الثلاثاء - 30 نيسان 2024

إعلان

فليسمع الجميع صرخة امهات واولاد طرابلس

المصدر: "النهار"
A+ A-

"ما بعرف شي.. شو صاير.. انا كنت بالمدرسة ورجعت لقيت الدنيا والعة.. تركنا بيتنا واخدتنا ماما عند خالتي بابو سمرا". محمد السيد، ابن الـ12 سنة، لا يعرف الكثير عما يجري في مدينته طرابلس، لا يعرف سوى ما يُقال في نشرات الأخبار وفي المجالس العائلية.. لكنه لا يفهم.


منذ يومين، عاد محمد من مدرسته "دير حشاش" الى منزله الواقع في مشروع الحريري الذي يعتبر خطاً ساخناً في المعارك الدائرة، ليشهد واحدة من اقسى المعارك، "يومها لم نتمكن من النوم طوال الليل، الرصاص والقنابل لم تتوقف"، يقول محمد.
إن سألته عن الخوف سيصرّ انه لا يخاف من صوت الرصاص والقذائف فـ"انا تعودت". مع اشتداد الاشتباكات تعمد امه الى وصفة اعتمدتها كثير من الامهات في المدينة، فهن يضعن سماعات الهاتف الخلوي في آذان اطفالهن واولادهن ويشّغلن الموسيقى، وذلك بعد ان تصبح حجة المفرقعات النارية وعبارة "عادي ما في شي يا ماما" بلا قيمة.
نسأل محمد من يقاتل من ولماذا؟، فيخبرنا ان ما يجري هو بين "التبانة والجبل". وماذا عن سبب ما يجري "هم محرومون..فقراء من زمان".
هذا المساء ستقوم والدة محمد، ربى بدرا، بمهمة "انتحارية"، ستقصد بيتها الواقع عند خط التماس، لكي تجمع الاوراق الثبوتية والثياب وحاجيات للعائلة فـ"لا احد يعرف كم ستطول هذه الجولة من القتال"...تصمت لتردف "لا يبدو ان الامور ستنتهي قريباً فلا قرار بذلك".
تحكي السيدة عن جيرانها والسكان الخائفين الذين لا يتركون بيوتهم خصوصاً في القبة والبرانية "لأن لا مكان يذهبون اليه او لانهم يخافون من استباحتها". تخبرك بصوت متهدج عن القلق وعن الحرقة حين "نرى أولادنا خائفين فلا مرارة توازي هذا الخوف في عيون الاطفال.. ما ذنب ابني محمد ليعيش كل هذا الخوف.. ليقضي الليل في الحمام ويقفل الباب ظناً منه ان المكان اكثر امنا.. انظر الى عيني محمد وابكي..احاول مراراً حجب دموعي عنه..".
وتسأل: "لماذا لا يحق لابني ان يعيش حياة امنة، اخر ما تصورته ان يشهد محمد ما شهدناه من حروب، ان يكون مضطراً لتنظيم حياته وفقاً لتوقيت المتقاتلين". تضيف: "حياتنا باتت تسير وفق هذا التوقيت، يستريح المسلحون من فترة الظهر حتى التاسعة مساء، وفي هذه الفترة تقتصر الاشتباكات على اطلاق النار المتقطع واعمال القنص، اما أشد جولات القتال فتكون في "السهرة".. يسهرون حتى الصباح". اما نحن فـ"صباحنا ومساؤنا متشابهان..انا خائفة على ابني..اكاد اموت في حرقتي.. لا اريده خائفاً..من يمكنه ان يوقف هذه الحرب فليفعل..فليتصرف السياسيون..فليتقوا الله وليستمعوا الى صرخة امهات طرابلس...كفى استخفافاً بارواحنا وحياتنا واطفالنا..كفى رضوخاً للامر الواقع والمصالح.."!

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم