لم يكن في غاية الديبلوماسية. رغم أنه، في بلاده، هو رأس الديبلوماسية.
"(لديّ) طلب واحد من الحكومة الروسية. إذا دخل صاروخ أو طائرة مجالنا الجوي من دون إذن، عمداً أو عن طريق الخطأ، وتعرض للاستهداف ثم سقط الحطام على أرض للناتو، فرجاء لا تأتوا إلى هنا للنحيب على ذلك. لقد تم تحذيركم".
على الأرجح، لم يتوقع وزير الخارجية البولندي رادوسلاف سيكورسكي أن يخضع كلامه لامتحان كبير بعد أقل من شهرين على إطلاق تحذيره في مجلس الأمن. في الواقع، كان الناتو كله يخضع للامتحان.

يوم الثلاثاء، أعلنت بولندا أن الاستخبارات الروسية جنّدت أوكرانيَّين فجّرا خطاً للسكك الحديد يربط بين وارسو ولوبلين. وكان رئيس الوزراء دونالد تاسك قد وصف التفجير بأنه "تخريب غير مسبوق".
ليس بحاجة إلى "جنون"
قبل الغزو الواسع النطاق لأوكرانيا وفي خلاله، كرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مقولة إن المجنون فقط هو من يقترح إمكان أن تهاجم روسيا دولة من حلف شمال الأطلسي (ناتو). ما تُرك بلا تصريح هو أنه سيظل بإمكان روسيا دوماً مهاجمة الحلف عبر وسائل غير تقليدية. باختصار، تدفع روسيا حرب المنطقة الرمادية، إذا صحت الاتهامات، إلى حدودها القصوى.
ولدى روسيا بعض الأسباب كي تثق بنفسها. ما يمكّن بوتين من استدامة حربه أنه مقتنع بتفوق النفَس الروسي على النفس الغربي في دعم أوكرانيا. بالتالي، يتحول امتحان الناتو إلى أداة تساهم في إنهاكه وشرذمته أكثر، بين الأميركيين والأوروبيين من جهة، وبين الأوروبيين أنفسهم من جهة أخرى. فعمليات "المنطقة الرمادية" هدفها إكراهي بالدرجة الأولى، ولو أنها تسعى في الوقت نفسه إلى تفادي الرد الانتقامي.
لكن العمود الفقري لهذا النوع من العمليات هو عدم التعرض للكشف. هذه سمة صعبة في عالم مكتظ بعدسات التصوير الثابتة والمتنقلة. ويزداد خطر الانكشاف كلما زادت وتيرة التخريب. كذلك، تتلخص الصعوبة الأخرى في أن خطوط الجبهة ضمن "المنطقة الرمادية" منتشرة في كل مكان. يرفع ذلك احتمال الحسابات الخاطئة.
"المرحلة صفر"
تضم عمليات "المنطقة الرمادية" الكثير من النشاطات غير العسكرية مثل نشر المعلومات المضللة وتقويض المؤسسات الديموقراطية وغيرها. يساهم ذلك في جعل العمليات الروسية داخل أوروبا تقع ضمن ما يسميه الخبراء "المرحلة صفر" التي تهيئ لحرب مع الناتو، بحسب مايك فرانتز، الصحافي المراقب لشؤون أوروبا الشرقية.

في الوقت نفسه، ليست كل عمليات التخريب دليل قوة. فالعمليات التي تخوضها روسيا على الأراضي الأوروبية تأتي في وقت باتت أوروبا هي الداعم العسكري والمالي الأول لأوكرانيا بدلاً من الولايات المتحدة. كما تبرز بالتزامن مع عقد صفقات ثنائية بين العديد من دول الاتحاد وأوكرانيا، من بينها صفقات مقاتلات حربية بين كييف وباريس واستوكهولم.
بمعنى آخر، ربما تدخل روسيا سباقاً مع الزمن في أوكرانيا: فتقدمها لا يزال بطيئاً ومكلفاً فوق الميدان، ودعم بروكسل لا يزال يتدفق إلى كييف. وفيما أميركا غير مبالية كثيراً بأمن أوروبا، ليست عقوباتها الأخيرة بلا أثر على الاقتصاد الروسي.
المرحلة 1.0
قد ترتاح روسيا في تكثيف أساليبها الهجينة ضد أوروبا. فالتفجير الأخير حلقة تصعيدية في سلسلة مناوشات مع الأوروبيين. إن وجود ترامب في البيت الأبيض يعني أن أميركا، وبالتالي أوروبا، غير مهتمتين بالرد العسكري. لكن من قال إن أوروبا غير مهتمة باستخدام "المنطقة الرمادية" ضد روسيا؟
بإمكانها الاستعانة بخبرات أوكرانيا في هذا المجال.
نبض