الثلاثاء - 30 نيسان 2024

إعلان

مريم المصابة بالإيدز... تعرّضت للاغتصاب!!

المصدر: النهار
فاطمة عبدالله
A+ A-

نرفض الواقع ولا نستطيع ان نفعل ازاءه شيئاً. وتأتينا الدراما تفرضه علينا من دون رحمة. قد يقال بأننا من نبحث عن قهر الآخرين، ونتشبّث به وكأنه قهرنا، وان ما نشاهده عبر التلفزيون ليس إلا تعلّقاً بهروب محتمل. نظرية ان "الريموت كونترول" أقوى من الخيارات المؤلمة على الشاشة، مجرّد رأي، فالمسلسلات المتينة المتعايشة مع اليوميات، بآلامها وعذاباتها مرة، وفرحها ونكاتها مرة أخرى، تتغلّب على ذاك الجهاز الأصم.
أخذتنا المقدمة عن الواقع وارتباطه العضوي بالدراما، ولم نذكر ما له شأن بعنوان المقال. في مسلسل "سنعود بعد قليل" (LBCI، MBC)، ثمة شابة سورية دون الثامنة عشرة تدعى مريم (دانا مارديني). لمن أراد ان يرى الانهيار السوري، فليفككها. ويشرّح العينين والسواد في أسفلهما. وملابسها، وفظاظة كلامها، والجوع الذي يحرّكها. "بدي سندويشي".


أتقن المخرج الليث حجو صنع التركيبة الدرامية للشخصيات بما يتماهى مع الحالة السورية العامة. وإنما الأكثر اختزاناً للألم كانا كاتب النصّ والذي يؤدي فيه دور راجي، رافي وهبي، وهذه الشابة. ثم يشاء القدر ان يجمعها في ليلة قاسية، ليس وفق مصادفات الحب كما جرت العادة، بل بالجرح الذي يكوي جرحاً.
بائعة الورد ليست التركية الجميلة لميس التي سرعان ما تصبح سيدة راقية. انها سورية "مات" أبوها و"استشهد" أخوها، حتى وجدت نفسها في شوارع بيروت وحيدة جائعة. (وفق سيناريو المسلسل ومصطلحاته). تحاكي الشابة ويلات اللجوء بالتسكّع قرب إحدى اشارات المرور، حتى يشتمها هذا ويهزأ بها ذاك. الاستقرار، أين هو من السوريين ومن اللاجئات السوريات تحديداً؟ كل ما في التركيبة الصورية لهذه الشخصية يحمل الضد: الاضطراب في ملابسها من خلال الألوان غير المتناسقة والمقاسات التي تفوقها حجماً (كالحِمل الذي ورثته من الأزمة السورية)، أسلوب حياتها الصبياني الذي سيطر على أنوثتها (تركض في الشارع، تصفر، ترفع صوتها، تنطق بالشتائم، وتجتهد في الدعاء بالسخط على الساخرين منها)، ونجدها أخيراً تُغتصب!


سبق ان مرّ شابان بسيارة مكشوفة بالقرب من الاشارة، حيث الشابة تقف وتصيح: "ورد ورد". هتفا عالياً بأنها مصابة بالإيدز، محذّريْن من الاقتراب منها. ارتأى المخرج ألا يرينا بأم العين كيف تُغتصب فتاة ثم تُرمى وهي تنزف، وترك لنا التداعيات المؤلمة: فقدان للوعي، حرارة مرتفعة، جثة على سرير بالكاد تتنفّس. منذ زمن ولم يهزّنا مشهد درامي الى حد النظر يميناً وشمالاً قبل قرار البكاء. مريم، وبينما تخبر راجي عن خسارتها عائلتها، ومحاولة أقاربها تزويجها برجل في سنّ أبيها "خدمة للثورة"، بكينا. فقدانها عذريتها في العمل دليل بأن الأزمات ترخي ركاماً، لا جنائن معلقة.



[email protected]
Twitter: @abdallah_fatima

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم