ما الرسالة من وراء اغتيال أوكرانيا لكيريلوف؟
بين "اتهامه" باستخدام السلاح الكيميائي واغتياله، بالكاد مرت 24 ساعة. يوم الاثنين، قال جهاز أمن أوكرانيا "إس بي يو" إن الجنرال الروسي المسؤول عن قوات الحماية النووية والبيولوجية والكيميائية إيغور كيريلوف (54) استخدم السلاح الكيميائي "بشكل شامل" ضد الجنود الأوكرانيين. يوم الثلاثاء، قُتل كيريلوف ومساعده بتفجير دراجة كهربائية مفخخة في موسكو.
تظهر أوكرانيا أن فرق الاغتيال الخاصة بها فعالة جداً حتى في قلب العاصمة الروسية. قد لا يصل الأمر فعلاً إلى تمكنها من تنفيذ اغتيال بعد يوم واحد على إصدار الاتهام، إذ إن الأرجح هو صدور الاتهام بعد أن يكون مخطط الاغتيال قد اكتمل ميدانياً وبات في مرحلته الأخيرة. مع ذلك، ليس أمراً ثانوياً أن يتمكن جواسيس أوكرانيا من التحرك بنجاح على بعد بضعة كيلومترات من الساحة الحمراء وحسب.
تداعيات عملية القتل وصلت إلى مجتمع مدوني الحرب في روسيا. قناة "رايبار" الشهيرة على تلغرام ذكرت أن "الاغتيال يسلط الضوء على أنه مهما كان النجاح الذي نحققه على الميدان، مهما سادت مشاعر النشوة ومهما كان ما تحدثنا عنه بشأن استلام زمام المبادرة، لدى الطرف الآخر دوماً الفرصة لتوجيه ضربة مؤلمة". تزداد حدة هذه الضربة عند معرفة أن كيريلوف لم يكن المسؤول الروسي الأول الذي اغتالته، أو يشتبه بأن أوكرانيا قد اغتالته.
أسماء أخرى
خبير الصواريخ الروسي ميخائيل شاتسكي قُتل بالقرب من منزله يوم الخميس الماضي في منطقة موسكو أيضاً. طور شاتسكي صواريخ كروز من طراز "خ-59" و"خ-69" التي استخدمتها روسيا لقصف أوكرانيا، بحسب منصات أوكرانية. وتُعد النسخة الثانية بالغة التطور، إذ صدرت سنة 2022 وتضم تكنولوجيا التخفي والإصابة الدقيقة للأهداف. تصل زنة رأس "خ-69" المتفجر إلى نحو 300 كيلوغرام وتتراوح مسافته بين 300 و400 كيلومتر. قُتل شاتسكي في غابة كوزمينسكي بإطلاق نار، وتفيد التقارير بأن القاتل تمكن من الهرب.
وفي تشرين الثاني (نوفمبر)، قتل المسؤول في أسطول البحر الأسود فاليري ترانكوفسكي بسيارة مفخخة في سيفاستوبول (القرم). واتهمته أوكرانيا أيضاً بارتكاب جرائم حرب بعدما شاركت وحدته، اللواء 41 للسفن المزودة بالصواريخ، في قصف المدن الأوكرانية. وهذه مجرد لائحة مختصرة بالاغتيالات التي طالت شخصيات روسية بارزة منذ انطلاق الغزو الروسي الواسع النطاق لأوكرانيا.
قالت روسيا الأربعاء إنها اعتقلت رجلاً أوزبكياً (29 عاماً) مشتبهاً باغتياله كيريلوف وأشارت إلى أن المشتبه به تلقى عرضاً بمئة ألف دولار لتنفيذ الاغتيال وفرصة الهرب والعيش في دولة أوروبية. وكان المراقبون يتابعون الكاميرا التي رصدت تحرك كيريلوف، من دنيبرو الأوكرانية، بحسب التحقيقات الروسية. ما إذا كان ذلك سيهدئ من نفوس المدونين الروس، وحتى المواطنين العاديين، مسألة خاضعة للنقاش. ليست هذه المرة الأولى التي تعلن فيها روسيا اعتقال مشتبه به في الاغتيالات، فهي ألقت القبض سريعاً أيضاً على مشتبه بهما في قضية اغتيال ترانكوفسكي، المسؤول في أسطول البحر الأسود.
تداعيات
إن اغتيال كيريلوف ليس مجرد إزعاج عرضي للكرملين. لا يرتبط الأمر وحسب بأن كيريلوف كان يشتهر في روسيا بكونه مواطناً لا يعرف الكلل في القتال لكشف الحقيقة و"الجرائم" الغربية. وصلت شهرة كيريلوف إلى حد تصنيف بريطانيا له كـ"ناطق رسمي بارز لحملة التضليل التي يشنها الكرملين".
ينقل الاغتيال الحرب الروسية من نبأ يشاهد فقط على الشاشات إلى قلب العاصمة الروسية. تقول المواطنة الروسية ليزا لمراسل "بي بي سي" في موسكو بيتر روزنبرغ: "حتى الآن، شعرنا (بالحرب) كما لو أنها كانت تحدث في مكان بعيد جداً – الآن، هناك أحد قُتل، هنا، بإمكانك الشعور بالعواقب". وأضافت: "لقد بلغ قلقي أعلى مستوياته. كل صوت تسمعه يزعجك – تتساءل عما إذا كان طائرة بدون طيار أو شيئاً ما في موقع بناء".
من جهة أخرى، ستكون عمليات الاغتيال الأوكرانية حاضرة على طاولة التفاوض المستقبلية، ما يمنح كييف رافعة في شد الحبال المنتظر مع موسكو. فالروس الذين ينجحون في السيطرة التدريجية على الأراضي الأوكرانية يبدون عاجزين عن مواجهة أجهزة تجسس رشيقة وقادرة على ضرب أهدافها في العمق الروسي.
وصف الزميل البارز في "المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية" نايجل غولد ديفز تصفية كيريلوف بأنها "أهم عملية اغتيال حتى اللحظة". قد يُظهر ذلك أن أوكرانيا لا تستهدف أعداءها الكبار وحسب بل ترفع من مستوى عمليات الاستهداف أيضاً.
وهناك أيضاً هيبة الكرملين. لم تتلقَّ هذه الهيبة ضربة قوية من أوكرانيا عندما عجزت روسيا عن حماية جنرالها البارز فقط. بحسب مارك ألموند من صحيفة "إندبندنت" البريطانية، بدت أجهزة الاستخبارات الأوكرانية أكثر فاعلية من نظيرتها الروسية في عمليات الاستهداف الخارجية.
علاوة على ذلك، وإن كان من المنطقي الإشارة إلى أن عمليات الاغتيال التي تنفذها أوكرانيا لن تؤثر على مسار الحرب ككل والذي لا يزال يصب في مصلحة موسكو، فإن بعض المراقبين يلفتون النظر إلى نقاط مثيرة للاهتمام.
خبيرة الشؤون الأمنية في جامعة أبيريستويث البريطانية الدكتورة جيني ماذرز قالت لشبكة "إيه بي سي" إن الاغتيال "يثير بعض الأسئلة الكبيرة عن مدى ضعف، هشاشة روسيا". وأضافت: "ما هي فاعلية أمنها إن لم تكن قادرة على حماية شخص رفيع المستوى إلى هذا الحد في القوات المسلحة؟ ما هي الأمور الخاطئة الأخرى هناك؟ ما هي الطرق الأخرى التي بدأت الضغوط تظهر من خلالها؟"
هي أسئلة تفتح الأفق على احتمال شبه وحيد مع اقتراب موعد التفاوض بين البلدين: المزيد من التصعيد المتبادل.
نبض