الثلاثاء - 30 نيسان 2024

إعلان

ما الذي أستفزّ في فيلم "أصحاب… ولا أعزّ"؟

المصدر: "النهار"
ملصق الفيلم.
ملصق الفيلم.
A+ A-

يوخنا دانيال 

منذ اللّحظة التي شاهدتُ فيها منى زكي تخلع الكيلوت بحركات موحية ومتقنة في فيلم "أصحاب… ولا أعز"، حتى قلت لمن كانوا معي أنّها ستتعرض الى حملة شعواء بسبب هذه اللقطة. وهذا ما حصل بالفعل، ولم يتوقف التفاعل السلبي مع هذا المشهد. علماً أنّي قد شاهدتُ النسخة الأصليّة الإيطالية من الفيلم منذ أكثر من خمس سنوات وكتبت عنها على صفحتي السينمائيّة، وأعلم أن الفيلم قد عرض في مهرجان القاهرة ونال الجائزة الكبرى ولم يتعرض إلى أي هجوم. 

في ذلك الوقت بالطبع، لم أتوقع أن يُنقَل الفيلم إلى لغات أخرى، وخصوصاً إلى اللّغة العربية. لأن البيئة العربية هي بيئة السّتر والإخفاء. إذ أن كلّ شيء عندنا مباح، لكن في السرّ حفاظاً على العائلة وقيمها. بالضبط كما في أفلام المافيا، حيث تترافق العائلة والتديّن مع الجريمة المنظّمة بكل أنواعها. هكذا أصبح هذا الفيلم قنبلة تفجّر الصمت وثقافة الستر التقليدية التي مضى عليها آلاف السنين في مجتمعاتنا، وخصوصا أنّ هناك مقولة متوارثة فحواها "وإن ابتليتم بالمعاصي فاستتروا". وبالطبع، لا نعرف ما هي هذه المعاصي المقصودة بالمقولة. هل هي المخدرات أو الرشوة أو السرقة أو الخيانة الزوجية أو القتل؟ لكن بعض هذه الأمور ليست شخصية، وهناك حق عام وقانون يعاقب عليها. فهل يكفي الستر أو الاعتراف أمام كاهن كي نتخلص من الخطأ أو الخطيئة؟! 

لكن لماذا تحول مشهد الكيلوت إلى مشهدٍ أيقونيّ استفزّ عشرات الملايين في مصر، أكثر من الحكايات الأخرى في الفيلم، ومن ضمنها حكاية المثليّة الجنسيّة أيضاً؟ للجواب عن هذا التساؤل نقول إنّ فنانة ناعمة مثل منى زكي ترتبط دائماً بأذهان المشاهدين في مصر بنموذج الفتاة العاقلة الهادئة الّتي لا يمكن أن تخطئ في أفلامها، ولا حتّى في حياتها الواقعية، وخصوصاً مع شيوع مصطلح "السينما النظيفة" المهادنة للقيم الدينيّة، في أعقاب غزو الفكر الديني المتزمت لمصر منذ نهاية السبعينيّات، بالتزامن مع غزو البترو-دولار السعودي وسياسة الانفتاح الإقتصادي. أعتقدُ جازماً أنّ اختيار منى زكي لهذا الدور كان مدروساً ومتعمداً من المخرج والمنتج، بفضل ما تتمتّع به الفنّانة من شعبيّة هائلة، وتفوّق فنّيّ، وصورة سينمائية واجتماعية راسخة بين المشاهدين، كي تحقّق في دورها الجريء هذا أكبر قدر من الصدمة الجماهيرية. وهذا ما حصل بالفعل، مما أعطى الفيلم دعاية وقوة إضافية بين الناس، وخصوصاً في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. 

إنّ ارتباط فكرة الشّرف في العالم العربي بالمرأة، وغشاء البكارة بالتحديد، هو العامل الأكبر الذي استفزّ الناس، وخلع الكيلوت مسبقاً يعني عمليّاً الاستعداد لممارسة الجنس مع شخص آخر غير الزوج. وهذا حفزّ أذهان المشاهدين ولاوعيهم إلى ما يعتقدون أنّه الطبيعة اللاأخلاقية لهذا التجمّع على العشاء. إضافة إلى أنّ فكرة تنامي العلاقات الافتراضية، من طريق السوشيال ميديا، وإمكان تحولها إلى ممارسات جنسية وخيانات واقعيّة، أضافت بعداً جديداً لمشهد خلع الكيلوت، فأصبح في النهاية معادلاً للخيانة. 

كما أنّ مزج الشخصية السينمائية مع شخصية الفنانة الواقعية، ضاعف مشاعر الخطر واللايقين بين المشاهدين؛ هذا الخطر الذي بدأ يتنامى شيئاً فشيئاً بينهم مع بدء هذه اللعبة الجهنّميّة، وكذلك مع معاقرة منى زكي للخمر بشراهة طوال الفيلم. هكذا أصبح المشاهد في مصر، المسكون بنظريات المؤامرة على الدين والوطن، محاصراً في زاوية ضيقة بسبب قيام ممثّلته المحبوبة بهذا الدور. أتساءل كيف كان سيكون موقف هذا الجمهور فيما لو نقل المخرج إلى اللّغة العربيّة المشهد الأصلي الذي ترفع فيه هذه الشخصية فستانها أمام الجميع كي تريهم أنّها بالفعل من دون كيلوت! يا ترى، ما كان سيكون حجم الصدمة عندها؟ ذلك أن النسخة العربية استعاضت عن هذا المشهد الجريء جداً بمشهد البداية الأخف، الذي يوحي بخلع الكيلوت ووضعه في حقيبة اليد. علماً أنّ مشهد رفع الفستان أيضاً في النسخة الإيطالية لا يتضمن عرياً بل إيحاء بالتعري. 

بصراحة، لعبت كاريزما منى زكي دوراً أساسيا في انتشار الفيلم ونجاحه الواسع، وأصبح اسمها علامة فارقة فيه. ومع أنّها الفنّانة المصريّة الوحيدة مقابل ستّة فنّانات وفنّانين رائعين من لبنان والأردن، كانت هي الصوت الأعلى، والشخصيّة الأكثر مرحاً وجذباً لأنظار المشاهدين. علماً أن الفنانين الآخرين أدّوا أدوارهم ببراعة فائقة وبأعلى درجات الإقناع.  

بهذا نكون فكّكنا هذه الصدمة العفوية بين المشاهدين إلى عناصرها المختلفة التي يقبع معظمها في أذهان المشاهدين وعقلهم الباطن وموروثهم الفكريّ والدينيّ والأخلاقيّ التقليديّ. وقد استطاع هذا الفيلم الذكي أن يحفزّ الجميع على النقاش والتحليل وإبداء الرأي، وسيكون درساً ممتازاً لتربية المشاهدين وتطوير أذواقهم الفنية ومفاهيمهم عن أهمية السينما ودورها الإجتماعي.

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم