الثلاثاء - 30 نيسان 2024

إعلان

هل يمكن لأوروبا تحقيق الاستقلالية عن الغاز الروسيّ؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
مشهد من الساحة الحمراء في موسكو (أ ف ب).
مشهد من الساحة الحمراء في موسكو (أ ف ب).
A+ A-

خلال أزمة ارتفاع أسعار الغاز في أوروبا، اتهمت بروكسل موسكو باستخدام الطاقة كـ"سلاح" ضدّها. وصل ثمن الغاز الطبيعي في أيلول 2021 إلى خمسة أضعاف عما كان عليه في أيلول 2020. طالبت بروكسل شركة "غازبروم" بزيادة الإمدادات، لكنّ الأخيرة ردّت بأنّها ملتزمة شروط العقد وحسب. اتّهام روسيا بأنّها تريد زعزعة الاستقرار في أوروبا سهل. لا يعني ذلك بالضرورة أنّ موسكو غير مساهمة ولو جزئيّاً في تلك الأزمة، لكنّ اتّهاماً كهذا قد يحمل مؤشّرات إلى رغبة أوروبا بإعفاء نفسها من تحمّل المسؤوليّة. فهي ارتكبت سلسلة أخطاء في سياسة تأمين الطاقة لمواطنيها واقتصادها، إضافة إلى ظروف مناخية لم تكن مؤاتية خلال الشتاء والصيف الماضيين.

 

تطوّرات بارزة في أوروبا

قد لا يكون بالإمكان استبعاد دور لروسيا في أزمة المهاجرين على الحدود بين بيلاروسيا وبولونيا. من المحتمل أن ترتبط هاتان الأزمتان برغبة روسية في ضمان تفعيل مشروع "نورد ستريم 2". فعلى الرغم من أنّ الأخير بات قاب قوسين أو أدنى من الانتهاء بعد إعفائه من العقوبات الأميركية، ثمة مخاوف من أن يؤثّر الائتلاف الحكوميّ المقبل في ألمانيا على نجاح المشروع. و"حزب الخضر" المنخرط في المفاوضات بشأن الائتلاف يمكن أن يشكّل مصدر الخطر الأكبر على المشروع. فقد قالت رئيسته المشاركة آنا بيربوك الشهر الماضي إنّه "لا يمكننا السماح لأنفسنا بالتعرض للابتزاز" من روسيا التي اتّهمتها بممارسة "لعبة بوكر". وضمّت بيربوك صوتها إلى صوت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين. وموقف فون دير لاين لافت للنظر بما أنّها كانت نائبة رئيسة حزب "الاتحاد الديموقراطي المسيحي" أنجيلا ميركل لحوالى عقد من الزمن. وميركل من المتحمّسين الكبار لـ"نورد ستريم 2".

بالتوازي، تمّت دعوة شركة الطاقة الوطنية الأوكرانية للانخراط في مراجعات أخيرة يقوم بها ناظمون في ألمانيا وبروكسل حول خطّ الأنابيب، قبل المصادقة على المشروع. للمفارقة، تمّ هذا الأسبوع تعليق الموافقة على "نورد ستريم 2" لأنّ الكونسورتيوم لم يؤسّس شركة في ألمانيا خاضعة للقوانين الألمانيّة. وهذا الأمر ليس مجرّد مسألة تقنيّة بحسب الكاتبة في صحيفة "تيليغراف" البريطانية جوليات صمويل. فإخضاع كامل المشروع للقواعد التنظيمية الألمانية يجعل الأمر "أكثر إيلاماً" بالنسبة إلى المستثمرين. وحتى لو كانت هذه المؤشرات لا تدل إلى انهيار حتميّ لهذا الاستثمار الروسيّ الطويل المدى، فإنها في المقابل لا يمكن تصنيفها ضمن الأنباء السارة بالنسبة إلى روسيا.

تشكّل روسيا مصدراً لأكثر من 40% واردات الغاز بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي. وفي تشرين الأول، قالت الوكالة الدولية للطاقة إنّه بإمكان موسكو شحن المزيد من الغاز، بحدود 15% إضافية، لو أرادت ذلك. وبسبب قطع روسيا إمدادات الغاز عن أوروبا في شتاء 2009، تزداد الشكوك الأوروبية تجاه نوايا موسكو. كذلك، قطعت روسيا إمدادات الغاز عن مولدوفا لأسباب يشتبه بأنّها سياسيّة. خلال الصيف، فاز "حزب العمل والتضامن" الموالي للغرب على الكتلة لموالية لروسيا في الانتخابات المبكرة. ورأى موقع "غلوبال ريسك إنسايتس" أنّه على الرغم من الاتفاق الجديد بين "غازبروم" وفرعها "مولدوفا غاز" والممتد على 5 أعوام، ينهي الأزمة، يبقى أنّه يثير أسئلة عن احتمالات انضمام مولدوفا إلى الاتحاد الأوروبي. وأضاف أنه على بروكسل فعل المزيد لتمكين مولدوفا من تحمّل الضغط الروسيّ في حال أرادت انضمام تلك الدولة إلى ناديها.

 

تغيير استراتيجيّ

إمكانات بروكسل في هذا الصدد قد تكون محدودة إذا كانت إمكاناتها في "تحرير" نفسها من "الضغوط" الروسيّة متواضعة هي الأخرى. يمكن أن تتغيّر المعادلة إذا قرّرت أوروبا تقليص اعتمادها على الغاز كمصدر أساسيّ لطاقتها. لكنّ ذلك يتطلّب تغييراً جوهرياً في الاستراتيجية الأوروبية للطاقة. وهذا ما أشارت إليه صمويل في مقالها. فقد ساعدت سياسات روسيا "في إعادة إيقاظ الاهتمام ببرامج الطاقة النووية الغربية التي تمّ التخلّي عنها منذ فترة طويلة وعزّزت الحجّة التي قدّمتها الدول الأوروبية التي لا تزال تعتمد بشدّة على الفحم، مثل بولونيا، بأنّه يجب ألّا تُدفع للتخلّص من الفيول بسرعة كبيرة".

إن كانت أوروبا لن تقبل كثيراً بحجّة إطالة الاعتماد على الوقود الأحفوريّ كسبيل لتخفيف "الضغط" الروسيّ عن كاهلها، فإنّ العودة إلى الطاقة النووية يمكن أن تشكّل حجّة أكثر قبولاً. فهذه الطاقة قد تكون أفضل مصدر انتقاليّ للعالم على طريق الوصول إلى مصادر طبيعيّة بالكامل. وتقدّم فرنسا نموذجاً في اعتمادها على هذه الطاقة (70%) وإن كان هذا النموذج خاضع للجدل داخل البلاد، وبطبيعة الحال خارجها. حتى ألمانيا التي أعلنت إنهاء العمل بمولّدات الطاقة النوويّة لديها بعد كارثة "فوكوشيما" في اليابان، وجدت نفسها مضطرّة لإطالة أمد الطاقة الكربونيّة بعض الأحيان. ووجّه 25 أكاديمياً وصحافياً وناشطاً بيئياً ألمانياً رسالة عامّة يحضّون فيها الساسة على أن يكونوا "شجعاناً بما فيه الكفاية" كي يؤجّلوا وقف المفاعلات النووية المتوقّع في 2022. فلو لم يحدث ذلك بحسب الرسالة التي وُجّهت الشهر الماضي، ستخفق ألمانيا في تحقيق هدفها حول خفض انبعاثات الكربون في 2030.

 

انقسام

ليس واضحاً ما إذا كانت أوروبا ستمضي قدماً في هذا المشروع. ثمّة عشر دول تدعم فرنسا في تصنيف الطاقة النووية ضمن خانة "الطاقة الخضراء"، لكنّ دولاً بارزة أخرى مثل ألمانيا ولوكسمبورغ والنمسا والدنمارك وإسبانيا تعارض ذلك. هل وصلت سياسات روسيا تجاه أوروبا إلى حدودها القصوى؟ وهل ترتدّ عليها في المستقبل؟ ما من أجوبة أكيدة. المؤكّد أنّ الفرنسيّين دافعوا وسيدافعون بقوة عن نموذجهم.

فوزير الخزانة برونو لومير قال مؤخراً: "بفضل النموذج الفرنسي لدينا المزيد من الاستقلال. وهذا هو الأساس: أن نكون مستقلّين".

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم