الثلاثاء - 30 نيسان 2024

إعلان

حين سرق النازيّون عيد الميلاد

المصدر: "النهار"
وزير الدعاية النازي جوزف غوبلز يحضر احتفالاً للنازيين بعيد الميلاد سنة 1937. الصورة عبر "ويكيديا كومونز" من الأرشيف الألماني، "
وزير الدعاية النازي جوزف غوبلز يحضر احتفالاً للنازيين بعيد الميلاد سنة 1937. الصورة عبر "ويكيديا كومونز" من الأرشيف الألماني، "
A+ A-

سلّط الكاتب والمؤرّخ كارل-هاينز غوترت الضوء على محاولات اختطاف عيد الميلاد على امتداد التاريخ الحديث في ألمانيا. وفي مقاله الذي نشرته صحيفة "دي فيلت" الألمانية (وترجمه إلى الإنكليزية موقع "وورلد كرانش")، بيّن غوترت كيف برزت وفرة من النظريّات حول العيد الألمانيّ الذي سبق الميلاد، "يوليتيد"، منذ العصر الرومنطيقي.

بعد الحرب العالمية الأولى، وحين كانت ألمانيا تبحث عن حسّ الهويّة، تم اختطاف تلك الأفكار من قبل المنظمات الشبابية والحركات الإصلاحية ذات الميول القومية. لقد سعت إلى استبدال عيد الميلاد باحتفالات الانقلاب الشمسي أو دمج الاحتفال المسيحي بالاحتفال الجرماني بالنور، أحياناً كهجوم على المسيحية، وأحياناً أخرى كمحاولة لإيجاد تكافل بينهما. لقد نظرت تلك المنظمات والتيارات إلى الجذور الوطنية الأولى والتقاليد الشعبية كرد فعل على الحداثة الدولية.

كان هنالك الكثير من الأبحاث المشكوك بها في أمور الفولكلور آنذاك، وقد استغلها النازيون لتعزيز أجندتهم العنصرية. أعادوا كتابة كلمات الأغنية الألمانية الأشهر "ليلة صامتة" فحوّلوها إلى "ليلة صامتة، ليلة مهيبة" مشيرين إلى يوليتيد عوضاً عن الميلاد. وفي 1933، أعلنت "حركة الإيمان الألماني" أنّ "الميلاد ينتمي إلينا، لا إلى المسيحيين! لأنه أقدم من الكنائس والعهدين (القديم والجديد)". لم يكن بإمكان أعضاء الحركة تجريم أشجار الميلاد فأعادوا تسميتها بـ"أشجار الضوء" وتوجوها بالصليب المعقوف.

 

"لا نريد السلام"

يشير المؤرخ إلى أن تقويض النازيين لعيد الميلاد كان بطيئاً وثابتاً. في كانون الأول 1922، ألقى هتلر "خطاب يوليتيد" في "احتفال عيد الميلاد الألماني" الذي أقامه الحزب النازي داخل حانة في ميونيخ. وفي 1925، كان أكثر أعضاء الحزب راديكالية هم الذين كتبوا في صحيفته الرسمية "فولكيشير بيوباختر": "في الميلاد، يجب على الألمان ألا يتمنوا السلام على الأرض. لا نريد السلام! جريمة أن نقول لشعبنا أن يرغب بالسلام. إنه يعني تمني العار والذل له". كان واضحاً من رأوا فيه مخلصهم الجديد – هتلر.

أضاف المؤرّخ أنّ مهرجان يوليتيد لم ينجح بالانتشار فعلاً، وقد احتفلت به فقط الوحدة الوقائية (أس أس) وكتيبة العاصفة (أس أي) قبل أيام من 24 كانون الأول. لكن كان هنالك دوماً تغييرات دقيقة. عوضاً عن استخدام الاسم التقليدي للعيد، تحدث النازيون عن "مهرجان الأمة" أو "مهرجان العائلة الألمانية". وشجع النازيون الأهل على إعطاء أولادهم مجسمات لعناصر من الوحدة الوقائية وكتيبة العاصفة كي يلعبوا بها أو قواطع معجنات كي يصنعوا منها صلباناً معقوفة لتزيين الأشجار.

بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية، أصبح عيد الميلاد أقل عرضة لهجمات النازيين وقد استُخدم لغايات دعائية. تم تشجيع الاحتفالات العائلية لأن التجمعات العلنية الكبيرة للاحتفال بالانقلاب الشمسي لم تعد ممكنة بينما كانت الحميمية مفيدة بما أنه توجب تعتيم النوافذ.

 

زينة تنانين

في هذا الوقت، حثت كتب خاصة بعيد الميلاد العائلات على استخدام وسائل "مناسبة" للاحتفال وقد استبدلت قدر الإمكان العناصر المسيحية في العيد. عوضاً عن "ليلة صامتة"، تم تشجيع العائلات على ترنيم "ليلة سامية للنجوم الواضحة" كما اقترح الكاتب النازي البارز هانس بومان، وهو تقليد آخر لم يحظَ بالانتشار.

في 1924، أوصى عالم الفولكلور وولفغانغ شولتز الألمان بتزيين أشجار الميلاد بواسطة أربعة تنانين مقتبسة عن أسطورة إيدا الاسكندينافية مشدداً على أهمية شعور الناس بالارتباط بالتقاليد الجرمانية القديمة. تمت مكافأة شولتز بتسميته أستاذاً للفلسفة في جامعة ميونيخ سنة 1934.

ومن 1933 فصاعداً، تم وضع شجرة قبالة وزارة الدعاية السياسية في برلين وتحتها هدايا للمحتاجين. كان الهدف منها إظهار ضمير الحزب الاجتماعي. وعمد النازيون إلى إحياء كتاب من الحرب العالمية الأولى بعنوان "ميلاد في زمن الحرب". من 1915 وحتى 1917، نشر اللاهوتي الإنجيلي ريختاغ أوتو إيفرلينغ ذلك الكتاب كـ"هدية للجنود الألمان". ودعا إلى "ميلاد متسم بالتصميم" وحمّل كل المسؤولية عن الموت والدمار إلى "الأعداء" مقتبساً "أكثر ألمانيّ عاش أبداً": مارتن لوثر الذي أعيد إلى الحياة بعد 400 عام لمساعدة جهد الحرب الألماني.

من 1940 إلى 1944، أعيد إصدار الكتاب مراراً وتكراراً لإعطاء المعنويات إلى العائلات والجنود على الجبهة. وكان الهدف تأسيس رابط قوي بين الحرب والميلاد، والإشارة إلى أنّ الجنود كانوا يقاتلون كي يتمكن الألمان من الاحتفال بالسلام: "حين ننظر إلى شجرة الميلاد الخاصة بنا، فلنتذكر أن البولشفية حظرت جميع احتفالات الميلاد وأن أميركا حولته إلى سيرك لموسيقى الجاز والشرب".

 

تصريح تجديفيّ

في خطاب عيد الميلاد سنة 1942، وحين كان الجيش الألماني السادس يعاني في ستالينغراد، دعا جوزف غوبلز الألمان في منازلهم إلى "تذكر ورثاء كل بطل راحل باعتزاز". وفي تصريح تجديفي، كرّس غوبلز عيد الميلاد للقتلى من جنوده: "لقد ضحوا بأنفسهم كي نتمكن من الوقوف في النور".

ورأى المؤرخ نفسه أن الهجمات النازية على عيد الميلاد كانت جزءاً من محاولة أكبر لتقويض سلطة الكنيسة. كان ذلك سبب صراعهم ضد "الديانة الأجنبية" ودعمهم لـ"الديانة الأودينية" (نسبة للإله الوثني الاسكندينافي أودين) على أنها "الديانة الأكثر جمالاً وأخلاقاً وصواباً".

 

الديموقراطيون الاجتماعيون والشيوعيون

كان نهج الديموقراطيين الاجتماعيين مختلفاً. لم يهاجموا الاحتفالات نفسها، لكن النفاق الذي أحاط بها. وقالوا إن العائلات العاملة كانت تعيش في الفقر. وأعاد بولسلاف سترزيليفيتش كتابة "ليلة صامتة" إلى "ليلة العمال الصامتة" مع كلمات تشدد على الفقر والحاجة. في بداية الحرب العالمية الأولى، ومع وقوع الكنيستين الكاثوليكية والبروتستانتية في موجة القومية، هاجم الحزب الكهنة على نفاقهم. لكن عوضاً عن محاولة استبدال الميلاد بعيد يوليتيد، وهو "بديل سخيف" كما قال، سعى إلى إعادة تحديد الميلاد على أنه رمز الأمل بمستقبل أفضل. وكتبت صحيفة الحزب "فورفارتس" في محاكاة لترنيمة "ليلة صامتة" أنّه "في الفقر يتضوّرون جوعاً بهدوء/متى سيأتي المخلص؟"

واستخدم الحزب الشيوعي عيد الميلاد منظماً احتفالات في السجون وبيوت الأطفال وملاجئ المشردين، في وقت رفضت صحيفته "روته فاهنه" محاكاة الديموقراطيين الاجتماعيين لترنيمة "ليلة صامتة" واصفاً إياها بـ"المثيرة للشفقة" وبـ"الأنين الباكي". لكنّ الشيوعيّين انضمّوا إليهم في انتقاد نفاق الاحتفالات واختاروا البلدات في ولاية ثورنيجيا التي تصنّع الألعاب لتسليط الضوء على ظروف العمل غير المستقرة.

 

"أفسِدوا فرحتهم!"

بحسب غوترت، كانت تكتيكاتهم الأكثر فاعلية في تنظيم "مسيرات الجوع" في عدد من المدن بين 1929 و1932 حين سار الناس في الأحياء التجارية حاملين لافتات كتب عليها "أفسِدوا فرحة الأثرياء الميلادية". ومثل النازيين، روجوا لمهرجان يوليتيد واصفين الميلاد بأنه "قصة خيالية". وشجبوا المسيحية باعتبارها من مخلفات التفكير البورجوازي ورفضوا احتفالات "الكهنوت". ولم يتخلّص الشيوعيّون من أشجار الميلاد، بل سعوا لتغيير رمزيتها. استبدلوا نجمة بيت لحم بالنجمة الخماسية الحمراء للثورة الروسية. وفي 1929، احتفلوا بـ"ميلاد الذين لا يؤمنون بالله".

حتى بعد الحرب العالمية الثانية، رأى الزعماء السياسيون سبباً للقلق كما يتبين من الأحداث في ألمانيا الشرقية. سنة 1945، تم الاحتفال بأول عيد ميلاد في زمن السلم بعد "ليل النازية القاتم" مع تقليل أهمية الجذور المسيحية أو تغييرها. فعوضاً عن الاحتفال بـ"الوعود المباركة"، انصبّ التركيز على العمل والاشتراكيّة.  

كان الشيوعيّون الألمان يتبعون نموذج روسيا السوفياتية التي تخلصت من أشجار الميلاد سنة 1919 واستبدلتها بأشجار الجولكا خلال احتفالات السنة الجديدة. واستبدلوا القديس نيكولاوس بـ"أبي الصقيع" مع "رقاقات الثلج" عوضاً عن الملائكة في إحدى دور الأوبرا. ودعمت الحكومة أسواق الميلاد بمبالغ طائلة من أجل "خدمة الاشتراكية والسلام".

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم