الثلاثاء - 30 نيسان 2024

إعلان

"كاراج سوق" في زمن العيد... ملجأ بيروتي لدعم المشاريع وبصيص أمل (صور)

المصدر: "النهار"
فرح نصور
"كاراج سوق". (تصوير حسام شبارو).
"كاراج سوق". (تصوير حسام شبارو).
A+ A-
 
 هي أكثر من سوق. هي متنفس وملجأ وجده أصحاب المشاريع الصغيرة التي لم يتجاوز عمرها السنة، أي انطلقوا فيها بعد أزمة الدولار. اللبناني لا يستسلم ويجعل من الضعف قوة. أنتج أصحاب هذه المشاريع الصغيرة تصاميم وحرفيات ومنتجات محلية ويدوية في ظل أسوأ الظروف للاستمرار، وكانوا بحاجة إلى مكانٍ لتصريفها ودعمها لتستمر. وقع الخيار على "كاراج سوق"، السوق التي وفّرت هذه المساحة المجانية لهؤلاء الأشخاص، كمبادرة تكافل ودعم.
 
تتنوّع السلع الموجودة في الـ"كاراج"، من حرفيات، ومونة منزلية، وصابون مصنوع يدوياً لأغراضٍ متعددة، ومنتجات التجميل المصنوعة محلياً، ومأكولات منزلية وحلويات، وهدايا عيد الميلاد وزينته، وملابس الأطفال، وأعمال مطرّزة، وزينة المنزل الفنية، وكتب وملابس مستعمَلة.
 
حركةٌ غير اعتيادية أنتجتها هذه السوق باحتوائها على حوالي 150 مشروعاً صغيراً كان أصحابها بحاجة إلى مساحةٍ مماثلة لعرض منتجاتهم لدعمهم في أولى خطوات أعمالهم، خصوصاً في هذه الظروف الخانقة التي دفعت العديد منهم إلى التحوّل إلى الإنتاج اليدوي أو المنزلي كمحاولة للنهوض.
 
تصوير حسام شبارو
انطلقت يارا بمشروعها منذ حوالي ستة أسابيع، وهي تصنع الحلويات المنزلية الخالية من الغلوتين وتبتكر وصفات جديدة. وكان "كاراج سوق" الملجأ الأوّل لها لتسويق منتجاتها وترويجها، وكان هو الحافز لأن تنطلق بمشروعها رغم الظروف الصعبة، فـ"لولا "كاراج سوق" لما فكّرت بالبدء بمشروع عملٍ عائلي إطلاقاً، فهي كانت دافعاً لي"، تقول يارا. وقد بدأ الناس يشترون منتجاتها في هذه السوق ويأتون إليها من أسبوعٍ إلى آخر، خصوصاً وأنّ أسعارها بمتناول الجميع، قياساً إلى أسعار السوبرماركت.  
 
أمّا جنى، فتنتج المونة اللبنانية منذ حوالي عام، وتؤكّد أنّه "لولا "كاراج سوق" لما عرفني أحد، رغم أنّني أطلقت صفحة لمنتجاتي على انستغرام منذ عام، لكن بدأ البيع ينشط لدي منذ أن تواجدت هنا، وازداد المبيع حوالي 60% "، ومن الضروري أن تستمرّ هذه السوق لكي نستمرّ معها".
 
روزا، فنانة حرفية، أطلقت صفحة تصاميمها على انستغرام منذ شهرين، و"بما أنّ هذه السوق تهدف إلى دعم المشاريع الصغيرة المحلية، كان أوّل ما دفعني للعرض فيها هو أنّها تقدّم مساحة مجاناً لأصحاب الأعمال، بالإضافة إلى تنوّع الزبائن الموجودين هنا بمختلف طبقاتهم، ما يمكّنني من الوصول إليها كلّها، و"كاراج سوق" دعمني كثيراً، خصوصاً وأنّني انطلقت حديثاً في عملي، واستطعت من خلاله التسويق لتصاميمي، وبدأ بعضهم يشتري منها "، وفق روزا.
 
بدورها منال، صاحبة منتجات للعناية بالبشرة، مصنوعة محلياً، انطلقت منذ حوالي شهرين أيضاً بمشروعها، واختارت عرض منتجاتها في الـ "كاراج" لتنوّع روّاده، بالإضافة إلى أنّ، وفق منال، "المساحة المُفردة هي مجانية ويمكن للناس أن تتعرّف إلى اسم العلامة دون تكاليف إضافية، وكان من الضروري أن نعرضها في مكانٍ ما، والناس يُعجَبون بمنتجاتنا خصوصاً وأنّها من صناعة محلية ويشجّعونها".
 
وأصبح هؤلاء الأشخاص وغيرهم، يعتمدون بشكلٍ كلّي على هذه السوق لتصريف إنتاجهم وتحريك مبيعهم. فبرأي عماد، صاحب مساحة لبيع الملابس المستعمَلة، أنّ "هذه السوق هي بصيص الأمل الوحيد لنا في هذا البلد، ومن الضروري أن تستمرّ لكي نستمر في ظلالها، ونحن بحاجة إلى هكذا مساحة بشكلٍ دائم لدعمنا كمشاريع صغيرة، فالوضع خانق وتعيس جداً". ويضيف بحرقة واندفاع أنّ "في اليوم الأوّل الذي شاركت فيه هنا، كان بحوزتي 10 آلاف ليرة صباحاً، وأقفلت مساءً وفي جيبي 900 ألف ليرة، وأصبحنا ننتظر يومي السبت والأحد لكي نسترزق، وفي شهرٍ من الأشهر بلغ مردودي منها أكثر من ثلاثة ملايين ليرة، ونحن الآن على أوّل الطريق، لذا نرغب بمساحات مماثلة".
 
تصوير حسام شبارو
 
واستقطبت "كاراج سوق" زبائن من مختلف الشرائح. وتفتح المجال أمامهم لشراء الأغراض المستعمَلة أيضاً في ظل الغلاء الفاحش في الأسواق الأخرى، فهم وجدوا فيها ما يريدونه بأسعارٍ معقولة جداً.
 
وتقول جيهان زهاوي، صاحبة المبادرة والقيّمة على "كاراج سوق"، أنّ "هذه السوق وفّرت الصنارة لأصحاب المشاريع الصغيرة وليس السمكة، لكي يقفوا على أرجلهم ويستمرّوا، وباتوا يعتمدون عليها، وهدفها دعم هذه المشاريع وتوفير مساحة لها لتصريف منتوجاتها دون أي بدل"، لافتةً إلى أنّه "في لبنان كمّ هائل من الصناعات والمواهب الدفينة التي يجب أن تُعطى حقّها وأن تُدعَم، فاللبناني مبدع في جميع المجالات".
 
واستفاد حتى الآن، بحسب زهاوي، ما بين 100 إلى 150 عائلة مادياً كحدٍّ أدنى من الحركة الاقتصادية التي أوجدتها هذه السوق في ظلّ الشلل الكلّي في البلاد، عدا عن استفادة العمال، كما فتحت الحركة فرص عملٍ لحوالي 200 شخص ساهموا في تأهيل وصيانة وتنظيم المكان.
 
وعن الأسعار، تقول زهاوي إنّ "المصممين والحرفيّين الذين يضعون أسعاراً مرتفعة في معارض أخرى، يضطرّون إلى تخفيض أسعارهم في "كاراج سوق"، فهي سوق لجميع الطبقات، أو "سوق أحد مرتّب"، والناس يرتادونها لأنّهم على علم أنّ الأسعار هنا هي أرخص، فرواتب اللبنانيّين فقدت قيمتها وأصبحوا جميعهم يبحثون عن الأرخص". وتنصح المبتدئين في أعمالهم بطرق تسعيرٍ مفيدة، لجذب الزبائن بأسعارٍ معقولة، وإفادة كلّ من البائع والزبون.
 
تصوير حسام شبارو
 
وبعد انفجار المرفأ، كان الخيار أمام زهاوي إمّا إقفال "كاراج سوق" الذي كانت خدمته متوفّرة مقابل بدلٍ زهيد، "وإمّا الاتكال على الله ومساعدة الناس، فالخسارة واقعة واقعة". ووفّر "كاراج سوق" هذه المساحة مجاناً بعد الانفجار، وانتقل مؤخّراً من خيامٍ منصوبة، إلى مساحةٍ مغلقة مع قدوم الشتاء. وقامت جيهان بتأهيل المكان للاستمرار بالمبادرة نفسها، "فالناس يعلّقون أمل استمرارية أعمالهم الصغيرة على هذه السوق". وأنفقت آلاف الدولارات ليصبح المكان جاهزاً لمساعدتهم ودعمهم. وقدّم أصحاب العقار الكائن في مار مخايل المكان لزهاوي لاستكمال عملها الداعم للمشاريع الصغيرة مقابل بدل رمزي جداً، كعملٍ خيري.
 
وتوضح زهاوي في هذا الصدد أنّ "هناك حاجة ملحّة لدى أصحاب المشاريع الصغيرة لأن يتمّ دعمهم في هذه الظروف الصعبة، فهم بحاجة إلى مكان لتصريف منتجاتهم وتصاميمهم، والعامل الذي جذبهم هو المساحة المجانية". وتموّل جيهان هذا العمل من منطلق تكافلي وإنساني من مالها الخاص، كفدوى عن نجاتها من الانفجار لأنّها كانت على بُعد رمشة عين من الموت، فـ "أنا لم أمت لكن هذه رسالة من الله ودعوة لي لأن أقوم بمساعدة مجتمعي"، تروي جيهان التي كانت تمتلك محلاً مقابل شركة الكهرباء وفقدته جراء الانفجار، كما فقدت منزلها الكائن في مار مخايل.
 
لكن ماديّات جيهان لم تعد تتحمّل المزيد من الاستنزاف، وهي تعرف حقّ المعرفة أنّ أصحاب هذه المشاريع بحاجة ماسة إلى الدعم، لكنّها وفق تعبيرها، هي "انتحارية" لأنّ أحداَ لا يساعدها للاستمرار في دعم هذه المبادرة، وتقول: "العمل الذي أقوم به، على الحكومة أن تقوم به مكاني، لذا أناشد الأيادي البيضاء المساعدة والمؤازرة لكي تستمرّ هذه الأعمال وهذه الحركة الاقتصادية ولنتكاتف في هذه الظروف". 
 
تصوير حسام شبارو
 
وتضيف أنّ "الجمعيات والمنظمات غير الحكومية لا تقدّم أي مساعدة رغم إمكانيّاتها، باستثناء جمعية واحدة ساهمت بتكاليف الباب الجرار وأخرى بتكاليف بعض الزجاج، كما أنّ وسائل الإعلام لم تلقِ الضوء على هذه المبادرة لفتح باب المساعدة لمَن يرغب لدعم المشاريع المحلية، ومنها مَن طلب المال بدل مقابلة لإلقاء الضوء على هذه المبادرة التكافلية".
 
وتؤكّد زهاوي أنّ "هذه السوق ستبقى مفتوحة أسبوعياً أمام مَن هم بحاجة لدعم أعمالهم، ومن الضروري أن تبقى، وستبقى إلى ما بعد الأعياد، وابتداءً من الأسبوع المقبل، هناك توجّه لأن تفتح السوق خلال أيام الأسبوع أيضاً، لكي يستفيد الناس أكثر". 
 
 
تصوير حسام شبارو
تصوير حسام شبارو
تصوير حسام شبارو
تصوير حسام شبارو
تصوير حسام شبارو
تصوير حسام شبارو
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم