الثلاثاء - 30 نيسان 2024

إعلان

"ضرب" ترامب سوريا "تمريكاً" على أوباما... وتصرف مثله بإلغاء ضربة قرّرها لإيران

سركيس نعوم
سركيس نعوم
Bookmark
"ضرب" ترامب سوريا "تمريكاً" على أوباما... وتصرف مثله بإلغاء ضربة قرّرها لإيران
"ضرب" ترامب سوريا "تمريكاً" على أوباما... وتصرف مثله بإلغاء ضربة قرّرها لإيران
A+ A-
أحد أهم أهداف الرئيس الأميركي دونالد ترامب إفقاد الرئيس باراك أوباما أي صدقية وحرمانه أي تراث Legacy يسمح بإبقاء ذكره حياً في تاريخ الولايات المتحدة. ومن أجل ذلك ضرب الانجاز الأهم الذي قام به سلفه لبلاده وللعالم عام 2015، وهو توقيع ما سمّي مجازاً "الاتفاق النووي" مع الجمهورية الاسلامية الايرانية مع شركائه في التفاوض معها، وهم روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا. ومن أجل ذلك أيضاً حاول ضرب إنجاز داخلي مهمّ لأوباما هو قانون العناية الصحية الذي يسمح لملايين المواطنين الأميركيين بالحصول على رعاية صحية حرمتهم إياها سابقاً القوانين التي كانت سارية المفعول. ومن أجل ذلك ثالثاً، يأتي على ذكر أوباما في تصريحاته وتغريداته كلما قام بعمل شجاع في رأيه امتنع عن القيام به الرئيس السابق خوفاً من انعكاساته. والعالم كله يتذكر "التشاوف" والعنجهية اللتين مارسهما ترامب يوم أمر قواته بقصف مطار سوري بعدد من الصواريخ جرّاء استعمال قوات نظام الرئيس بشار الأسد أسلحة كيميائية ضد معارضيه الثائرين عليه بل بالأحرى ضد المدنيين. ويتذكر أيضاً تبجّحه بعملية تردّد أوباما في القيام بمثلها يوم كان رئيساً وعلى مواقع عسكرية سورية نظامية. في حينه كان سياسيو إدارة أوباما وفي مقدمهم وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون ووزير دفاعه تشاك هيجل مؤيدين لتوجيه ضربة عسكرية الى الأسد وإن غير قاضية. كما كان عسكريوها من الرأي نفسه. يومها نجح هؤلاء في إقناعه بفائدة الضربة العسكرية المحدودة فقررها وحُدِّد موعد تنفيذها. لكن قبل وقت قصير من الموعد تلقى هيجل اتصالاً من أوباما، وكان يتناول العشاء في مطعم داخل واشنطن، طلب منه فيه الحضور في وقت محدد الى البيت الأبيض للاجتماع بعد ابلاغه قراره ارجاء تنفيذ الضربة. عقد الاجتماع طبعاً وتبلّغ المشاركون فيه القرار الرئاسي بعد شرح مبرراته ودوافعه.قبل أيام قليلة قام الرئيس ترامب بعمل مماثل لما قام به أوباما، رغم أن الدوافع التي كان يجب أن تحضه على القيام بعمل مختلف، بل مناقض، كانت أقوى من دوافع الرئيس السابق. فالسبب الذي استند إليه الأخير لتوجيه ضربة الى سوريا كان إنسانياً وهو حماية مواطنيها من أسلحته الكيميائية، وهو وجيه ولا بد من تقديره، لكنّه لم يكن وطنياً بمعنى أن الهدف منه الدفاع عن مصالح أميركا الحيوية الاستراتيجية المهددة فعلياً كما عن مصالح حلفائها، وعن هيبتها الدولية وزعامتها للعالم التي ربما يكون التآكل بدأ يضعفها. إذ بعدما "قامت" إيران وفقاً لتصريحات ترامب وبيانات عسكرييه باستهداف ناقلتي نفط في مضيق هرمز وبإسقاط طائرة تجسس حديثة في "مياه دولية"، ووفقاً لأدلّة وزعت على وسائل الاعلام، قرر سيد البيت الأبيض تنفيذ ضربة عسكرية محدودة لإيران تستهدف ثلاثة مراكز مهمة. اتخذت الترتيبات اللازمة للتنفيذ وحددت الساعة الصفر. لكن قبل عشر دقائق منها أمر ترامب بوقف العملية مبرراً ذلك بأنها ستسقط ضحايا بشرية قدّر عددها بـ150 شخصاً. طبعاً لم يحتجّ أحد من داخل أميركا على الإرجاء لأن معظم العسكر والجمهوريين والديموقراطيين لا يريدون حرباً مع إيران، بل جلبها الى طاولة المفاوضات بقوة العقوبات. وطبعاً لم يعترض على ذلك حلفاء أميركا في الشرق الأوسط من عرب ومسلمين وإسرائيليين، لكن أحداً لا ينكر خيبة معظم هؤلاء من الإرجاء. ذلك أنه زاد نسبة اقتناع العالم بأن زعامة أميركا له صارت مهددة فعلاً، وبأن قدرتها على حماية حلفائها رغم "المبالغ المالية" الهائلة التي يدفعونها لها ثمن سلاح متنوع تتضاءل، وبأن منطقة الشرق الأوسط لم تعد مهمة لها بالمقدار الذي كانت عليه في السابق، وتالياً لا تمانع في سيطرة إيران عليها إذا تعاونت مع واشنطن بصدق، وربما تكون متجهة الى الانعزال الذي لن يجنبها الحروب في السنوات المقبلة خلافاً لاعتقاد الكثيرين فيها. طبعاً ليس الموضوع إلغاء تنفيذ الضربة العسكرية، بل هو الموقف الاميركي الداخلي منه وانعكاساته على المواجهة مع إيران التي تقول أميركا إنها تقوم بها، وهو موقف الحلفاء المهمين جداً لواشنطن في الشرق الأوسط مثل إسرائيل، والأقل أهمية منها مثل العرب والمسلمين على تنوعهم واحتمالات بحثهم عن خيارات أخرى للدفاع عن أنفسهم. وهذا أمر سيستمر طيلة ما تبقى من الولاية الرئاسية. لذلك قد يكون مفيداً شرح الوضع السياسي الداخلي في الولايات المتحدة، وتأثره بالتطورات الدولية الصعبة والمهمة وخصوصاً المتعلق منها بإيران وبالمواجهة التي تخوضها وحلفاؤها معها في محاولة لوقف "إرهابها" ومتابعتها السعي لتنفيذ مشروعها الاقليمي التوسعي، وبالعمل مع القوى الدولية الكبرى وإن من موقع الخصومة أو التنافس أو العداء من أجل تهدئة المنطقة وإزالة...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم