الثلاثاء - 30 نيسان 2024

إعلان

في عيدِ الحُبّ حَرِّروا طاقَةَ الحُبّ

المصدر: النهار - جيزيل أبي خليل الحاج
في عيد الحُبّ، أدعوكُم لتُطلِقوا طاقةَ الحُبّ وتُحرِّروها وأدعوكُم لِتَسمَحوا للحُبّ أن يغمرَ حياتَكم ووطنَكم.
في عيد الحُبّ، أدعوكُم لتُطلِقوا طاقةَ الحُبّ وتُحرِّروها وأدعوكُم لِتَسمَحوا للحُبّ أن يغمرَ حياتَكم ووطنَكم.
A+ A-
في عيد الحُبّ، أدعوكُم لتُطلِقوا طاقةَ الحُبّ وتُحرِّروها وأدعوكُم لِتَسمَحوا للحُبّ أن يغمرَ حياتَكم ووطنَكم.
وكي يحرِّرَكم الحُبّ لا بُدّ أن تُحرّروا أنفسكم ووطنكم من الحقد القاتِل المُدمِّر.
ومَن لا يحلُمُ بالحُبّ وبعلاقاتٍ يغمرُها هذا البُعد الرائع الوجوديّ العميق؟!
مَن مِنّا لا يحلم بحُبٍّ يغمرُ ذاتَه وكلَّ أبعادِ حياتِه لِينعمَ بالفرح والسّلام ويشعر بقيمة الوقت والحياة؟!
من الجميل أن نحلم ومن الجميل أكثر أن نسعى لتحقيق الأحلام.
ولكن، هل الحُبّ حلمٌ أم مشروع؟! هل هو نظريّةٌ أم طريقة حياة؟!
هل الحُبّ شعورٌ حائرٌ ذهاباً وإياباً أم انّه جوهرٌ ثابِتٌ يُنيرُه العقلُ وتُشعِلُه الروح؟!
ماذا إنْ كانَ الحُبّ كلَّ هذا وأكثر بعد؟!
الحُبّ كما أراه طاقةٌ تَصِلُنا بِعُمقِ وجودِنا وجوهرِ تَكوينِنا وكياننا. إنّه طاقةٌ تدعونا للارتِقاء نفساً وجسداً فنعيش هذه الحقيقة السّامية المغروسة فينا والموهوبة لنا فتفيض فينا ومن حولنا ديناميكيّةً إيجابيّة تجعلُنا نعشقُ الحياة ونَحِنّ للقاءٍ دائمٍ مع الآخر كي نَنهلَ معاً من حقيقةِ الوجود وسرِّ الكيان ونتشارك هوى الرّوح فنبني معاً مشروعَ حياة. الحُبّ طاقةٌ تنفحُ الرّوح لِتُحيي الحاضر دونَ أن تحجبَه عن نظرةٍ أبعد من الأفق وعن تَوْق إلى اللامتناهي يرفعُنا معه لِمعانقةِ سرِّ الوجود وتَذوُّقِ حقيقتِه وجمالِه.
ما أروعَ الحياة عندما تُحرِّرُ كاريزما الحُبّ وكيمياءه الإنسانَ وتُطلِقُهُ ليلاقي أفضل ما في ذاتِه وأفضل ما في الآخر فينعموا معاً بأفضل ما في الوجود.
لكنّ الروح مندفعٌ أمّا الجسدُ فضعيف. نَعَم الجسدُ ضعيفٌ أمام التّجربة التي تَقِفُ بِوَجهِ الحُبّ لِتَمنَعَه وتُعيقَهُ عن إنجازِ الأفضل.
ألحقدُ هو التّجربة التي تُحَوِّلُ نظرَ الإنسان وطاقتَه فتُبعِده عن معنى وجودِه وجوهر كيانِه.
الحقدُ هو النقيض وهو المشروعُ المناهِضُ للحُبّ وبالتالي فإنْ كانَ الحُبّ طاقةً إيجابيّةً تَصِلُنا بالنّور والجمال فنرى الآخَر شريكاً وحبيباً وصديقاً وأخاً ونرى الوجودَ فرصةَ بناءِ حياةٍ حلوة وخَيِّرَة فالحقدُ يحملُ راياتٍ أخرى ونهجاً آخر ويُقارِبُ الحياةَ بطاقة سلبيّة وبمنظارٍ مُختَلِف.
مشروعُ الحُبّ والحياة المُتَناغِمة يُزعِجُ الحقدَ فيُحرّك براثِنَه ومخالبه ليقاوم هذه الرّوح ويُعَرقِل هذا التّناغُم ويخرّبه.
إذاً، للحقد أيضاً مشروع والمشروعُ مُغْرٍ لِصاحِبِه وهو لذلك يَتَفنَّنُ ويُبدِعُ لِيُتقنَه وليحقّقَ أهدافَه التي يُصوِّرُها لذاتِه ولجماعتِه حيويّةً وضروريّةً لإثباتِ الذات وتَمكينِها وللبقاءِ والاستمرار. في هذا المشروع، الذاتُ مُهِمّةٌ وأساسيّة، نغذّيها ولها المجد. لذلك كلُّ مَن أو ما يقفُ بطريقها لا بُدّ مِن إزاحته أو إزالته فهي تعرفُ ما تريد وهي مُصمِّمةٌ على تحقيقِه لأنّها ترى فيه الخيرَ المُطلَق وكلُّ شيءٍ يهون في سبيلِ هذا الخير.
هكذا يُكَوِّن الحاقِدُ قضيّتَه بِوَجهِ قضيّةِ الحُبّ ويُعطيها معنىً وهدفاً فتُصبحُ كلُّ الوسائلِ مَشروعةً في خدمةِ "هدفه الأسمى".
فهو يزرعُ الشكّ مثلاً بِحُجَّةِ الوصول إلى اليقين. يُخاطِبُ الغرائز بحُجّةِ أنّه يدعو الإنسان ليعرف ما يَكمُن في نفسه ويعبّر عنه دون موارَبة.
يلجأ إلى إثارة الغضب بحجّة حقِّ الإنسان بالرّفض والمواجَهة. يُعَزِّزُ الخصام بحجّة أنّ الخصام أفضل من التّكاذُب.
يَعمَدُ إلى الإضاءة على رذائل الآخَر وعُيوبِه تحت شعار التنبّه منه وتنبيهه كي يُحسِّن أداءه.
كما أنّه يسعى إلى تحريك الأحقاد ونَبشِها تحتَ شعار الاتّعاظِ من الماضي وعدم الوقوع في نفس الحفرة مرّتين.
نعم، هكذا يَلبَسُ الحقدُ قالباً أنيقاً ويضعُ أهدافاً ظاهرُها مفيد كي يجذبَ الإنسانَ ويُقنِعه فيأسره في دوّامةِ كرهٍ تدورُ به نحو موتٍ شبهِ مُحَتّم إنْ لَم يَجِد سبيلاً للتحرّر والخروج من الدوّامة. وإذْ نقولُ أنّ الحقد يشكّل خطراً على الإنسان فلأنّ الحقد يُسَيطِر على العقل ويُخضِعُ القلب ويُكَبّلُ اليدين ويُعمي البَصَر ويَصُمّ الآذان. إنّه نَهْجٌ يَدفعُ بِصاحِبِه (أي الشخص المعنيّ والمجموعة التي يعتبرها خاصَّتَه وامتداداً لذاته ولِنَهجِه) ليؤلِّه ذاته ويُشَيطِن غيرَه مُتَمنّياً فَشَلَه أو زواله. والأخطر عندما يتحوّلُ التمنّي إلى مشروعِ إقصاء فيُتَرجَمُ الحقدُ إيذاءً وإلغاءً عن سابِقِ تصوُّرٍ وتَصميم. لذلك وَجَبَ الحَذَر! فالحقدُ أعمى والحاقِدُ يدّعي البصيرة. الحقدُ داءٌ لا دواء، الحقدُ مشكلة لا تعرفُ للحلِّ سبيلاً وهو آفةٌ مُدمِّرة للذات وللآخر وللمجتمع وللوطن. إنّه طاقةٌ تهدمُ كلّ بُنيان وتقفُ بطريقِ كلّ أخُوّة.
عندما يَسْتَحْوِذُ الحقدُ على الإنسان، يعزلُه عن جوهرِ ذاتِه فكيفَ لِمَن أضاعَ ذاتَه أن يكتشفَ جوهرَ غيره وقيمةَ الشراكةِ وجمالَ العَيْش معاً؟!
وبالحديثِ عن العيشِ معاً وجمال الشراكة والأُخُوَّة، أليسَ بثُّ الحقدِ وخطاب الكراهية هو الآفةُ التي تُسمِّمُ يوميّاتِنا وتُدمِّر حياتنا وإمكانيّةَ العيشِ معاً في بلدِنا؟!
أليس الكرهُ نهجاً يَعتَمِدونَهُ كي يخترق حواسَّنا ويُشَتِّتَ وَعْيَنا وانتباهَنا عن دورِنا ومسؤوليّتِنا ورسالتنا في أرضنا وتجاهَ بعضِنا كَشُركاء في هذا الوطن؟!
كَم مِن مُدَّعٍ يَخطُبُ في الوطنيّة ويُحاضِرُ عن ضرورةِ الإصلاح ويَستَشرِسُ في الدّفاع عن الحقوق وضرورة دَفْنِ الأحقاد وَسْطَ خطاب يَنبُشُ الماضي الدّفين لِتأجيجِه لا لِطَيّ صفحته؟! وكَم مِن مُدَّعٍ يُحَمِّلُ خطابَه التأنيبَ والترهيبَ في قالَبٍ جميلٍ عنوانُهُ تَصويبُ المَسار تَجَنُّباً للحرب والدّمار؟!
وعندما يخفي الباطِنُ كُرْهاً، يكونُ الظاهرُ المُنَمَّق كالقبور المُكلَّسَة ظاهرُها جميلٌ أمّا باطِنُها فمَمْلوءٌ عظاماً وموتاً.
وهل مِن أحد يستطيعُ أن يبني وطناً مع مَن يكرهه ويعتبره عدوّاً لا شريكاً؟! بالطبع لا فالحقدُ يهدمُ الأوطان ويدمّرُ الشراكة.
ولكن، هل من سبيلٍ ليتحرَّرَعبيدُ الكراهية ويهتدوا قبل الدّمارِ الشامِل؟ّ وهل مِن سبيلٍ لينهضَ أبناءُ الحُبّ ويهبّوا للبناء بِعَزمٍ وإصرار دونَ تَردُّد أو تأجيل؟!
لِمَ نرى أهلَ الحقدِ واثقون من قُدرَتِهم وأهلَ الحُبّ مُنْكَفئين عن الإيمان بقُدْرَة الحُبّ على التأثير والتغيير؟!
ولْنَعلَم أنَّ كلَّ انْكِفاء عنِ الحُبّ يتركُ الحياةَ والوطن في قبضةِ أحقادٍ مُدَمِّرَة وقاتِلة بينما نحن نريد أن نبني وطناً على مُستوى حبِّنا وشغفِنا للبنان.
الوضعُ خطيرٌ والقرارُ مُلِحّ. فَلْنُحَدِّد اليوم أيّ نهجٍ نريد وفي أيِّ طريقٍ سنسير إنْ على المستوى الشخصي أم الوطني.
فلنَخْتَرْ عن وَعْيٍ ما نريدُه، أنريدُ العبوديّةَ للحقد أم نريدُ التحرُّرَ بالحُبّ؟!
أمّا إذا اختَرْنا تحريرَ طاقتِنا من الحقد والبغض فنحن أحرارٌ وقد اخترنا الحُبّ هويّةً ونهجاً وثقافةَ حياة وأسلوبَ مقاوَمة ومشروعَ وطن.
الدعوةُ للتحرُّر ولتَحريرِ طاقةِ الحُبّ ليست بمناسبة عيدِ الحُبّ فقط، بل هي دعوةٌ لتكونَ لنا الحياةُ عيدَ حُبٍّ دائمٍ يزرعُ فرحاً، يُزهِرُ سلاماً ويُثمِرُ سعادة.
فَلْنَدَعْ كاريزما الحُبّ وكيمياءه تُحَرِّرُنا وتُطلِقُ طاقتَنا لِنُعاِنقَ أفضلَ ما في ذاتِنا وأفضلَ ما في الآخَر لِنَنْعَمَ معاً بأفضلِ ما في الوجود في أفضلِ وطنٍ لَهُ قلبُنا وهو قصَّةُ عشقِنا.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم