مسيحيو الشرق... روّاد نهضة ثقافية وصمود رغم التحديات

موناليزا فريحة - لوسيان شهوان - رولان خاطر - أيمن عبد النور - طارق علي - مرال قطينة - ياسر خليل - ربيع دمج
غالباً ما ينسب الغربيون، وتحديداً الأوروبيون، المسيحية إليهم، ويعتبرونها ديانة غربية، لأنها تطورت وتوسعت وشيدت كنائسها في القارة القديمة. الا أن المسيحية هي في الواقع ديانة شرقية، ومسيحيي الشرق ليسوا الا الأخ الأكبر للمسيحيين المنتشرين في جهات العالم الأربع.
اضطلع مسيحيو الشرق بدور تاريخي وروحي في الحفاظ على الانجيل لا في مهده في الارض المقدسة فحسب، وإنما في نشره أيضاً في المنطقة التي تطور فيها المجتمع المسيحي الأول، من مصر، وتحديداً الإسكندرية، مقر القديس مرقس، إلى العالم السامي الذي يمتد نحو بلاد ما بين النهرين، والهلال الخصيب، وخصوصاً أنطاكيا وإلى آسيا الصغرى واليونان، على خطى القديس بولس.
ولدت المسيحية عند "مفترق طرق" استراتيجي التقت فيه ثقافات متنوعة أثارت الأطماع وحولت المنطقة ساحة صراع دائم منذ ما قبل الميلاد.
وعانى مسيحيو الشرق مراحل مختلفة من الاضطهاد والقمع والتمييز على مدى تاريهخم، ووقعوا مراراً ضحية نزاعات مسلحة. ومنذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003، أصبح المسيحيون أهدافًا رئيسية، كما يتضح من التمييز والعنف في العراق وسوريا ومصر وغزة ولكنهم صمدوا. ومع ذلك، تراجعت أعدادهم بنسبة كبيرة بسبب موجات الهجرة المتتالية.
وفي كتابه "لعنة المسيحيين المشرقيين"، يصف المؤرخ جان- فرنسوا كولوسيمو تراجع أعداد المسيحيين في الشرق بأنه "كارثة حضارية"، لأنهم يجسدون حلقة وصل حيوية بين المسيحية والحضارات القديمة والإسلام. وهو يؤكد على دورهم الحاسم كوسطاء وناقلين للعلمنة في الشرق الأوسط، ويدعو إلى الحفاظ عليهم في المنطقة.
في عيد الميلاد، وفي ذروة التساؤلات عن مصير الأقليات في سوريا في ظل الحكم الجديد في سوريا، تلقي "النهار" الضوء على أوضاع المسيحيين في بعض الدول العربية وهواجسهم وتطلعاتهم في منطقة لطالما اعتبروا أنفسهم من أناسها الاصليين.
من هنا منبعها... كيف تستمرّ؟
كُتِب الكثير في شؤون وقضايا مسيحيي الشرق، وطُرحت مجموعة أوراق بحثية ووثائق مهمّة عالجت قضاياهم. ولا شك أن الجهد المستمرّ في هذا المجال كبير ويُسجّل لكل مُبادر حريص على الحضور المسيحي في هذا الشرق. فهذا كلّه ينطلق من أن المسيحيّة، وقبل أي مقاربة أخرى، بدأت من الشرق وذهبت الى أقاصي الأرض. ولعلّ النقطة الأبرز الواجب التطرّق إليها للدخول إلى مسألة المسيحيين في الشرق هي علاقة المسيحية والإسلام في هذه البقعة من العالم.
في البداية، لا بدّ لنا من تسليط الضوء على وجود نظرتين تاريخيتين لمسيحيي الشرق في التحاور مع الإسلام في المنطقة؛ الأولى تعتبر أن الحوار مع الإسلام يجب أن يتمّ من منطلق دينيّ فقط، وهذه نظرة أغلبية المسيحيين المشرقيين الذين عاشوا في ظلّ الإسلام، مستفيدين من إطار التسامح الإسلامي. ونظرة ثانية تعتبر أن منطلق الحوار مع الإسلام مرتبط بالنظرة إليه على أنه مسألة سياسية أيضاً.
مسيحيو لبنان روّاد نهضة ثقافية قبل الدور السياسي
لا يُنظر إلى الوجود المسيحي في لبنان بشقه السياسي فقط، على الرغم من أهمية هذا الدور في ولادة لبنان الكبير، وجعله واحة حضارة وحرية، بل من الشق النهضوي الاقتصادي والثقافي الذي كان أساسياً في بناء صروح الثقافة وتطور اللغة وانتشار العلم والتعليم. أسّس المسيحيون المدارس والجامعات والمستشفيات، والمياتم ومراكز الإيواء ورعاية المعوقين، قبل الأعمال التي توزعت على الصناعة والتجارة، خصوصاً السياحة، فساهموا في النهضة الاقتصادية والمالية.
مسيحيو سوريا المسالمون ليسوا طامعين بكرسي أحد
عبر تاريخهم الطويل في سوريا "التاريخية"، كان المسيحيون السوريون أول من آمن بالسيد المسيح وبدعوته، وكانت دمشق هي مَن اهتدى بها الرسول الأهم بولس، على يد القديس حنانيا في دمشق القديمة (كنيسته ما زالت موجودة في باب توما) ومن دمشق اتجه إلى أنطاكيا وبشّر جميع العالم .
انتقل المسيحيون السوريون عبر التاريخ من الأكثرية العددية إلى الأقلية العددية، حيث تدحرجت نسبتهم من حوالى 30% عند الاستقلال إلى 12% عندما استلم حافظ الاسد السلطة، إلى 8% عند بداية الثورة 2011 وذلك لأسباب عدة.
مسيحيو سوريا من مليونين ونصف إلى 600 ألف والهجرة مستمرة
قدّر المكتب السوري للإحصاء تعداد السوريين عام 2011 بـ 24 مليون نسمة، وبحسب مصادر كنسية معلومة ومراكز أبحاث متعددة معنية بالشأن السكاني، كان المسيحيون يشكّلون من ذلك النسيج الديموغرافي ما تقارب نسبته 10 في المئة، أي حوالى مليونين ونصف مليون نسمة كأقلية كبرى في البلاد.
بيت لحم تستقبل الميلاد بلا شجرة ولا أضواء... حرب غزة آخر الضربات للمدينة ومسيحييها
حزينة وشبه فارغة من المارة والمتسوقين، هكذا بدت مدينة بيت لحم الفلسطينية. على غير العادة وللعام الثاني على التوالي، تقتصر احتفالات عيد الميلاد على الشعائر الدينية في كنيسة المهد والكنائس المجاورة، فأربعة عشر شهراً من حرب الإبادة على غزة جعلت من الصعب الإحتفال بفرح المجيء.
يتناقل المصريون أسطورة تقول إن شجرة الميلاد والكثير من مظاهر الاحتفال الميلادي في مصر تعود إلى قدامى المصريين. وفي تفاصيل الأسطورة أن "ست" (إله الشر عند قدماء المصريين) دبر مكيدةً قتل فيها أخيه الطيب أوزيريس، ووضعه في تابوت وألقاه في البحر. حمله التيار إلى شواطئ بيبلوس الفينيقية التي تُعرف الآن باسم جبيل في لبنان. رسا التابوت تحت شجرة رائعة فاحتضنته، وبعد إعادة إحيائه، اتخذت هذه الشجرة رمزاً للميلاد.
الإمارات أرض السلام: المسيحيون أحراراً في ممارسة شعائرهم
حرصت دولة الإمارات العربية المتحدة منذ تأسيسها على احترام جميع الأديان، سواء السماوية أو الروحية والفلسفية، ففيها معابد للهندوس والسيخ، ومراكز دينية للطائفة الإسماعيلية والموحدين الدروز وغيرهم، فضلاً عن كنائس تابعة لكل المذاهب في أبو ظبي ودبي والشارقة، حتى أن طائفة المورمون المسيحية بنت في دبي أول كنيسة لها في المنطقة العربية، وذلك في 2022.
في 1964 وُضع حجر الأساس لأول كنيسة في الإمارات اسمها سانت جوزيف للروم الكاثوليك داخل إمارة أبو ظبي، على امتداد أرض تقع على كورنيش أبو ظبي، قدمتها الحكومة مجاناً للطائفة. وفي 1967 أنشئت مدرسة تابعة للكنيسة.