمسكت قلمها الذي تلوّن حبره بالأسود تارةً، وبالأبيض تارةً أخرى، وبدأتْ بكتابة ما اعترى روحها من خلجات...
‏ ‏ريم ذات الشعر الغجريّ الطويل، كانت تفرده على كتفيها كما يفرد الليل جناحيه على وسع المدى. بشرتها الناعمة استعارت بياضها من وجه الثلج، أشعلت قناديلُ السعادة قلبَها. فجأة كتبت رسالة: "إلى هؤلاء الذين ركلتهم الحياة بقدميها، ذات نهار ابتسامتي ستكون جواز سفري إلى عوالم الأمل".
‏ ‏نمتُ ذات مساء بين دفتَي ليل. ظننتُ أنني سأنام بهدوء حتى إشعار آخر. شربتُ من ضجيج قلبي حدّ الصخب. انهمرتْ روحي فوق صقيع العجز. انكسرتْ خطواتي فوق رصيف الخيبة. أُسدِلت ستائر العتمة فوق وجهي من نظرات المارة والعابرين ظناً منهم بأنني فتاة ليل – إنه شعور الظلم المميت جداً لمن يعيشه-.
‏ ‏كنت قد بدأتُ بترتيل ألمي عبر قصيدة، ألبستُ حروفها ثوب الليل، لونتُ كلماتها بالسراب، عندما ظهر صديق في سمائي يشبه وجه الغروب فوق شغاف القلب، أومى إليّ بيدين من شعاع، وكأنه يخبرني بأن عهد الإبحار في الفراغ قد ولّى...
‏ ‏ريم: هل لك أن تخبرني كيف سطعت في سماء غربتي عن ذاتي؟
‏ ‏الصديق: لا أدري لكنني أؤمن جداً بإشارات القدر...
‏ ‏ريم: إن صحّ لسانك لماذا أنا؟
‏ ‏الصديق: سأنتشلك من مستنقع الوحل وأجعلك‏ في فضاء الأمنيات، وستصلين إلى كبد الإجابة لاحقاً...
‏ ‏ في بادئ الأمر، ضحكتُ في قرارة نفسي، وقلت: جميعكم تتشابهون، فالرياح التي كسرت أغصاني الغضّة كافية أن تفقدني ثقتي بالجميع...
‏ ‏ ‏سأعطي نفسي فرصة كي لا أقع في مصيدة الحكم الخاطئ...
‏ ‏ ‏مع مرور الوقت، أعطاني الصديق ورداً بلا مقابل، أضاء أصابعه العشرة لأعيد كتابة قصيدتي التي سبق ووشمتها بقلق على جبينها، ولكن هذه المرة مختلفة. سألبسها ثوباً بلون الثلج مفصّلاً على مقاس أحلامي، ألوّن حروفها بنكهة الجنون، أمضي نحو الضوء وأردّد: لقد عثرتُ على الإجابة، حقاً الدنيا مبنية على نقيضين (الوجع والفرح).
‏ ‏بأربع دقائق أو بأربع لحظات أو بأربع كلمات تبدّلت ملامح النهارات التي جلدتني بسياطها على مدار أعوام.

‏ ‏ ‏ ‏ ‏
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم