الثلاثاء - 30 نيسان 2024

إعلان

مطلب التّعطيل الجمعة يمتحن الشّارع السنّي

هالة حمصي
هالة حمصي
مطلب التّعطيل الجمعة يمتحن الشّارع السنّي
مطلب التّعطيل الجمعة يمتحن الشّارع السنّي
A+ A-

وبين عدم حماسة "تيار المستقبل" على التعطيل الجمعة واندفاع "الجماعة الاسلامية" وما وراءها من اسلاميين متشددين الى التمسك به، يسلك الملف طريق مجلس النواب، بحيث يتوقع ان "يُطرح الاقتراحان في الجلسة العامة لمجلس النواب المنعقدة في 19 ايلول و20 منه، لكونهما معجلين مكررين". امتحان للشارع السني تحديدا. وفي الانتظار، تبقى "المناقشة مفتوحة"، وتأخذ في الاعتبار "كل الجوانب الدينية والاقتصادية والسياسية للموضوع".


المفتي دريان مصرّ. "دار الفتوى كانت ولا تزال وسيبقى مطلبها التعطيل يَوم الجمعة. فهذا مَسار تاريخِي وديني ووطني للدار. وهذا المطلب ليس طَائِفيا، بل مطلب ديني ووطني وميثاقي"، على ما اعلن في خطبة عيد الاضحى في 1 ايلول 2017. موقف سبق ان أكده وكرره خلال الشهرين الماضيين، بإصرار.  

"في عناية" دريان 

نعم، اصرار. "المطلب تاريخي منذ تكوين لبنان الكبير، عندما الغى الانتداب الفرنسي التعطيل الجمعة، وحدد الاحد مكانه. كان التعطيل قبلا الجمعة. منذ الاستقلال، يطالب المسلمون بالتعطيل الجمعة"، يقول رئيس المركز الاسلامي للدراسات والاعلام القاضي الشيخ خدلون عريمط لـ"النهار". هذا المطلب، في رأي دار الفتوى، "جزء من انسجام المسلمين مع العيش المشترك والوحدة الوطنية وانصاف كل اللبنانيين. فيكون الجمعة، بالنسبة الى فئة كبيرة للبنانيين، يوما مباركا تقام فيه الصلاة".

مطلب بتوقيت محدد. وكان لا بد من ذلك، "لكونه ناتجا من القرار الرسمي المتخذ بشأن سلسلة الرتب والرواتب"، ويتعلق بدوام العمل الرسمي الجديد الذي أَقرَّ العطلة الأسبوعية يومي السبت والأحد، على ان يكون الجمعة يوم عمل (من 8 صباحا الى 3,00 ب ظ)، مع اعطاء ساعتين للصلاة. ويقول عريمط: "لا اعتراض على السلسلة، بل على اعادة النظر في الدوام".  

اعتراض علني... و"لا ضغوط من تيارات اسلامية متشددة" على دار الفتوى لتصرّ على المطلب، على ما يؤكد. "لا احد يستطيع ان يضغط عليها اطلاقا. الدار هي المؤسسة الدينية الام، ويترأسها المفتي دريان، وهو رجل معتدل، ويعرف ما يريد. وموقعه ليس قابلا لان تُمارس عليه ضغوط اطلاقا. المفتي هو صاحب القرار. يؤثر، ولا يتأثر باي جهة".


وردا على متخوفين من ان التعطيل الجمعة احد بشائر اسلمة لبنان، يجد عريمط ان "هذا الكلام غير مسؤول وغير وطني"، "تراهات لا تخدم المصلحة الوطنية". ويتدارك: "لا نقول اذا عطلنا الاحد، يكون لبنان مسيحيا. هذا الكلام مردود الى اصحابه. عطلة الجمعة موجودة في معظم الدول العربية والاسلامية. ولبنان جزء من المنظومة العربية والاسلامية...".  


المطلب "في عناية" المفتي دريان. "هناك طرق متعددة للتواصل مع كل القيادات"، على قوله، مؤكدا ان "لدينا الثقة بالمفتي دريان والقيادات في البلد للتوصل الى ما فيه مصلحة لبنان واللبنانيين". هل دار الفتوى واثقة من ان القيادات السياسية ستلبي مطلبها؟ يجيب: "لدينا الثقة بالمرجعية السنية وبحكمة رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب، لانصاف كل اللبنانيين والحفاظ على كل فئات المجتمع اللبناني. القضية ليست طائفية، بل وطنية تخص فئة كبيرة من اللبنانيين".     


"المستقبل" والميل الى السبت 

المطلب في الميزان السياسي. اسئلة عدة تلقي بثقلها على الموضوع. الى اي درجة يجد المطلب ترحيبا في الشارع السني، لا سيما لدى "تيار المستقبل"؟ ماذا عن الاقتراح المعجل المكرر الذي قدمه النائب عمار حوري باسم كتلة "المستقبل" لتعديل المادة 23 (دوام العمل الرسمي) من القانون 46/2017؟ هل يخيّب آمال دار الفتوى؟ هل يشكل امتحانا لـعلاقة "المستقبل" بها؟ هل يشكل التسوية الافضل للمسلمين؟

في الاجواء، لا حماسة اكيدة لدى التيار للسير في التعطيل الجمعة. "الموضوع لا يزال قيد البحث"، على قول مصدر مطلع في التيار لـ"النهار". المسألة لم تُحسم بعد، لا سيما "لجهة تأييد التعطيل يوم الجمعة. المناقشة لا تزال مستمرة، خصوصا انها تأخذ في الاعتبار كل الجوانب الدينية والاقتصادية والسياسية للمسألة. وفي ضوئها، يتخذ التيار القرار المناسب".  


ما تتناوله المناقشات داخل التيار، امور عدة. "الانعكاس الاقتصادي لمسألة التعطيل، وايضا استناده الديني: هل يقول به القرآن ام هو مجرد عرف اجتماعي؟" ولعل الاقتراح المعجل المكرر الذي تقدم به النائب حوري في 29 آب 2017 يعكس الى حد بعيد اجواء "المستقبل". ما يقترحه من تعديل على المادة 23 هو ان يكون دوام العمل الرسمي "34 ساعة عمل اسبوعيا" موزعة كالآتي: من الاثنين الى الخميس، من 8,00 صباحا الى 16,45 ب.ظ. والجمعة من 8,00 صباحا الى 11,00 ق.ظ". اي ان الجمعة ليس يوم تعطيل كامل، كما تطالب به دار الفتوى.  

وهذا يعني ايضا ان "المستقبل" ليس من مؤيدي مطلب التعطيل الكامل الجمعة، وان ميله ليس كميل دار الفتوى بهذا الشأن. هل يشكل عدم تبنيه مطلبها احراجا له؟ وفقا لمصادر التيار، "تجاه اصرار دار الفتوى، سيعرض الرئيس سعد الحريري المسألة مع المفتي دريان. واذا بقي الاصرار، فلكل حادث حديث. اذا لم يكن الموقف الديني مسندا، لا يكون مبررا، اكان بالرفض ام بالقبول".


هل تُصادم القوى السياسية في شأن ديني؟  

تجاه عدم حماسة "تيار المستقل"، يجد مطلب التعطيل الكامل الجمعة منفذا آخر عبر اقتراح قانون معجل مكرر اندفع نائب "الجماعة الاسلامية" عماد الحوت الى تقديمه في 6 ايلول 2017، ويقضي "بتعديل دوام العمل الرسمي ليصبح "34 ساعة أسبوعيا" موزعة كالآتي: من الإثنين الى الخميس من الساعة 8,00 صباحا حتى الساعة 15,30. السبت من الساعة 8,00 صباحا حتى الساعة 12,00 ظهرا".

بموجب هذا الاقتراح، يكون الجمعة يوم تعطيل كامل. "نص الدستور على حق ممارسة الشعائر. والمرجعيات الدينية هي التي تحددها، وليس المرجعيات السياسية. وبالتالي فان قرار دار الفتوى هو الذي يسري في هذا الاطار"، يقول الحوت لـ"النهار". اقتراحه يرتكز على وجوب "المساواة" بين المسلمين والمسيحيين في التعطيل لممارسة الشعائر. "كما نتمسك بحق المسيحيين في تأدية شعائرهم الدينية الأحد، وهو يوم عطلة، نتمسك بحق المسلمين في تأدية شعائرهم الجمعة في شكل مريح".  


بناء على "توجيهات المرجعية الدينية، اي دار الفتوى"، تقدم الحوت باقتراح القانون. السؤال عن فرص نيل اقتراحه التأييد على حساب اقتراح "المستقبل" لدى طرحه في مجلس النواب يرد عليه بسؤال: "هل تُصادِم القوى السياسية في شأن ديني، وتقوم بسابقة؟" ويتدارك: "اقتراحي اوجد حلا لموضوع السبت وعطلة السبت للموظفين، بحيث يكون تناوب، بالاختيار والإتفاق، على التعطيل السبت، بما لا يؤثر على سير العمل".  


في اعتقاده، "الكرة الآن في ملعب القوى السياسية". المناقشة مفتوحة، "ونتواصل مع القوى السياسية. وفي نهاية الامر، نحن في بلد ديموقراطي برلماني، والتصويت هو الذي يحسم الامور. وجميعنا نخضع للقانون، اكان اعجبنا ام لا".    


ترقب خلال الايام المقبلة. وفي التوقعات، يواجه اقتراحا حوري والحوت امتحانا كبيرا خلال الجلسة العامة لمجلس النواب في 19 ايلول و20 منه. "وفقا للنظام الداخلي للمجلس، ينبغي عرض الاقتراح في الجلسة الاولى، اي في جلسة 19 ايلول، بما انه معجل مكرر"، يفيد الحوت. "لم نتسلم بعد جدول الاعمال لنتأكد من تضمنه الاقتراح. غير انه يتوجب عرضه في الجلسة الاولى، وفقا للنظام الداخلي". 


في موازاة ذلك، يزمع الحوت على عقد لقاءات مع مختلف المرجعيات الدينية والقوى السياسية، دعما لاقتراحه. "لدينا مواكبة شعبية عالية، وهناك رؤساء بلديات وقضاة شرع يؤيدون مطلب التعطيل الجمعة"، على قوله.  

"عودة الى الوضع السابق"

في قراءة اسلامية مختلفة، يجد احد المراجع الاسلامية النافذة في الموضوع ان مطلب التعطيل "فقد أهميته عبر طلب التعديل الذي تقدم به "تيار المستقبل". هناك جماعات متشددة تواصل القول بان حقوق المسلمين ممسوس بها. لكنه رأي اقلية"، على قوله.  

ما يراه في اصرار دار الفتوى "موقف رمزي، خصوصا ان مطلب التعطيل الجمعة يرجع الى اعوام طويلة"، ويأتي في سياق "المطالبة بالحد الاقصى للحصول على الحد الادنى". لافتٌ عدم تقديمها طعنا بالمادة 23 امام المجلس الدستوري قبل انقضاء المهلة الدستورية في 5 ايلول 2017. "هذا يدل على انها تعتبر ان التعديل (الذي تقدم به حوري) عودة الى الوضع السابق الذي لا يرضيها مئة في المئة، لكنه لا يدعو الى الانذار او الاعتراض"، على ما يوضح.  


في رأيه، المشكلة الاساسية "ليست التعطيل الجمعة، بل التعطيل السبت. ما الحاجة اليه؟ لماذا نعطل مدارسنا وامورنا كلها السبت؟ كذلك، ان يحصل المسلمون على ساعتين للصلاة الجمعة ثم يرجعوا الى مكاتبهم ليس مشكلة فظيعة". ويتدارك: "انها المشاعر العامة لدى بعض المسلمين وربطها بالتعطيل بعد الساعة 11,00".  


الفكرة واضحة. "لو تشاورت رئاسة الحكومة مع الجهات الدينية المعنية، اي دار الفتوى، في هذه الامور التي تهم المسلمين دينيا، لما كان حصل شيء. لكن السياسيين أقرّوا فجأة هذا القانون وغيره من القوانين ذات الشأن الديني عند المسلمين. ويجدر التشاور معهم فيها قبل اقرارها. الدستور يقول بذلك. لكنهم لم يتشاوروا مع الجهات الدينية المعنية، ولا يعبأون بمشاعر الناس التي قد تكون محقة او غير محقة...".  


كلمة اخيرة. "نظامنا نظام كلام فارغ، همه التعطيل السبت، تأمينا لسفرات السياسيين، وليس لاقامة دولة حديثة تعنى بحقوق المواطنين وتحفظ الحريات الدينية".   


[email protected]


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم