تحالف سياسي غير مسبوق في إسرائيل: يمين ويسار لمواجهة نتنياهو

في تطور لافت على الساحة السياسية الإسرائيلية، أعلن عدد من قادة أحزاب المعارضة عن تأسيس تحالف سياسي جديد تحت اسم "كتلة التغيير"، يهدف إلى إسقاط حكومة بنيامين نتنياهو في الانتخابات المقبلة. ويأتي هذا التحرك وسط أزمة سياسية داخلية متفاقمة، ومحاولة لتقديم رؤية بديلة لمستقبل إسرائيل السياسي والدستوري.
أعلن زعيم المعارضة الإسرائيلية ورئيس حزب "يش عتيد" يائير لابيد، ورئيس حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان، ورئيس "ياشار" غادي آيزنكوت ورئيس الحزب الديموقراطي يائير غولان، يوم السبت، أنهم سيحوّلون اجتماعاتهم المشتركة إلى منتدى دائم، يُطلق عليه اسم "كتلة التغيير" بهدف هزيمة حكومة نتنياهو في الانتخابات المقبلة. وسيُعقد الاجتماع المقبل مباشرةً بعد "عيد الغفران" (في 2 تشرين الأول/أكتوبر)، حيث توقع القادة انضمام نفتالي بينيت وبيني غانتس إلى المناقشات المستقبلية.
وبحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية، تضم الكتلة أحزاباً يمينية ووسطية ويسارية تسعى إلى توفير بديل للتحالف الحالي اليميني المتشدد. وكجزء من جهودهم للتنسيق قبل الانتخابات المقبلة، أعلن قادة المعارضة أيضاً عن إنشاء "هيئة مهنية" تهدف إلى التعامل مع "المبادئ التوجيهية الأساسية للحكومة المقبلة"، مثل صياغة دستور وطني، وتكريس التجنيد العسكري الشامل، و"الحفاظ على طابع دولة إسرائيل كدولة يهودية ديموقراطية صهيونية".
ويقول الكاتب والباحث السياسي الدكتور مراد حرفوش لـ"النهار" إنه "إذا أحسن تكتل التغيير تنظيم صفوفه وقاعدته الجماهيرية واستطاع أن يطرح بديلاً مختلفاً من نتنياهو، خاصة مع الأزمة المتفاقمة التي تتعلق بإدارة الحرب والانتقادات الموجهة للحكومة بأنها تخوض هذه الحرب لتحقيق أهداف سياسية وحزبية من دون أن تكون هناك اعتبارات لأمن الدولة وسمعتها ومكانتها على الصعيد الدولي، فسيستطيع أن يخترق الشارع الإسرائيلي"، مشيراً إلى أن "كل استطلاعات الرأي تعطي المعارضة أفضلية على نتنياهو وتظهر أنهم متقدمون عليه في حال حصول الانتخابات".
ويضيف: "بإمكان هذا التكتل تشكيل حكومة إسرائيلية، خاصة إذا انضم إليه نفتالي بينيت الذي يحظى بقاعدة يمينية كبيرة في إسرائيل، وهو المنافس الحقيقي لنتنياهو، وهو الذي يستطيع أن يخترق القاعدة اليمينية في المجتمع الإسرائيلي".
وبينما تعمل "كتلة التغيير" حالياً على التنسيق بين الأحزاب بدلاً من تشكيل قائمة موحدة، لا يزال لابيد وبينيت يتطلعان إلى الاتحاد مع أيزنكوت، كوسيلة لزيادة عدد المقاعد التي سيحصلان عليها في الانتخابات المقبلة، وفقاً لما أوردته هيئة البث الاسرائيلية "كان" الأسبوع الماضي.
الثلاثاء الماضي، أعلن آيزنكوت عن تشكيل حزبه الجديد، وقبل أسبوع من إعلانه عن الحزب، التقى هو ولابيد واتفقا على عقد اجتماع مع قادة ما يُسمى "كتلة التغيير"، بمن فيهم السياسيون المذكورون. كان آيزنكوت عضواً في الكنيست والرجل الثاني في قيادة حزب بيني غانتس "أزرق أبيض".
إلى جانب آيزنكوت، يضم الحزب 120 عضواً مؤسساً من قطاعات التكنولوجيا المتقدمة والاقتصاد والأمن في إسرائيل. ومن المقرر حالياً إجراء الانتخابات المقبلة في تشرين الأول/أكتوبر 2026.
ويقول حرفوش لـ"النهار": "إذا استطاع هذا التكتل أن يضم كل أقطاب المعارضة فسيستطيع أن يحصد أصواتاً بالإمكان أن تطيح بنتنياهو وسط الأزمة الداخلية المستمرة في ما يتعلق بقوانين الإصلاح القضائي، وفي وقت يطيح رئيس الوزراء بكل من يعارض سياساته كرئيس الشاباك والمستشارة القضائية للدولة، كما أنه يواجه شكاوى قضائية وتُوجه إليه تهم فساد"، لافتاً إلى أن "هناك أقطاباً يحظون باحترام كبير في المعارضة، كرئيس الوزراء السابق بينيت، وأيزينكوت الذي يأتي من خلفية عسكرية محترفة".
أما الخبير والباحث الفلسطيني المتخصص بالشأن الإسرائيلي عادل شديد فيقول لـ"النهار": "لا أعتقد أن هذه المبادرة من الممكن أن تنجح وأن تشكل بديلاً لحكم نتنياهو، وذلك لأسباب عدة. أولها أن موعد الانتخابات المقبلة في إسرائيل لا يزال غير واضح، بل إن إمكانية إجرائها من الأصل محل شك، إذ يسعى نتنياهو إلى تأجيلها، وقد تكون هذه سابقة في تاريخ الدولة، حيث يريد نتنياهو وشركاؤه الاستحواذ على السلطة والحكومة، في ظل ما تظهره استطلاعات الرأي من عدم قدرتهم عن تشكيل حكومة إذا أُجريت الانتخابات".
ويضيف: "وبالتالي، يحاول هؤلاء القادة الأربعة بناء تحالف قوي داخل المجتمع والنظام السياسي الإسرائيلي، من شأنه أن يضغط باتجاهين: إجراء الانتخابات إما بموعدها أو تبكير موعدها من خلال حل الكنيست. لكن حتى الآن، يبدو أن هذا المسار غير ممكن بسبب تماسك حكومة نتنياهو".
ويتابع: "السبب الآخر الذي يعوق نجاح التحالف هو لأنهم لا يتفقون على برنامج سياسي، فمثلاً لا يمكن أن يلتقي يائير غولان مع أفيغدور ليبرمان باتجاه القضية الفلسطينية وسُبل حلّها. ولكن الأمور التي تجمعهم تُعتبر بالنسبة لهم وبالنسبة للمجتمع اليهودي أهم بكثير من القضية الفلسطينية والقضايا العربية برغم أهميتها بعد 7 أكتوبر، وهي شخص نتنياهو حيث هناك اتفاق وإجماع بين كل خصومه على ضرورة تغييره. والمسألة الثانية المتعلقة بهوية الدولة، إن كانت دولة ديموقراطية لليهود أو دولة دينية كما تريدها الحكومة الحالية. والمسألة الثالثة مسألة التجنيد، إذ يدور الجدل حول تجنيد الحريديم.. هذه القضايا تشكل محل إلحاح لهذه المجموعة التي بلورت هذا التحالف".
ويرى شديد أن ما تم تشكيله "لا يمكن وصفه بتحالف بل هو أقرب إلى شراكة مؤقتة أو محاولة تشكيل لوبي أو مجموعة مؤثرة". ويقدّر أنه "مع اقتراب موعد الانتخابات، ستزداد عوامل المنافسة داخل هذه المُركّبات الأربعة وسنرى فيها خلافات، ما سيؤدي إلى تفككها".
يبقى نجاح "كتلة التغيير" مرهوناً بقدرتها على تجاوز خلافاتها الداخلية، وتوحيد رؤيتها السياسية، خاصة في ظل تمسك نتنياهو بالسلطة. فإما أن تتحول إلى بديل حقيقي، أو تبقى مجرد جهد مؤقت في معركة معقدة.