الثلاثاء - 30 نيسان 2024

إعلان

حكاية من الخيال الأميركي!

الياس الديري
الياس الديري
A+ A-

لا، ليس لبنان وحده مَنْ ألحقت به السياسات الأميركيَّة المتقلَّبة، والراضخة للنفوذ الإسرائيلي، أضراراً جسيمة حوّلته من سويسرا الشرق إلى مريض المنطقة، وأوصلته في نهاية المطاف والمخاض إلى حيث هو اليوم، بل إن ثمة منطقة بأسرها تُدعى الشرق الأوسط هوَت دوَلها تِباعاً كجُلمود صخر حطّه السّيْلُ من علٍ.


سيذكُر التاريخ حتماً أن سياسة الرئيس باراك أوباما الذي خلَف الرئيس جورج دبليو بوش قد أكملَت سياسة التدمير والتشويه والتشريد والتقطيع لدول الهلال الخصيب، وتخطّتها إلى حيث يُقيم التاريخ بكل جغرافيته وإبداعه وآثاره وفي مدنٍ كلآلئ لا تُنتزع، تتقدّمها حلب، وتَليها بغداد، وتُكمل مثلّثها بين حمص وحماه، بلوغاً بيروت وردة المتوسط التي أضحت اليوم شبه مهجورة.
مصادفة، أم عن سابق تصوّر وتصميم أصدر الرئيس أوباما حكماً صارماً مبرماً أدّى بنتائجه الوخيمة إلى تدمير هذا الشرق. بل هذا المشرق بل هذه البقعة الجغرافيَّة الاستثنائيَّة التي اختيرت لتكون أرض الرسالات السماويَّة ومهْد الحضارات والإبداع أدباً وشعراً وفكراً وفناً، اقتاتت منه ومن مراكز العلوم فيه دول الأرض لتؤسّس نهضتها التي هيّأتها لما هي عليه اليوم.
جورج دبليو بوش أعدَّ الولايات المتحدة الأميركيّة لتتوسّع صوب الشرقين الأوسط والأقصى، فحوَّل إمبراطوريَّة العصر أقرب إلى العصابة التي تزرع الإجرام والخراب والموت حيث تطأ قدمَها، مما أكَّد مرة جديدة صورة الأميركي البشع التي استحقّتها واشنطن إثر حرب فيتنام.
إلا أن باراك حسين أوباما، المزيّن بأوسمة هارفرد كأستاذ في الفلسفة والفكر المعاصر، رأى أن العلاج الشافي لأميركا من كل ما أُلحق بها في غزواتها المشرقيَّة، والعراقيَّة بصورة خاصة، يكمُن في الانسحاب السريع من كل هذا الشرق: عسكريّاً وسياسيّاً.
على أن يبقى النفط هو "القاسم المشترك" بين الشرق والغرب، بعدما زيَّن له بعض مستشاريه الموالين لإسرائيل أن الغرب غربٌ والشرق شرقٌ ولن يلتقيا. ولتقتصر العلاقات المباشرة على العوامل الاقتصاديّة، واستناداً إلى معادلة حديد بقضامي. أو حديد بنفط. أو نفط بمصانع وسلاح وأبراج وأوتوسترادات...
أدار البروفسور أوباما ظهره لهذا الشرق الذي كان الربيع الوهمي قد طَرَق أبوابه وملأ ساحاته. ومن منطلق أميركيّ جديد تفيد منه إسرائيل في شتَّى الأحوال: فخّار يكسِّر فخّار.
فكانت فوضى القتل الجماعي، والتدمير الكامل للمدن والحصون التاريخيَّة. وانتشرت فوضى الموت والخراب والذُعر، حتى كانت التنظيمات الإرهابية التكفيرية والإجرام الذي لم تعرف مثله حتى العصور البدائيَّة.
ولبنان الذي اكتشفت إدارة أوباما منذ أيام أنه بلا رئيس منذ سبعة أشهر، يدفع بدوره الجِزية مضاعفة. إنها حكاية من خيال الواقع الأميركي الأوبامي.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم