القطاع المصرفي ومصرف لبنان: بين مطرقة القضاء الأوروبي وسندان "المنظومة"

الدكتور كمال ديب بعد أكثر من ثلاث سنوات على كارثة القطاع المصرفي وتبخّر أموال المودعين وانهيار العملة الوطنية، استيقظ القضاء الأوروبي من سباته، ما بعث ببارقة أمل طال انتظارها في أنّ وقت الحساب حان. وفي التفاصيل: استدعاء حاكم مصرف لبنان في أيار 2023 للمثول أمام المحكمة في فرنسا، وصدور مذكرات بحقه من الانتربول ومن ألمانيا. ولكن مهلاً: أليس الملف أكبر وأشمل من مجرّد البحث عن كبش محرقة؟ إن كان العدل وحقوق المودعين هي ما يسعى إليه القضاء الأوروبي فعلاً، وإن كان صندوق النقد الدولي يشترط إصلاحات من لبنان قبل مساعدته، فما يحصل هو زوبعة في فنجان لن تنقذ البلد من ورطته. مَن الجاني؟أمام بطء أركان الدولة الشديد في معالجة الأزمة المالية والنقدية في لبنان، نتذكّر مقولة جبران خليل جبران: "اسألوا القتيل ولا تسألوا القاتل"، ومقولة أديب اسحاق: "قتل امرئٍ في غابةٍ جريمةٌ لا تُغتَفر وقتل شعبٍ آمنٍ مسأَلةٌ فيها نظر". عندما خرج لبنان من حربه الطويلة عام 1990، كان بحاجة إلى مال كثير لإعادة الإعمار. فلم تأتِه هبات وقروض ميسّرة ومساعدات، ولا حتى عقد مؤتمر أصدقاء لبنان في واشنطن عام 1996 جلب مالاً. فكانت استدانة باهظة الكلفة باشرتها الحكومة اللبنانية، جرّت إلى تثبيت سعر الصرف وإلى فوائد مرتفعة. وهذا الطريق أخذ لبنان إلى وضعٍ غير صحّي، ظاهرُه جذّابٌ للمودعين رفع حجم الودائع في المصارف إلى 180 مليار دولار وقيمة الليرة اللبنانية إلى مستوى خيالي هو 1500 ليرة لدولار، وباطنه مخيف في أنّ لبنان عاش عشرين عاماً من البحبوحة الكاذبة (1997 إلى 2019). ولذلك فإنّ استفادة المودعين من الريع تؤكّد مقولة جبران: أنّ الذنب مزدوج، يقع أيضاً على مَن وثق بهرمٍ بونزي فاسد.  وقبل المتابعة، نشير هنا سريعاً إلى "هرم بونزي" (راجع مقالتنا في النهار 10 تشرين الأول 2022) وهي عملية احتيال ذات طبيعة هرمية، حيث يمنح المشغّل المحتال فوائد للمودعين، لا من أرباح لا وجود لها بل من خلال ودائع جديدة...