الثلاثاء - 30 نيسان 2024

إعلان

حقل الغاز "الأضخم في تاريخ تركيا"... بين الضجّة والواقع

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
Bookmark
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان - "أ ب".
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان - "أ ب".
A+ A-
 
يُعدّ اكتشاف تركيا حقل غاز ضخماً في البحر الأسود فرصة لها كي تتخلّص من أزماتها الاقتصاديّة، والأهمّ كي تصبح لاعباً إقليميّاً بارزاً على مستوى الطاقة. 
بدأ المسار مع إعلان الرئيس التركيّ رجب طيّب إردوغان في 21 آب اكتشاف "أكبر كمية من الغاز الطبيعيّ في التاريخ التركيّ"، ذاكراً أنّ الكمّيّة تصل إلى 320 مليار متر مكعّب وهي جزء من مصدر أكبر. وأضاف أنّ الغاز المكتشف سيكون في الأسواق بعد ثلاث سنوات. لكن سرعان ما تبيّن أنّ الأرقام لا تحاكي حجم الفرحة الرسميّة.
 
تتراوح تقييمات هذا الاكتشاف بين ما يمكن أن يساعد تركيا على تحقيق الاستقلاليّة في مجال الطاقة وبين التشكيك في هذا الطرح. لكنّ شبه الإجماع الذي يمكن استقاؤه من خبراء عدّة في هذا المجال، يكمن في أنّ هذه الكمّيّة لن تجعل تركيا لاعباً مهمّاً في ميدان الطاقة.
 
مزايا
 
بحسب بعض التقارير، يمكن أن يقلّص هذا الحقل اعتماد تركيا على إيران وروسيا ويعزّز الوضع الاقتصاديّ لدولة وصلت وارداتها في مجال الطاقة إلى 35 مليار يورو السنة الماضية وحدها. في السياق نفسه، يمكن أن يشكّل هذا الاكتشاف قوّة لتركيا في تعزيز نفوذها التفاوضيّ مع الروس من أجل خفض كلفة صادراتهم علماً أنّ أنقرة تتّجه إلى تجديد عقدها مع العملاق الروسيّ "غازبروم".
 
إحدى نقاط الخلاف بين ما تقوله أنقرة وما يجادل به نقّادها هو أنّه يصعب توقّع استخراج هذه الكميّات بسرعة ووضعها في الأسواق خلال ثلاث سنوات فقط. ربّما يكون هذا الإعلان هادفاً إلى إعطاء المواطنين الأتراك "عيديّة" بمناسبة مرور 100 عام على تأسيس الجمهوريّة التركيّة.
 
لدحض وجهة النظر هذه، قارن الدكتور صحبت كاربوز من مركز "بيلكنت" لأبحاث سياسة الطاقة، بين حقل ظهر المصريّ وحقل ساكاريا التركيّ المكتشف حديثاً. وفي حديث إلى شبكة "تي آر تي" التركيّة، قال كاربوز إنّ حقل ظهر يساوي أكثر من ضعفي حجم الحقل التركيّ، حيث بدأ الإنتاج في الأوّل بعد 28 شهراً أو ما يوازي سنتين وأربعة أشهر من أعمال التنقيب.
 
وأضاف أنّ عمليّة الاستخراج ستكون أسهل لأنّ الشركة المشرفة على المشروع رسميّة، الأمر الذي يختصر مهلة التفاوض التي تطول مع المشاريع الأجنبيّة التي تدخل فيها شركات متعدّدة الجنسيّات.
 
ما يسهّل المشروع هو وقوع حقل الغاز على عمق كيلومترين تحت قعر البحر وعلى بعد 170 كيلومتراً من الشاطئ. كذلك، يقع الحقل في منطقة مرسّمة وتابعة كلّيّاً لتركيا ولا تخضع لأيّ نزاعات. لكن عند هذه المزايا، تتوقّف إيجابيّات هذا الاكتشاف.

"ليس معجزة"
 
يرى البعض أنّ تركيا لن تستطيع الاستفادة اقتصاديّاً من حقل الغاز قبل ستّ أو سبع سنوات. بينما تذهب تحليلات "مركز السياسة العالميّة" إلى التأكيد على أنّ كمّيّة 320 مليار متر مكعّب غير كافية لتجعل تركيا دولة تنافسيّة في قطاع الغاز كما لن تستطيع تخفيف عبء الاستيراد إن لم يترافق ذلك مع اكتشاف كمّيّات أخرى.
 
وإذا كان كاربوز قد تحدّث عن سهولة نسبيّة في استخراج هذه الكمّيّات وضخّها في الأسواق، يستشهد المركز نفسه بدراسة أخرى تُظهر أنْ ليس لدى تركيا خبرة قويّة في مجال استخراج الغاز من أماكن بحريّة عميقة، كما تُظهر أنّها بحاجة لحفر عدد من الآبار أوّلاً للتأكّد من تقديراتها الأوّليّة.
 
كذلك، قد تضطرّ الشركة الوطنيّة التركيّة لإجراء شراكة مع شركات أجنبيّة لتعزيز مكاسبها أو لاستجرار الغاز الطبيعيّ إلى الشاطئ. لهذا السبب، وجد المركز أنّ الاكتشاف الأخير "ليس معجزة اقتصاديّة".
 
 

روسيا مرتاحة
 
ثمّة مشاكل إضافيّة يمكن أن تواجه تركيا في التفاؤل "المبالغ به" إزاء المنافع التي قد يعود بها هذا الاكتشاف على قوّة النفوذ التركيّ مقابل روسيا على مستوى تخفيض الاعتماد على الغاز الروسيّ. فبحسب الباحثين غونول تول ورؤوف محمدوف من "معهد الشرق الأوسط"، لا يبدو الروس قلقين من الخبر التركيّ، "لأنّ موسكو كانت في هذا العمل لفترة طويلة بما يكفي كي تفهم أنّ هذا الاكتشاف ليس معدّلاً في (قواعد) اللعبة".
 
ويضيفان أنّ الكمّيّة الإجماليّة من الاحتياطات التي تحدّثت عنها تركيا هي ضعفا ما تصدّره "غازبروم" إلى تركيا في سنة واحدة. لهذا السبب، قال خبراء روس إنّه سيكون أكثر منطقاً لتركيا مواصلة استيراد الغاز الروسيّ عوضاً عن تطوير مواردها الخاصّة بالنظر إلى انخفاض الأسعار العالميّة.
 
أغلب الظنّ أنّ الروس فعلاً مرتاحون بالنسبة إلى استمرار تصديرهم الغاز إلى تركيا. فقيمة إجمالي احتياط الغاز المكتشف حديثاً تبلغ 80 مليار دولار، أي ما يوازي كلفة استيراد الغاز التي تتكبّدها أنقرة خلال فترة قصيرة نسبيّاً. ومع أخذ كلفة الاستخراج واضطرار تركيا إلى التعاون مع شركات أجنبيّة لتسهيل مهمّة الإنتاج، يصبح توقّع الخبراء الروس قريباً من الواقع.
 
"أنبوب أحلام"
 
على الرغم من ذلك، قد لا تكون قيمة الاكتشاف التفاوضيّة مع الروس منتفية تماماً، إذ رأت مجلّة "إيكونوميست" البريطانيّة إمكانيّةً في مساعدة هذا الخبر أنقرة على تحسين موقعها إزاء الروس. لكن في الإجمال، إنّ التوقّعات التي وضعت تركيا في مصافّ الدول المصدّرة للغاز والمستقلّة في ميدان الطاقة هو "أنبوب أحلام" وفقاً للمجلّة. فقد شكّكت في الرقم المعروض لأنّه لم يتمّ التحقّق منه بشكل مستقلّ كما شكّكت بحيويّته التجاريّة، إذ إنّ التنقيب البحريّ مكلف وتعثّرت أسواق الطاقة بسبب انخفاض الطلب وارتفاع العرض وفقاً لتقريرها.
 
في نهاية المطاف، يساوي حجم التهليل التركيّ الرسميّ لهذا الاكتشاف حجم المسؤوليّة التي ستتحمّلها أنقرة لإظهار أنّ إعلانها الأخير جدّي ولا يرتبط بمحاولة لتشتيت الأنظار عن مشاكلها الداخليّة. وعلى أيّ حال، انتهى زمن الفرحة بهذا الاكتشاف ليحلّ مكانه زمن التفكير بإيجاد توازن بين كلفة المشروع وعوائده. أمّا الكشف عن مقاربة تركيا لهذه المعادلة فقد لا يتحقّق في أيّ وقت قريب.
 
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم