الثلاثاء - 30 نيسان 2024

إعلان

بغداد "القرمزيّة"

المصدر: النهار
خالد الطراح
خالد الطراح
مشهد من بغداد 2020. (الصورة عن "أ.ف.ب").
مشهد من بغداد 2020. (الصورة عن "أ.ف.ب").
A+ A-
وثّق الأخ الفاضل الدكتور فالح الحمراني، وهو مواطن عربي من أصول عراقية ومقيم في العاصمة موسكو، من خلال ترجمة مذكرات وتأملات نائب وزير الخارجية وممثل رئيس روسيا في الشرق الاوسط عن العراق والعالم العربي وسفير موسكو في بغداد، فيكتور باسفاليوك (1940-1999)، بعنوان "سماء بغداد القرمزيّة"، وهو كتاب فيه من المعلومات والملاحظات والاستنتاجات المهمة والمثيرة للجدل أيضاً.
 
حمل الكتاب، الذي صدر منذ سنوات في اللغة الروسية ومن ثم جاءت النسخة المترجمة إلى العربية، بعض المفاجآت الموثقة وإن كانت متوقعة من بعض الشخصيات العربية، إلى جانب سرد واقعي يدعم الكثير من الآراء والمواقف، خصوصاً لمن عايش مرحلة غزو الكويت وكذلك حرب سقوط نظام طاغية بغداد وكان شاهداً عليهما.
 
هناك العديد من التحفظات بالنسبة لي على بعض ما ورد في الكتاب على يد مؤلفه، لا سيما من نقد لاذع لحقبة الاتحاد السوفياتي وقادة الحزب الشيوعي والسياسة الخارجية أيضاً، وهو نقد لا يختلف عن غيره من مسؤولين سوفيات صوّبوا نيران النقد بعد انهيار الاتحاد السوفياتي بلغة حادة جداً، وهو ظرف له مبرراته وأسبابه قد يكون من بينها رهبة التعبير عن الرأي في زمن حظر الحديث والنقاش، لكن هناك من مزج بين النقد الموضوعي والانتقام من حقبة سياسية كانوا فيها شركاء ومقربين من أصحاب القرار ومستفيدين أيضاً من تلك المرحلة التاريخية!
 
شمل الكتاب العديد من الأحداث والوصف الدقيق في تدرج صدام في السلطة ضمن مخطط محكم حتى تنفيذ "المغامرة الكويتية وتحوله إلى وحش لا يمكن تدجينه، شبيه بالذئب الذي دائماً ينظر إلى الغابة" (ص 96). 
تناول الكتاب أيضاً الحرب العراقية-الإيرانية حيث كشف المؤلف باسفاليوك أن "الحرب التي تورط بها العراقيون في 1980، لم تزد التقارب بين موسكو وبغداد بالرغم من أنها أضافت الأموال في خزينة الاتحاد السوفياتي" حيث شكلت تلك الفترة "مردوداً تجارياً بلغ 41% من إيرادات العملات الصعبة الواردة من العراق" لقاء أسلحة وخدمات خبراء.
سرد المؤلف حكاية "المؤرخين المداهنين الذين طرحوا فرضية أن صلاح الدين الأيوبي لم يكن كردياً وإنما عربي منحدر من إحدى قبائل تكريت وبالتالي الإيحاء بفكرة قرابته بصدام حتى بروز ولع صدام المرَضي حتى العدوانية بالظهور على فرس أبيض خلال العروض" (ص 108).
 
تطرق المؤلف أيضاً بتفاصيل دقيقة الوهم الإلهي الذي غرق فيه طاغية بغداد بتبريره لاحتلال الدولة المسلمة، الكويت، طاوياً بتعمّد وتشويه مساعدات ومواقف الكويت العروبية وكذلك دول الخليج مع نظام طاغية بغداد صدام حسين خلال الحرب العراقية –الإيرانية التي بلغت 120 مليار دولار منها 40 ملياراً من الكويت فقط!
وثّق مؤلف كتاب "سماء بغداد القرمزية" بعض الأحداث والمواقف السياسية منها ما نشره سعد البزاز، دبلوماسي عراقي سابق، في "فبراير 1992 في جريدة الجمهورية"، حين كتب: "ينبغي إجراء دروس حقد خصوصية على من دمر البلاد حتى يتشرب الأطفال مع حليب الأمهات الحقد المقدس" (ص86).
كما هو معروف أن سعد البزاز كان من الشخصيات المقربة لنظام المقبور صدام، وقد أدى دوره بإتقان أثناء سنوات عمله في السفارة العراقية لدى لندن، وكذلك حين تحول إلى معارض بعد انفصاله عن نظام طاغية بغداد!
 
حقيقةً، لم أذهل من نشر البزاز لتلك الفقرة المليئة بالأحقاد والمعبرة عن العداء الشرس بغض النظر عن الظروف التي فرضت نفسها عليه وعلى غيره أيضاً، فقد تعاملت شخصياً مع البزاز أثناء فترة إقامته في لندن خلال فترة عملي كمدير للمركز الاعلامي الكويتي في لندن (2000-2007) وكانت له طلبات مبطنة بمقترحات لم أقتنع فيها سياسياً وإعلامياً، وتعززت هذه القناعة بعد تداول الأمر مع شخصيات عراقية وكويتية على معرفة جيدة بسعد البزاز، خصوصاً بعد رفضه الإدلاء بشهادته أمام قاضي محكمة الجنايات الكويتية الاخ الفاضل المستشار نايف المطيرات الذي انتقل إلى العاصمة البريطانية بقرار المحكمة للاستماع لشهادات بعض الشخصيات العراقية أثناء النظر في قضية علاء حسين، الذي تم تنصيبه رئيساً للحكومة (الموقّتة) أثناء الغزو وصدر حكم بسجنه بالمؤبد، متذرعاً بأسباب مختلقة منها شكّه في القبض عليه أثناء تواجده على أرض السفارة الكويتية، وهو لم يكن أساساً مطلوباً للعدالة الكويتية، بينما رئيس الاستخبارات العراقية الأسبق خلال نظام الطاغية وفيق السمرائي أدلى بكل ثقة وشجاعة وتعاون بشهادته دون أي تحفظ يذكر!
 
ذكّرني الكتاب بتلك الأيام وتناقضاتها ومفاجآتها التي كان لمجموعة كبيرة من الأخوة العراقيين والعرب دور مهم في نجاح مهام عملي، بينما البعض الآخر كان منشغلاً في بناء ثروات هائلة برهنت الأيام فيما بعد على حقيقتها حتى يومنا هذا.
من ناحية ثانية، تناول الكتاب الموقف الفلسطيني المؤيد للغزو ممثلاً في رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، فقد روى باسفاليوك عن موقف سفير المنظمة لدى بغداد، عزام أحمد، الذي جمع تناقضات صارخة في بعض الصفات الشخصية كالطيب على حد تعبير المؤلف، وحماسه الشديد أيضاً نحو "تشجيع عرفات على موقفه في تأييد صدام" بربط "المشكلة الكويتية بالفلسطينية" مسلطاً الضوء على ما ذكره السفير الفلسطيني عزام أحمد للديبلوماسي بوسفاليوك بالحديث عن ذلك الربط "إني اعتبرتها سابقاً وهماً، ولكنها غدت الآن واقعاً"! (ص70)
 
ستظل حقبة الغزو العراقي للكويت مادة جاذبة للتحليل والتوثيق، وربما تتدفق إلى الضوء الإعلامي أسرار جديدة على غرار ما جرى تسريبه في الفترة الأخيرة من تسجيلات بين الرئيس الليبي المخلوع معمر القذافي وضيوف آخرين، لم تخلُ هذه التسجيلات -إن صحت- من المؤامرات ضد دول خليجية. 
 
*كاتب كويتي
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم