العالم العربي 20-12-2024 | 06:29

من هنا منبعها... كيف تستمرّ؟

لا بدّ لنا من تسليط الضوء على وجود نظرتين تاريخيتين لمسيحيي الشرق في التحاور مع الإسلام في المنطقة.
من هنا منبعها... كيف تستمرّ؟
شجرة الميلاد في الأشرفيه بشرق بيروت.
Smaller Bigger

كُتِب الكثير في شؤون وقضايا مسيحيي الشرق، وطُرحت مجموعة أوراق بحثية ووثائق مهمّة عالجت قضاياهم. ولا شك أن الجهد المستمرّ في هذا المجال كبير ويُسجّل لكل مُبادر حريص على الحضور المسيحي في هذا الشرق. فهذا كلّه ينطلق من أن المسيحيّة، وقبل أي مقاربة أخرى، بدأت من الشرق وذهبت الى أقاصي الأرض. ولعلّ النقطة الأبرز الواجب التطرّق إليها للدخول إلى مسألة المسيحيين في الشرق هي علاقة المسيحية والإسلام في هذه البقعة من العالم. 

في البداية، لا بدّ لنا من تسليط الضوء على وجود نظرتين تاريخيتين لمسيحيي الشرق في التحاور مع الإسلام في المنطقة؛ الأولى تعتبر أن الحوار مع الإسلام يجب أن يتمّ من منطلق دينيّ فقط، وهذه نظرة أغلبية المسيحيين المشرقيين الذين عاشوا في ظلّ الإسلام، مستفيدين من إطار التسامح الإسلامي. ونظرة ثانية تعتبر أن منطلق الحوار مع الإسلام مرتبط بالنظرة إليه على أنه مسألة سياسية أيضاً. وبين كل الجماعات المسيحية في الشرق لم يكن سوى مسيحيي لبنان، والموارنة بينهم بشكل خاص، من دعاة النظرة للإسلام على أنها مسألة سياسية كما أنها دينية. وهذا ما جعل منهم رواداً أساسيين لمشروع سياسي تبلور في حقبة حكم السلطنة العثمانية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وبداية القرن العشرين. فعملوا ونجحوا في إنتاج دولة وطنيّة على شكل "الدولة الأمّة" في أوروبا، وتحقق ذلك في إعلان دولة لبنان الكبير عام 1920. وفي مسارهم السياسي سعوا أيضاً إلى ضمانة مطالب المجموعات الدينية الأخرى احتراماً للتعدديّة الدينية، وقد تجلّى ذلك في "الطائفية السياسية" في عهد المتصرفيّة التي حمت كل الجماعات في لبنان وبالتساوي في "مجلس المتصرفيّة" المُكوّن من الموارنة والدروز والسنّة والشيعة والروم الأورثوذكس والروم الكاثوليك، حيث تشكّل من عضويين لكل مكوّن. 

هذا النضال التاريخيّ في لبنان، والذي أنتج الدولة اللبنانية التي كانت المنصة الجديّة الوحيدة في الشرق لحوار مسيحي-إسلامي يحافظ على حريّة وكرامة الإنسان، وأي مشروع أو مقاربة لقضايا مسيحيي الشرق، يجب أن تبدأ من حماية التجربة اللبنانية التي أنتجت دولة في لبنان، حيث للمسيحيين حضور فعليّ ومُقرّر في السياسة والاقتصاد وكل القضايا الأخرى. فمن الحضور المسيحي في لبنان الذي لا ينظر الى نفسه بخلفيّة أقلويّة، كما أنه رفض عبر التاريخ استتباعه بديكتاتوريات أو ولايات، ونجح في تخطّي مشروع حلف الأقليّات في المنطقة، فمن هنا يمكن الانطلاق نحو بحث مسألة مسيحيي الشرق. كما على المسيحيين الموجودين في بلدان الشرق الأخرى أن يسعوا إلى الانخراط في مشاريع تدفع باتجاه تحقيق الدولة الوطنية والمواطنة الفعليّة، فهذا خلاصهم الوحيد الذي يجب أن يتمايز عمن يريدهم وقوداً لمعاركه السلطويّة، كما فعل النظام السوري الراحل طيلة فترة حكمه التي امتدّت لـ54 عاماً. دعم خيار الدولة اللبنانية والرهان على حاملي لوائها هما ما يجب أن يراهن عليهما العالم الحرّ لضمان بقاء المسيحيين في الشرق واستمراريّتهم.

الأكثر قراءة

شمال إفريقيا 10/6/2025 7:23:00 AM
فرض طوق أمني بالمنطقة ونقل الجثتين إلى المشرحة.
النهار تتحقق 10/6/2025 11:04:00 AM
ابتسامات عريضة أضاءت القسمات. فيديو للشيخ أحمد الأسير والمغني فضل شاكر انتشر في وسائل التواصل خلال الساعات الماضية، وتقصّت "النّهار" صحّته. 
لبنان 10/6/2025 9:32:00 AM
طقس الأيام المقبلة في لبنان