الثلاثاء - 30 نيسان 2024

إعلان

التفكير الجديد في موسكو طلق الممارسة الشيوعية التقليدية

المصدر: "النهار"
Bookmark
التفكير الجديد في موسكو طلق الممارسة الشيوعية التقليدية
التفكير الجديد في موسكو طلق الممارسة الشيوعية التقليدية
A+ A-
ان ما يطلق عليه مصطلح "المراجعة الاستراتيجية"، لم يكن مراجعة استراتيجية حقيقية او حتى مراجعة بالمعنى المتعارف عليه. فقد اطلق الرئيس هذا التغيير في 15 (شباط) 1989 بغية اجراء اعادة تقويم رئيسي للسياسة الاميركية الخارجية. وبعد ثمانية اعوام شغل فيها منصب نائب الرئيس، كان واعيا شخصيا ضرورة وجود بصماته على تلك السياسة. وقد رمت المراجعة الى توجيه اشارات للجهاز البيروقراطي والكونغرس والاعلام والجمهور عموما، مفادها ان الاوان قد حان لاعادة تقويم الافتراضات القديمة. وبدا هذا بمثابة اقتراح طبيعي ومتوقع في زمن تغيير حافل كالذي نعيش فيه. ولسوء الحظ ارتكبنا غلطتين من حيث الطريقة التي اعددنا المراجعة بموجبها، الاولى تكمن في اننا لما كنا نستكمل ما بدأته ادارة ريغان، غيّرنا طاقم الموظفين على نحو غير جذري. ولهذا فان معظم المراجعة انجزه موظفون من ادارة ريغان. ولما كان هؤلاء مسؤولين عن تطوير السياسة السابقة وتثبيتها فقد كانت لديهم مصلحة شخصية ونفسية في المحافظة على الامر الواقع. وكان ذلك اشبه بالطلب الى مهندس ان يعيد النظر في عمل انجزه، فقد يغير موقع باب هنا او نافذة هناك، ولكنه لن يعيد النظر في الاسس الرئيسية التي ينهض عليها البناء. ولا حاجة الى القول ان هؤلاء المسؤولين وجدوا انفسهم عاجزين عن اعادة التفكير في الاشياء من جديد. واما الغلطة الثانية فتكمن في اننا بدلا من ان نسعى للحصول على افكار ومقترحات من مصادر ليست لديها مصالح تتصل بالسياسة الراهنة، فقد طلبنا من الجهاز البيروقرطي نفسه ان يبتكر لنا المشاريع الجديدة. وادى ذلك الى نشوء نوع من التفكير الذي كان يستبعد كل ما هو سجالي ومثير للاهتمام باسم الاجماع البيروقرطي. واخيرا لم نظفر الا بكتلة هلامية لا شكل لها. بالنسبة الى الاتحاد السوفياتي واوروبا الشرقية، عقد الرئيس اجتماعاته لمجلس الامن القومي في30 اذار و4 و5 نيسان كما عقد الرئيس جلسة خاصة لخبراء الشؤون السوفياتية في 12 شباط، واعقبتها جلسة نظمتها في وزارة الخارجية في 24 نيسان وحضرها ثلاثة خبراء هم: ستيف سيستانوفيتش من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وستيف ماير من معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا، وجورج برسلوير من جامعة كاليفورنيا في بيركلي. وقد تركز معظم الحوار في هذه اللقاءات على القضايا السوفياتية الملغزة، ومن ابرزها: هل البيروسترويكا "فترة لالتقاط الانفاس" ام انها "نقلة حقيقية" في السياسة السوفياتية؟ بالنسبة الى المحللين الاكثر تشددا وصقورية كانت البيروسترويكا مجرد فترة لالتقاط الانفاس ابتدعها السوفيات من اجل التغلب على الجمود السوفياتي ليكون مستعدا لمرحلة اخرى من السباق مع الديموقراطية والرأسمالية حتى القرن المقبل. واما بالنسبة الى المحللين الاكثر تساهلا وحمائمية فقد كانت البيروسترويكا تمثل نقلة جذرية في السياسة السوفياتية. كما ان غورباتشيوف كان بالنسبة اليهم دوبتشيك الاتحاد السوفياتي، الرجل الذي سيدشن عهدا جديدا عنوانه "الاشتراكية في وجه انساني". واما بالنسبة الي فقد بدا ذلك كله لاهوتا اكاديميا. وفي ربيع عام 1989 اصبحت وجهتا النظر تنطويان من موقع تحليلي، على نقاط قوة ونقاط ضعف. ولعل ما كان يستحوذ على اهتمامي انذاك هو طبيعة العمل الذي يتعين علينا اتخاذه في وجه هذين الاحتمالين المختلفين، من اجل تعزيز مكاسبنا الديبلوماسية الى اقصى حد ممكن.وتخفيف حجم المخاطر في الوقت نفسه، وهذا قد يكون السبب الذي جعلني لا اتذكر سوى القليل من نتائج هذه الجلسات، باستثناء الشعور بان من الممكن تقسيم الادارة (الاميركية) مدرستين فكريتين، هناك مدرسة "الامر الواقع" التي كانت ترى ان كل شيء يسير في مصلحتنا نظرا الى ضعف السوفيات الشديد. وبحسب هذه المدرسة كان علينا انتظار غورباتشيوف فيما هو يقدم التنازلات طالما ظللنا صامدين. وقد بدا ان وزارة الدفاع ويشاركها في ذلك بعض اعضاء مجلس الامن القومي كانت تميل الى الاخذ بوجهة النظر هذه. وفي المقابل كنت مع مستشاري الرئيسيين اقرب الى تبني ما يمكن ان ندعوه وجهة النظر "العملية". كان الخبراء قد شرحوا لي ان مصطلح "البيروسترويكا" يمكن ان يترجم اما على اساس انه يعني "اعادة البناء" او "الثورة" قد احسست ان غورباتشيوف ربما كان مستعدا لتحقيق تغييرات جذرية وبعيدة المدى، واننا سنتمكن من معرفة المدى الذي سيمضي اليه اذا قمنا بالتحرك قدما الى الامام. وشعر دنيس روس وبوب زويلك بدورهما ان "الغلاسنوست" و"التفكير الجديد" ربما تضمنا جوانب فلسفية يمكن استخدامها مع غورباتشيوف، بحيث ندفعه في اتجاهات تحقق مصالحنا، وقد وافقتهما على ذلك الرأي. وكان غورباتشيوف، مثله في ذلك مثل مرشح اميركي للرئاسة، يقطع على نفسه عهودا كبرى، ولهذا كانت مهمتنا ان نلزمه تنفيذها. ولعل طابع الجرأة والراديكالية الذي انطوت عليه تصريحاته هو الذي جعله اسيرا لها. ولم يعد من السهل عليه رفض مبادراتنا، نظرا الى انه وهو الذي قطع شوطا في ثورته، كان لا يزال يبحث عن الافكار عمدا. والحال انني فكرت في اننا اذا احجمنا عن الحركة، فان غورباتشيوف سيكسب الموقف كله. وهذا هو السبب الذي دفعني في نهاية الامر الى الاقتناع بضرورة الحركة. ففي السياسة الدولية، وكذلك في السياسة الداخلية، يصبح من لا يتحركون اهدافا يسهل اصطيادها. وهكذا فبقدر ما نتحرك يصبح من الصعب على غورباتشيوف ان يحرز مكاسب على حسابنا، وقد كنت مقتنعا بان استراتيجيته كانت تقوم على فصم التحالف واضعافنا في اوروبا الغربية بحيث يخاطب الرأي العام الغربي من وراء ظهور الحكومات الغربية. واما على الصعيد الداخلي فقد رمت الى بناء سلطته الخاصة وموقعه الشخصي. وكان علينا ان نقارع استراتيجيته وجها لوجه، وان نبتكر مبادرات شعرنا بان علينا ان نتبناها. فالاكتفاء بعدم الحركة كان كفيلا تقييد خياراتنا من حيث التوقيت، والسماح للمشهد السياسي بان ينقلب ضدنا. وبصرف النظر عن نوازعي الشخصية، فانها قد تعززت بلا شك في اعقاب زيارتي الاولى لغورباتشيوف. الإعداد لغورباتشيوف قبل زيارتي الاولى لموسكو في ايار 1989، وبينما كنت ارتب شؤوني في الاستراحة الخشبية الجديدة التي تلطفت بتقديمها الحكومة الفنلندية في هلسنكي، ادركت ان كلا من غورباتشيوف وشيفاردنادزه ينظران حتما الى ادارة بوش بشيء من القلق. ففي شهورها الاخيرة، كانت ادارة ريغان تتوق الى وضع اللمسات الاخيرة على المفاوضات الخاصة بوضع حد لانتشار السلاح. ولكن ادارة بوش لم تكتف بتجميد المفاوضات بحيث تراوح في مكانها بينما انهمكنا في مراجعة مطولة، بل صرح ديك تشيني في 29 نيسان خلال مقابلة تلفزيونية معه في محطة...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم