الثلاثاء - 30 نيسان 2024

إعلان

هل الغرض من أكل "حزب الله" العنب قليل من اللبننة او مزيد من الهيمنة؟

المصدر: "النهار"
معادلة كاريش.
معادلة كاريش.
A+ A-
غسان صليبي
 
لافت قول الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله في خطابه الأخير "إننا نريد أكل العنب" وذلك في معرض كلامه عن الثروة المائيّة وضرورة إستفادة لبنان منها، كشرط لاستفادة إسرائيل من ثروتها. فلطالما نادى نصر الله "بقتل الناطور" وليس "بأكل العنب"، واعدًا جمهوره بالصلاة في القدس رافضًا الإعتراف بإسرائيل. فهل أصبح الأمر مختلفاً اليوم مع اقتراب موعد الإتفاق على ترسيم الحدود مع إسرائيل، وما يعنيه ذلك عمليًّا من اعتراف بــــ"الناطور"؟
 
أرفق نصر الله كلامه عن "أكل العنب" بدعوته للتوافق على رئيس جديد للجمهورية، مما جعل المعلّقين يصفون خطابه الأخير بالاعتدال. بين ما يشبه الإعتراف بإسرائيل من جهة والإعتدال الداخلي من جهة ثانية عبر عدم السعي لفرض رئيس للجمهوريّة كما فعل مع إنتخاب ميشال عون، هل بدأ نصر الله يلبنن سياساته في لبنان؟
 
بعد حرب 2006 واستدارته نحو العاصمة، أحكم "حزب الله" سيطرته الداخليّة والخارجيّة، وتشير التطوّرات الإقليميّة، مع ترسيم الحدود ومفاوضات الإتفاق النووي، الى ان "حزب الله" اقترب من مأسسة هيمنته على لبنان وجعلها دستوريّة. لكنّ البلاد في حالة انهيار وحكمها يحتاج الى موارد، و"حزب الله" منشغل بتمويل دويلته بالمال الإيراني. وإذا أراد حكم لبنان، على "حزب الله" إيجاد موارد ماليّة، والمتوفّر اليوم هو هذه الثروة المائيّة، والتي على ما يبدو أصبح أكثر حرصاً عليها. فمن خلال دوره المباشر وغير المباشر بترسيم الحدود، يمكنه ان يحجز لنفسه موقعًا رئيسيًّا من بين القوى التي ستستفيد من ريع الغاز والبترول، كما يمكنه أن يحجز موقعًا مماثلاً لحلفائه، ولا سيّما لحركة "أمل" و"للتيار الوطني الحر" على كافة الشاطىء اللبناني.
 
سيما ان البلد المفلس، المدمّرة بناه الإنتاجيّة والخدماتيّة، سيعتمد حكمًا على ريع الغاز والبترول للنهوض ولو ببطء شديد. و"حزب الله" يعرف جيّدًا من التجربة الإيرانيّة والخليجيّة بشكل عام، أهميّة الإقتصاد الريعي في إحكام السيطرة السياسيّة على الشعوب.
 
الأرجح إذا ان نصرالله وحزبه يريدان مأسسة الهيمنة على البلاد أكثر ممّا يسعيان الى لبننة سياساتهما. ومأسسة الهيمنة تحتاج الى بعض الإستقرار، والإستقرار يتطلّب هدنة مع العدو. وبلغة "العنب"، من الافضل في هذه المرحلة "ما يجيب نصراالله الدبّ على كرمه".
 
ذلك انه بإعتقادي، من شبه المستحيل لبننة "حزب الله". أنا اسلّم بدون نقاش، ان أعضاء "حزب الله" هم لبنانيون، لكن كون أعضاء الحزب هم لبنانيون لا يعني حكما ان الحزب لبناني. فمع توسع العولمة، شهدنا تنظيمات عالميّة، ليس لها جنسيّة معيّنة، لكنّها تضم أعضاء من جنسيات مختلفة موزّعين على عدد من البلدان. "الإخوان المسلمين" أو "داعش" هما من بين هذه التنظيمات. وفي السابق كان لدينا الامميات الإشتراكيّة، واليوم أصبح لدينا النقابات العالميّة التي تضم أعضاء من كافة البلدان، لكن هويتها عالميّة. لجميع هذه التنظيمات فروع في بلدان أعضائها، لكن هذه الفروع لا تكتسب هويّة بلدها بل تحافظ على هويّتها العالميّة.
 
"حزب الله" لا ينكر ارتباطه بإيران، عقائديًّا وماليًّا وسياسيًّا وعسكريّأ، وإيران لا تتوقّف عن التصريح انها تسيطر على لبنان من خلال "حزب الله"، كما انها تسيطر على العراق وسوريا واليمن مثلاً من خلال تنظيمات أخرى. إذًا، إن "حزب الله" ينتمي عمليا الى تنظيم إقليمي ويشكّل هو أحد فروعه. وبالتالي إن "حزب الله" كحزب، ليس لبنانيًّا، رغم ان أعضاءه لبنانيون، وسيكون عليه الإستقلال عن هذه الهيكلية التنظيميّة الإيرانيّة إذا أراد ان يتلبنن.
 
يمكن "لحزب الله" أن يجيب أنه رغم تبعيته العقائديّة والماليّة والسياسيّة والفكريّة لإيران، فهو حزب لبناني مستقل. وهنا يواجه "الحزب" تحدّيات أكبر. التحدّي الأول هو قدرته على التحوّل من حزب عسكري الى حزب سياسي، فليس في الدستور والقوانين اللبنانيّة ما يسمى بالحزب العسكري. الأحزاب السياسيّة الأخرى، تحوّلت أثناء الحرب الى ميليشيات، لكنها إستعادت صفتها السياسيّة بعد الحرب، حتى ولو احتفظت ببعض الأسلحة. غير ان "حزب الله" هو أساسًا حزب عسكري ولم يبارح بعد هذه الصفة، حتى لو ميّز البعض بين جناحه السياسي وجناحه العسكري. والتحدّي الثاني هو قدرته على التحوّل من حزب ديني الى حزب مدني. صحيح ان الأحزاب السياسيّة الأخرى معظمها طائفي في تركيبته، لكنها ليست دينيّة في عقيدتها ولا في ممارساتها، بل مدنيّة في الإجمال. ليس هناك مكان في نظام ديمقراطي برلماني، كما يُعرِّف الدستور النظام السياسي اللبناني، لما يسمّى بالحزب الديني.
 
وهكذا نصل الى التحدّي الثالث، وهو أن "حزب الله" في عقيدته السياسيّة يتبع نظام ولاية الفقيه الذي يستتبع النظام الديمقراطي البرلماني ويضعه في خدمته وتحت أمرته. فكيف تريدونه ان يتلبنن في نظام لبناني لا يعترف بشرعيته الدستورية؟
 
في ظل الغموض حول حجم الثروة المائيّة اللبنانية وتاريخ البدء بالإستفادة منها، وكذلك في ظل عدم إتضاح مآل التطوّرات الإقليميّة والدوليّة وإنعكاسها على لبنان، على الأرجح ان "حزب الله" "سيأكل الحصرم واللبنانيون سيضرسون".
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم