اتفاق غزة... لماذا الآن بعد كل هذا القتل والدمار؟

المشرق-العربي 14-10-2025 | 06:00

اتفاق غزة... لماذا الآن بعد كل هذا القتل والدمار؟

 لماذا استغرق التوصّل إلى اتفاق كل هذا الوقت فيما أُهدرت فرص سابقة وهل كان من الممكن إبرام صفقة في وقت أبكر عندما كان عدد أكبر من الرهائن على قيد الحياة، وقبل مقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين؟
اتفاق غزة... لماذا الآن بعد كل هذا القتل والدمار؟
دمار هائل في مدينة غزة خلّفته الحرب بين إسرائيل و"حماس". (أ ف ب)
Smaller Bigger

رغم مرور أكثر من عامين على حرب غزة واحتجاز الرهائن، لم يُحرز تقدّم حقيقي وملموس للتوصّل إلى اتفاق سلام جدّي إلا الآن، ما يثير تساؤلات مؤلمة: لماذا استغرق التوصّل إلى اتفاق كل هذا الوقت فيما أُهدرت فرص سابقة؟ وهل كان من الممكن إبرام صفقة في وقت أبكر عندما كان عدد أكبر من الرهائن على قيد الحياة، وقبل مقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين؟



 

 

قد يتجادل المؤرخون لسنوات حول ما إن كان من الممكن أن تنتهي الحرب بين قبل عام عندما قتلت إسرائيل زعيم "حماس" ومهندس هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر يحيى السنوار. أو، بدلاً من ذلك، هل أهدرت إسرائيل و"حماس" فرصة البناء على وقف إطلاق النار الذي تركه الرئيس جو بايدن ومساعدوه قبل عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

وفي هذا الصدد، قال وزير الخارجية الأميركي في عهد بايدن أنتوني بلينكن لـ"نيويورك تايمز": "هذه لحظة مختلفة، لم يكن لدينا آنذاك ما يمتلكه ترامب الآن، لقد هُزمت حماس كمنظمة عسكرية، وعُزلت ديبلوماسياً، وفقدت داعميها، إيران وحزب الله والحوثيين، وتراجع دعم شعب غزة لها".

وبالفعل، هناك عدة عوامل وتفسيرات أدّت إلى التوصّل لاتفاق وإطلاق سراح جميع الرهائن وربما بداية جديدة لغزة في هذا الوقت بالذات.

لقد تغيّر الكثير لمصلحة إسرائيل هذا العام. أدّى موت السنوار إلى أزمة قيادة في "حماس"، وازداد الضغط العسكري الإسرائيلي مع نفاد ذخيرة الحركة. وذكرت "نيويورك تايمز" أنه "بعد الحرب مع إيران، أدركت حماس أن الدولة التي كانت تموّلها وتزوّدها بالسلاح لم تعد قادرة على الاعتماد عليها".

إضافة إلى ذلك، أدّى ضغط منسّق إلى قبول "حماس" باتفاق لم تكن ترغب فيه. أفادت "وول ستريت جورنال" بأنه عندما اطلع زعيم "حماس" خليل الحيّة لأول مرة على الخطة، كان ردّ فعله الفوري الرفض. وقال مسؤولون مطلعون على المناقشات إن الحركة أخبرت الوسطاء العرب بعد يومين بموافقتها عليها، خاصة بعدما أخبرت مصر وقطر الحيّة أن الصفقة هي فرصته الأخيرة لإنهاء الحرب، وفقاً للمسؤولين. وضغطوا على "حماس" لكي تفهم أن احتجاز الرهائن أصبح عبئاً استراتيجياً، يمنح إسرائيل شرعية لمواصلة القتال. كذلك حذرت تركيا بدورها "حماس" من أنها إن لم توافق على الخطة، فسوف تُجرَّد من كل غطاء سياسي وديبلوماسي، ولن تستضيف قطر وتركيا قيادتها السياسية بعد الآن.

 

داخلياً، تعرّضت "حماس" لضغوط متزايدة حيث كانت تعاني من نقص في الذخيرة والأموال، وبالكاد كانت قادرة على مواصلة حرب العصابات ضد القوات الإسرائيلية التي استولت على معظم غزة، وتواجه شعباً فلسطينياً عانى من الجوع والدمار.

ولترامب دور بارز أيضاً، فمن المعروف أنه لا يملك الصبر الكافي للديبلوماسية التقليدية، ويتفاوض بالطريقة التي كان يتفاوض بها في صفقات العقارات: بمفاهيم عامة، تاركاً التفاصيل للآخرين. وما يدلّ أيضاً على أهمية التوصّل إلى اتفاق بالنسبة إلى ترامب هو إعادة صهره جاريد كوشنر إلى دوامة الديبلوماسية، خاصة بعدما رفض تولّي منصب في الإدارة الأميركية خلال رئاسة ترامب الثانية. كان كوشنر هو الذي تفاوض على اتفاقيات أبراهام في الولاية الأولى، التي يعتبرها ترامب من أعظم إنجازاته الديبلوماسية خلال رئاسته الأولى. 

ويقول الباحث في الشؤون الإسرائيلية والفلسطينية عماد أبو عواد لـ"النهار": "تأخر التوصّل إلى اتفاق بشأن الرهائن ووقف إطلاق النار نتيجة عوامل متعددة. سعت الحكومة الإسرائيلية اليمينية إلى إطالة أمد الحرب لتحقيق أهداف استراتيجية في غزة، منها التهجير والاستيطان، مستفيدة من دعم دولي في بداية الحرب. لكن مع مرور الوقت، واجهت إسرائيل ضغوطاً داخلية وانقسامات سياسية وتدهوراً اقتصادياً، إضافة إلى تراجع صورتها عالمياً. وإقليمياً، بدأ المحيط العربي يرى إسرائيل كتهديد، وتراجعت فرص التطبيع". 

ويضيف: "وجاء ترامب بدفع من تيار أميركي يرى ضرورة ضبط إسرائيل لحماية نفسها، ففرض اتفاقاً يخدم مصالحها، يوقف الإبادة دون إنهاء الاحتلال أو الحصار. في المقابل، كانت حماس راغبة منذ البداية في وقف الحرب، لكنها راهنت على ورقة الأسرى لتحقيق مكاسب أكبر. ومع تصاعد الكارثة الإنسانية، تراجعت عن بعض شروطها، ما أتاح فرصة للوصول إلى الاتفاق. تغيّرت الحسابات لكلا الطرفين، ولكن جاء الاتفاق في توقيت يخدم إسرائيل ويعكس حجم المأساة في غزة".

بدوره، يقول الكاتب والباحث السياسي الدكتور مراد حرفوش لـ"النهار": "أدت الكثير من العوامل أخيراً إلى تغيير في موقف الولايات المتحدة التي مارست ضغطاً على إسرائيل لإجبارها على وقف النار، هي الاعترافات بالدولة الفلسطينية، ومناقشة فرض عقوبات على إسرائيل، ما خلق شعوراً في أميركا بأن إسرائيل أصبحت اليوم منبوذة".

ويضيف: "إضافة إلى ذلك، الرأي العام أصبح ينظر إلى أن اسرائيل تمارس حرب إبادة ويجب وقفها خاصة مع انتشار الصور التي تظهر حالة القتل التي يعيشها الفلسطينيون على نطاق واسع في وسائل الإعلام الدولية"، ويتابع: "وباعتقادي، إن الضربة التي قام بها الجيش الإسرائيلي بمحاولة اغتيال قادة حماس في قطر عجّلت رغبة واشنطن في الوصول إلى وقف نار".

وبالفعل، الحدث الذي سرّع الأحداث والمفاوضات واستغله ترامب لكسب حشد الدول العربية حيال خطته هو هجوم إسرائيل الذي استهدف الدوحة حيث حاولت قتل مفاوضي "حماس". 

 

مقاتل فلسطيني ملثم من
مقاتل فلسطيني ملثم من

 

لذلك، عندما دعا ترامب نتنياهو إلى البيت الأبيض في أيلول/سبتمبر، عقب افتتاح الجمعية العامة للأمم المتحدة، لم يكن رئيس الوزراء في وضع يسمح له بمقاومته. اضطر إلى الاتصال برئيس وزراء قطر وقراءة اعتذار له بينما كان مصوّرو البيت الأبيض يسجلون اللحظة. كانت الرسالة واضحة: أصبح نتنياهو الآن في موقف عليه أن يلتزم ببعض الأوامر الأميركية.

ضغط ترامب عليه للتوقيع على خطته المكونة من 20 نقطة، والتي تتضمّن وقف إطلاق النار وتشكيل حكومة مؤقتة "تكنوقراطية" في غزة مدعومة بهيئة دولية لتحقيق الاستقرار. ورغم أن الخطة لم تلبِّ مطالب نتنياهو المتطرفة، اضطر إلى الموافقة على الوثيقة. وحين قبلت "حماس" أيضاً ولكن بشروط، تجاهل ترامب كلمة "لكن"، واعتبر الموافقة الجزئية موافقة كاملة.

لم يكن الاتفاق نتيجة نضوج سياسي بقدر ما كان ثمرة ضغوط دولية وتبدّل موازين القوة. ورغم فوات الأوان على إنقاذ كثير من الأرواح، قد يشكّل هذا الاتفاق بارقة أمل لبداية جديدة في غزة. 

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 10/13/2025 10:08:00 AM
أعاد عناصر "حماس" انتشارهم في مختلف شوارع ومناطق قطاع غزة.
لبنان 10/12/2025 6:47:00 PM
تُظهر الصور المتداولة تكدّس الغيوم الماطرة فوق المرتفعات، في وقتٍ يشهد فيه الطقس تقلّبات خريفية واضحة.