الثلاثاء - 30 نيسان 2024

إعلان

لا تغيير ولا إصلاح بعدة شغل "مجنزرة" فهل تأتي الانتخابات النيابية بعدّة جديدة؟

اميل خوري
A+ A-

انتهت جلسات المناقشة العامة بالكلام كما بدأت، وفيه المفيد وغير المفيد، وهو ما توقّعه الرئيس حسين الحسيني عندما علَّق على الدعوة الى عقدها بقوله: "بقطع النظر عن رأينا في شرعية المجلس بعد التمديد الذاتي لنفسه، وبالعودة الى المبادئ العامة للأنظمة البرلمانية التي تقوم على قاعدة مجلس نيابي منتخب من الشعب الذي هو مصدر السلطات، فإن المجلس المنتخب من الشعب هو ساحة التنافس على تولّي السلطة، وتكون الحكومة التي تضم أكثرية نواب المجلس هي خط الدفاع الأول عن النظام، ويكون رئيس الجمهورية خط الدفاع الثاني عن النظام والكيان. ومهمة الحكومة هي المحافظة على ثقة الأكثرية، ومهمة المعارضة هي ممارسة المراقبة والمحاسبة والسعي لأن تصبح هي الأكثرية. وبذلك يستقيم عمل المؤسسات الدستورية من حيث تمكين الأقلية التي هي المعارضة من تأدية واجبها. ولكن عندما نصبح أمام سلطة تلغي المعارضة كما هي الحال الآن، فالمناقشة تكون بين من ومن؟ ونحن أمام سلطة عاجزة عن كل شيء بدءاً بوضع قانون للانتخابات منذ العام 1996. فالمزق في الثوب يمكن رتأه لكن ما العمل إذا اهترأ كله"؟


الواقع أن كثيراً من الناس لم يهتموا بجلسات المناقشة كما كانوا يهتمون في الماضي وينتظرون المواجهة الشيّقة بين المعارضة والموالاة، وينتظرون أيضاً نهايتها بطرح الثقة بالحكومة. ولكن منذ صار الدستور وجهة نظر، وحلّت محل النظام الديموقراطي الذي بموجبه كانت الأكثرية تحكم والأقلية تعارض وتحاسب، بدعة "الديموقراطية التوافقية"، لم يعد في الامكان انتخاب رئيس للجمهورية بالاقتراع السري كما نص الدستور وليس بالأكثرية المطلوبة بل بالتوافق، ولا تأليف حكومة إلا بالتوافق، ولا سنّ قوانين مهمة مثل قانون الانتخاب إلا بالتوافق، بحيث لم يعد في إمكان أحد محاسبة أحد. كما لم يعد لتوجيه الأسئلة والاستجوابات الى الحكومة معنى وقيمة لأن النائب الذي يوجهها إنما يوجهها الى حكومة ممثل فيها، ولكي يكون منسجماً مع نفسه عليه أن يطلب انسحاب ممثله فيها.
لذلك لم يعد لجلسات المناقشة ما يثير احترام الناس لأنها تحولت جلسات منافسة على الكلام الانتخابي تنتهي بالكلام وليس بطرح الثقة كما كان في الماضي عندما كان مجلس النواب منقسماً بين معارضة وموالاة، فكانت الجلسة مساءلة لا جلسات تسلية...
لقد دلَّ نواب في جلسات المناقشة على أماكن الفساد لكنهم لم يدلّوا على الفاسدين لملاحقتهم أمام المحاكم. فلو أن ما حصل في جلسات المناقشة حصل في الماضي لكانت الحكومة استقالت أو تألفت على الفور لجنة برلمانية للتحقيق في صحة الاتهامات ليعرف الناس الحقيقة، لا أن تظل مجهولة، حتى اذا ما تحرّك الشارع احتجاجاً على الفساد وهو لا يعرف الفاسدين يصرخ قائلاً: "كلّن كلّن".
إن لبنان يعيش منذ سنوات في ظل دستور شبه معلّق وفي ظل حكومات تتمثل فيها غالبية القوى السياسية في البلاد إن لم يكن كلها باسم "الوحدة الوطنية" الكاذبة لتصبح حكومات ينطبق عليها قول الرئيس تمام سلام نفسه عن حكومته، حكومة "مرّقلي لمرّقلك"... ما جعل الفساد ينتشر وينخر كل مفاصل الدولة بسبب غياب المساءلة والمحاسبة. فمن يحاسب من عندما تكون الحكومة تمثل كل الأحزاب والكتل أو غالبيتها؟ فجرأة النواب تصل الى حد الكلام على الفساد فقط من دون تسمية الفاسدين، وهو ما حصل في جلسات المناقشة عند الكلام على مليارات الدولارات المسروقة والمهدورة، ولم يعلن نائب أنه لن يخرج من القاعة إلا وقد شُكلت لجنة تحقيق، أو اعتبار هذا الكلام الخطير إخباراً للقضاء كي يتحرّك. لقد تعوّد الناس سماع قصص السرقات ولا من يتحرك لا في الحكومة ولا في مجلس النواب ولا في القضاء، وإذا تحرّك الشارع وهو يجهل الحقيقة يرمي كل النواب والمسؤولين بتهمة السرقة هاتفاً "كلّن كلّن"، فيذهب الصالح بجريرة الطالح.
لذلك فلا أمل في إحداث تغيير وإصلاح بعدّة شغل "مجنزرة" لا تصلح لهذه المهمة أياً يكن رئيس الجمهورية وأياً تكن الحكومات عندما تكون من صنع هذه العدّة. فالشجرة تُعرف من ثمارها، وما يُبنى على باطل يكون باطلاً، وما يُبنى على فساد يكون فاسداً. فأشهر طباخ لا يستطيع طبخ طعام جيد اذا كان مطبوخاً بمواد فاسدة. فلا أمل اذاً بالتغيير والاصلاح الا بانتخابات نيابية تجرى على أساس قانون يعطي لصوت الناخب وزنه وقيمته وتأثيره ليصح القول فيهم: "كما تكونون يولَّى عليكم"، وليس كما أنتم يولّى عليكم إذا حصل غش وتلاعب بنتائج الانتخابات.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم