الثلاثاء - 30 نيسان 2024

إعلان

جنبلاط ليس "الشيطان الأكبر"... رفض النسبية بمواجهة التضليل والغلبة

المصدر: "النهار"
ابراهيم حيدر
ابراهيم حيدر
جنبلاط ليس "الشيطان الأكبر"... رفض النسبية بمواجهة التضليل والغلبة
جنبلاط ليس "الشيطان الأكبر"... رفض النسبية بمواجهة التضليل والغلبة
A+ A-

بينما يتصدّر قانون الإنتخاب العناوين السياسية المتبادلة بين القوى السياسية في الحكم، وجهت السهام إلى وليد #جنبلاط وكأنه المعطل الأول للإتفاق على قانون النسبية أو المختلط ثم الصيغ المشابهة لهما. ولعل جنبلاط الذي كان الأكثر وضوحاً وصدقاً في رفضه للنسبية يعيد في موقفه السهام نفسها لتبديد الأوهام التي يشترك البعض في صناعتها ونشرها، للقول إن من يروِّج لهذه الصيغ الإنتخابية لا يأبه لخصوصيات طائفية لبنانية ولا يقرأ ما إذا كان الاندماج بات متحققاً بين اللبنانيين. فالقانون الإنتخابي المطلوب يجب أن يحقق العدالة والتمثيل إنطلاقاً من دفع البلد خطوات إلى الأمام قبل إسقاط قانون على اللبنانيين بإيهامهم أن الإندماج الاجتماعي تحقق ولا شيء يمنع إجراء الإنتخابات على قاعدة النسبية، علماً أن المشهد اللبناني لا يقدم اليوم أي إشارة إلى أن البلد يسير بخطوات إندماجية بل بمزيد من الشرذمة والإنقسام، على رغم إنجاز انتخابات الرئاسة وتشكيل الحكومة وعودة مجلس النواب الى التشريع.


"ضمان استمرار الموقع الجديد"


يعرف وليد جنبلاط أن عناوين النقاش في الانتخاب تنطلق من معلن واحد، يقوم على قاعدة تأمين الغلبة وتكريس أرجحية فرقاء داخليين على فرقاء آخرين، حيث يدخل اقتراح النسبية وأيضاً المختلط في تفكير قوى سياسية وفي الظروف التي يمر بها البلد اليوم على قاعدة الهيمنة الآحادية، وأيضاً الفئوية وفق سياسي متابع للجنبلاطية بنسختيها الأولى بقيادة كمال جنبلاط والثانية بقيادة وليد وثوابتهما السياسية، على رغم التحولات التي عصفت بالبلد طوال أربعة عقود. ويقول أن النسبية تجعل من الزعيم الدرزي حالة محصورة في منطقة معينة وتابعة لأكثر من هيمنة كبيرة، وبالتالي هو لن يقبل بها ولا بصيغها المتشابهة تحت أي اعتبار. ويقارن السياسي العتيق بين الجنبلاطيتين، بعدما صار الوضع اللبناني ممسوكاً بتفاصيله من قوى طائفية أهلية أصابت في ما بعد الوضعية السياسية الدرزية، فرسمت خرائط طائفية جديدة وسلكت القوى الأهلية مسارات تماوجت وفقها، فتأثرت الجنبلاطية الحديثة بقيادة وليد جنبلاط وصارت جزءاً من المسالك الأهلية، وفقدت بعضاً أو جزءاً كبيراً من معناها الأصلي الذي كان لها أيام كمال جنبلاط، بالتوازي مع ما أصاب البلد من اهتزازات وانتكاسات، وذلك على رغم أن جنبلاط الأب لم يهمل مصالح الجبل الدرزي، لكن معارك الانتخابات والنظام لم تكن قبل الحرب الأهلية طائفية صرفة ولا مذهبية كاملة.


ويسأل وليد جنيلاط عن رفضه لقانون النسبية، يرد بوضوح وفق السياسي، أنها اليوم ليست عامل اندماج بين اللبنانيين، بل هي تلغي مكونات لبنانية وتجعلها خارج المعادلة. لكن لماذا صارت الجنبلاطية ترى في بيتها الدرزي الخاص عامل صمودها؟ يستطرد قائلاً بأن الحرب وما تلاها أدت بعواملها كلها الى خسارة الجنبلاطية حليفها الشعبي العام المكون من أكثر الطوائف، إذا كنا نتحدث عن كمال جنبلاط، فيما هي تموضعت في البيت الدرزي ونجحت في قيادته بعدما أصابت الحرب كل البنية اللبنانية وإنجازاتها السابقة، فذهب وليد جنبلاط الى عامل القوة الجديد وخيار الاصطفاف المبني على تحالفات مع قوى طائفية مختلفة لضمان استمرار الموقع الجديد.


"قانون عادل"


المهم بالنسبة الى وليد جنبلاط ضمان تسوية داخلية لقانون الإنتخاب يكون فيه قادراً على المبادرة، لذا يتحدث عن قانون عادل، وهو يعرف أن اقتراح القانون المطروح بكل صيغه المتداولة، يحتل موقعاً أهلياً طائفياً أو مذهبياً، صفته فئوية، فلا أحد يطرح مشروعاً متكاملاً لأنه يريد تمثيلاً متوازياً وعادلاً لكل المكونات ولا من المدخل البرنامجي التطويري للصيغة اللبنانية، بل لضمان الحصة الوازنة في التركيبة الأهلية الراهنة، علماً أن ذلك ليس اتهاماً للقوى التي تمسك بمفاصل البلد اليوم، إنما هو تعيين لوضعها في المعادلة، وهو ما تعمل عليه للفوز بحصص داخلية في التركيبة اللبنانية الحالية. لذا، صار النظام الانتخابي وأي قانون مرهوناً بالتوافق الداخلي للوجود والنفوذ للقوى ذاتها، وهو ما جعل جنبلاط ومعه حزبه يتخوفان من قانون يمنح نفوذاً لقوى أهلية بتكريس التفوق والغلبة لسياسية طائفية أخرى، ما يلغي الوجود الوازن للجنبلاطية وبيتها الدرزي. وها هو الجبل بالنسبة الى جنبلاط لم يخرج بعد نهائياً من تداعيات حروب أهلية، على رغم كل المصالحات والعودة، لذا لا يمكن بالنسبة اليه القبول بقانون انتخابي يقوم على حسن النيات، علماً أن ما هو مطروح لا يتضمن النسبية الكاملة بقانون يعتمد لبنان دائرة واحدة، ولا من يطرحه أصلاً يؤمن بالإندماج اللبناني، وفق ما يقول السياسي، ذلك لأن القانون النسبي اليوم لا يتلاءم مع الحال اللبنانية الطائفية الراهنة وشرذمتها، لأن له أصولاً وموجبات ترتبط بما تمليه ظروف البلد وللرد على معضلات كبرى، فإذا كانت النسبية تؤمن فعلاً الإستقرار وتحل المعضلات الوطنية الكبرى، لماذا مثلاً لا تلغى الطائفية السياسية إذا كان ذلك حلاً لمشكلات البلد؟ هذا يعني أن إجراءات كثيرة يجب أن تسبق كل قانون في الانتخاب والسياسة وغيرهما، تعمل على حلحلة بعض المعضلات في الحياة اللبنانية، لكن شرط ذلك ألا تنطلق من نظرة فئوية وبعيداً من التضليل الذي يوهم الناس أن النسبية اليوم هي حل لكل المشكلات، بينما الواقع، وفق السياسي العتيق، أن من يطرحها من زاوية فئوية يهدف الى تكريس غلبة، وهي لا تحظى بإجماع اللبنانيين ولا ترد على هواجسهم المشتركة.


إذاً، وليد جنبلاط ليس المتهم الأول بتعطيل النسبية إذا كانت وفق قانونها اليوم لا تراعي هواجس المكونات اللبنانية، هي بالنسبة إليه تضليل ومحاولة للغلبة، وهو لذلك يرفضها اليوم من دون أن يرفضها بالمطلق كمبدأ. إذاً هو ليس الشيطان الأكبر!


[email protected]


twitter: @ihaidar62

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم