الثلاثاء - 30 نيسان 2024

إعلان

توهان في دير القلعة... وطيف غايا يُرافقنا من هناك!

المصدر: "النهار"
توهان في دير القلعة.
توهان في دير القلعة.
A+ A-
كانت هُناك، في المكان الأثري الذي يروي قصص التاريخ الذي نُريده عريق الطلّة وبأيّ ثمن. وإن كانت الأخطاء الجميلة بتهوّرها تُلبّد سماء فصوله. والدماء تُلوّن أيامه الطويلة "كيوم الجوع". ارتدت الأسود، كما هي عادتها، وهذا الوقار الجميل الذي يخفي مئات الأعوام من البكاء الصامت. وما يُشبه الابتسامة التي لا تُعاتب الحياة، بل تتعالى عليها لأنّها تفهمها جيّداً. وغايا، هي الأخرى كانت معنا. أحمر الشفاه الذي يُنذر بعشق صاخب لحياة استأذنت منها باكراً. "زنطرة" تليق بجموح العاشقات الصغيرات اللواتي لا وقت لديهنّ لتحضير أنفسهنّ لحالات الزمان وتقلّباته. وضحكة عالية لشابة عشقت الحيوانات الشاردة وحوّلت نفسها المأوى الذي يلجأ إليه كلّ كائن نبذه الإنسان الشرير. ترافقنا لأكثر من ساعتين في الموقع الأثري في دير القلعة القائم في بيت مري المشهديّة. مجموعة من الصحافيين، وعشرات الذوّاقة من كلّ الأعمار. وكانت آني فارتيفاريان حاضرة معنا وسط الطبيعة القاسية بسحرها والتي تُكحّل العين بفصول التاريخ الغدّار. أصرّت أن تكون الصباحيّة مليئة بالفن والمغامرات داخل القلعة الأثريّة، وأن تنتشر المشهيّات الشهيّة والمشروبات التي تروي الروح قبل الجسد على الطاولات التي "تلحّفت" سماء بيت مري الدافئة حتى في عزّ بردها القارس. اختارت أفضل ما يمكن أن يُقدّمه لبنان والعالم على كلّ الأصعدة، لتكون ابنتها غايا، الفنانة التشكيليّة التي جرفها انفجار الرابع من آب، سعيدة، أينما كانت. لتُكمل مشروعها في تحويل الفن قصيدة تتردّد على كلّ الألسن، وتنتقل من مُخيلة إلى أخرى ببساطة وجماليّة أحاديث الهوى.
 
أكثر من 30 مُصمّماً وفناناً وحرفيّاً مُعاصراً يعرضون أعمالهم الانتقائيّة في مُختلف الزوايا في القلعة المهيبة وبأسلوب مُشوّق، يحضّ الزائر على البحث عنها هُنا وهُناك، انطلاقاً من خريطة يحصل عليها ما ان يدخل "عتبة" القلعة الافتراضيّة.
 
والزائر يمشي الهوينى في القلعة باحثاً عن الكنوز الفنيّة المختبئة في كل الأمكنة. فمن جهة يتعرّف إلى القلعة المسكونة بالنوادر. ومن جهة أخرى يصطاد التصاميم والأعمال الفنيّة على أنواعها. يستمتع بالنزهة والبحث والتركيز على الخريطة. ومن ثمّ يجد نفسه فجأة أمام هذا العمل أو ذاك. وتبدأ عندئذٍ رحلة البحث عن "ديكور" مُخيلة الفنان. وربما أيضاً تبدأ رحلة الاستمتاع، "هيك بلا هدف معيّن".
 
نحن في معرض "توهان في المسار الصحيح" الذي تُقدمه المنصّة الرقميّة: Art Design Lebanon (AD Leb)
 
المخصصة لدعم الإنتاج الثقافي والفني في لبنان والمنطقة المُجاورة.
 
 
وكانت الفنانة الشابة الراحلة غايا فودوليان قد طوّرت فكرة هذه المنصّة، التي أرادت من خلالها دعم الفنون وتحويل الثقافة لوحة نرسمها بجنوننا أينما كنا، ومن دون أيّ تكلّف أو ادّعاء.
 
وكان ذاك الانفجار.
 
وغادرت غايا حياة عشقتها واحترمتها وحضنت كلّ الكائنات فيها، لاسيّما تلك التي تعيش الخوف والعنف في الشوارع.
 
ولكن والدتها، آني فارتيفاريان، رفضت أن تموت غايا مرتين.
 
فإذا بها ترتدي الأسود وهذا الحزن الجميل بنبله، وتُكمل ما بدأته الشابة التي أحبت الحياة أكثر من اللزوم.
 
وهو المعرض الثاني الذي تُقدمه المنصّة أو الفسحة الثقافيّة هذه، وهو ينطوي على المنحوتات والصور والرسومات والمنسوجات والتصاميم التفاعليّة. وقد "نصطدم" ونحن "نخوض هذه المغامرة الفنية" بمعبد روماني يعود إلى القرن الأول بعد الميلاد.
 
نتوه لكي نتعرّف أكثر إلى أنفسنا. ولنقف وجهاً لوجه مع مُخيلتنا.
 
والعنوان مأخوذ من نصّ نشرته غايا على صفحتها الشخصيّة على "إنستغرام" في إحدى زياراتها لقصر فرساي الشاهق بروعته.
 
وأرادت غايا من هذه المنصّة التي وُلدت بعد وفاتها، أن تكسر النمطيّة التي يرتديها البعض ثوبه الباهت والمُمل في مواجهة حياة تحتاج اليوم أكثر من أيّ وقت مضى للجنون والابتكار. ومن هنا عرض مُختلف الفنون في مكان واحد وداخل عمل واحد.
 
وأحد الأعمال يمزج تصميمين لم تتمكن غايا من أن تُنهيهما، مع منحوتة عملاقة لناتانيال راكو ويشتمل على الضوء بدوره المحوري في حياتنا وأيضاً الـ"ستالاغميت"(الصواعد) في مغارة جعيتا. عنوانه Drop By Drop.
 
أو: "قطرة، قطرة" إذ أنّ المنحوتة العملاقة مغطاة بقطرات ضوئيّة تشير بحسب الفنان إلى "مستقبل واعد".
 
تنوعت الموضوعات التي عالجتها الأعمال التي علينا أن نبحث عنها لنجدها في القلعة المديدة:
 
الطبيعة، المشاهد اللبنانيّة "قحّ"، الغليان السياسي في بلد التناقضات، التقاليد والطقوس، مرور الوقت، الخسارة، فقدان من نحب، الذكريات.... وصولاً إلى الأمل.
 
وقد ساعد البروفسور المُتخصص بالآثار، أسعد سيف، المشاركين، في فهم القلعة أكثر من خلال جولات مكثفة روى لهم خلالها بعض فصول من تاريخها. ومن هنا انبثقت أعمالهم التي حوّلت من التاريخ الركيزة التي تنطلق منها لتُحاكي المُستقبل. وفي الانتظار، تترنّح على صدى جنون الحاضر.
 
وآني فارتيفاريان تُريد لهذه المنصّة التي وُلدت بعد رحيل ابنتها أن تُسلّط الضوء على المساحات المنسيّة، و"إقامة حوار بين مختلف أشكال الإبداع، وتشجيع الفنانين والمُصممين على البقاء في لبنان. ودعم المجتمع ككل عن طريق الفن والتصاميم والحرف اليدويّة، وإعادة سرد التاريخ".
 
حوار سرّيالي نحتاج إليه اليوم أكثر من أيّ وقت مضى بين الفن والموقع الأثري الذي يلزمنا ما يُقارب الساعتين لنكتشف الكنوز الفنيّة المختبئة في كل زواياه.
خريطة "بإيد".
 
فنجان قهوة "بإيد تانية".
 
وغايا فودوليان بجموحها الجميل، تُشرف على حلمها من مكان ما هُناك.
 
وآني فارتيفاريان تقف صامتة في مكان ما في القلعة.
 
ما يُشبه الابتسامة.
 
ووقار جميل بحزنه الساكن.

يستمرّ المعرض حتى التاسع من الجاري.
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم