الثلاثاء - 30 نيسان 2024

إعلان

الأوّل من أيلول 1920- الأوّل من أيلول 2020 يجب حقًّا بل مسؤوليّتنا أنْ نعرف كيف يُخَلَّص لبنان

المصدر: النهار
عقل العويط
عقل العويط
لبنان الولادة الثانية
لبنان الولادة الثانية
A+ A-

إنّي أكتب هذا المقال، في فجر الأوّل من أيلول 2020، لمناسبة الاحتفال بمرور مئة عام على ولادة "دولة لبنان الكبير". وإنّي أكتبه تكريمًا للبنان، فكرةً، وذاتًا، ومعنًى، ووجودًا، وكيانًا، وواقعًا، ومشتهًى، معًا وفي آنٍ واحدٍ وعلى السواء.
لقد قيل لي بكلامٍ سياسيٍّ دقيقٍ، إنّ اللبنانيّ بسلطته وبطبقته السياسيّة الحاكمة وغير الحاكمة، لا يستطيع – والأصحّ ربّما لا يريد – أنْ يفعل أكثر وأحسن ممّا يفعل.
وقيل لي أيضًا، وبكلامٍ سياسيٍّ دقيقٍ للغاية، إنّ حركة التغيير اللبنانيّة، بأنقيائها وأذكيائها، بمكوّناتها الخلّاقة وبجرفها الحامل الرمال والغبار والحصى، لا تزال في مخاضها الطويل، ولا بدّ لها قبل انبثاقها الإشراقيّ والتحويليّ الحاسم، منْ أنْ تجتاز ليلًا رهيبًا، وأنْ تشحذ صوّانها شحذًا مضنيًا وشاقًّا ودؤوبًا، وأنْ تظلّ تشحذه إلى أنْ تصير على قَدْر لبنان. راجيًا لها أنْ تستطيع، وأنْ تريد، وأنْ تصير!
وقيل لي أيضًا وأيضًا، وبكلامٍ سياسيٍّ دقيقٍ، إنّ الفرنسيّ لا يستطيع – وربّما لا يريد – أنْ يفعل أكثر وأحسن ممّا يفعل. 
والحال هذه، وبعد تكليف رئيس الوزراء الجديد، تمهيدًا لتأليف الحكومة الموعودة، إيّاكم أنْ تؤخَذوا بدولةٍ مدنيّةٍ على طريقة الأستاذ نبيه برّي، مأربُها العددُ وغلبةُ العدد. حين أنّ الدولة المدنيّة العلمانيّة (العلمانيّة، أكرّر) الديموقراطيّة السيّدة الحرّة المستقلّة هي البديل وهي الغاية وهي الحلّ.
وإيّاكم أنْ لا تقولوا لهذا العهد إنّ تعويمه يهدّد بقاء لبنان.
وإيّاكم أنْ تتغافلوا عن تسمية المشكل الجوهريّ المتمثّل في الدويلة التي تستولي على الدولة، وفي السلاح الذي هو في غير يد الدولة.
وإيّاكم أنْ لا تقولوا للبطريرك المارونيّ – رجاءً - لزومَ أنْ يتوقّف فورًا عن "الظهور" والشرح والتكرار والتبسّط في الكلام.
وإيّاكم أنْ لا تقولوا للفرنسيّ – رجاءً - لا تَبِعنا من كيسنا زرعَ شجرة أرز، ولا امتداح صوت فيروز التوحيديّ الجامع، وأنتَ في الآن نفسه تُرقِّع ما لا يُرَقَّع من تسويات "دولة لبنان الكبير". حين أنّ المطلوب هو إزالة الخطر المحدق بلبنان و"تنحّي الطبقة السياسيّة" تنحّيًا دائمًا لا "موقّتًا"، وإتاحة الفرصة التي لا مكر فيها لتحقيق انتقالٍ آمنٍ وسلسٍ وديموقراطيٍّ للسلطة، تتجلّى فيه، وتتجسّد، أحلام التائقات والتائقين إلى التغيير العابر المناطق والأحزاب والطوائف والمذاهب على السواء.
 والحال هذه، سأكتب عن لبنان، وسأكتب إذا شئتم أيضًا عن "دولة لبنان الكبير"، لكنْ بمعزلٍ عن تسوية 1920، وعن تسوية 2020 المرتقبة، وبمعزلٍ عن أمراء الطوائف والمذاهب والحروب وقادتها وميليشياتها، وبعيدًا من الإرهابات والاحتلالات والوصايات والمصادرات والصفقات والسمسرات، وقبل فيروز وصوتها، وبعد فيروز وصوتها، وأيضًا قبل الأرز وبعد الأرز، وبصرف النظر عن مخاضات الثورة الشبابيّة التغييريّة القائمة. 
إنّي أرى إلى لبنان باعتباره أكثر. 
وهو أكثر. وهو أعمق. وهو أغنى. 
إنّ أبشعَ ما في لبنان، أنْ يُرى إليه باعتباره مارونيًّا، وسنّيًّا، وشيعيًّا ودرزيًّا، وأرثوذكسيًّا، ومَلَكيًّا، ويهوديًّا، وأرمنيًّا، وبروتستانتيًّا، وإنجيليًّا، وسريانيًّا، وكلدانيًّا، وأشوريًّا، وقبطيًّا،...
إنّ أبشعَ ما في لبنان، أنْ يُرى إليه باعتباره دولةً كالدول، وأنْ يُحكَم على غرار ما تُحكَم به الدول، أكانت ديموقراطيّةً أم استبداديّةً أم مَلَكيّةً أم جمهوريّةً أم دينيّةً أم فيديراليّةً أم كونفيديراليّةً أم مركزيّةً أم لامركزيّةً، أم سوى ذلك من الاحتمالات الدستوريّة.
إنّ أبشعَ ما في لبنان، أنْ يُرى إليه باعتباره أرضًا للتجاذب السياسيّ والسلطويّ والإيديولوجيّ والدينيّ، أو بورصةً للربح والخسارة، أو مناطق للاقتطاع، أو كنزًا للنهب والتحاصص والتقاسم والتناتش والاستحواذ.
هو ليس ليُتَناوَب عليه، ولا ليُمرَّغ، ولا ليُداس، ولا ليُغتَصَب، ولا ليُستفاد منه، ولا ليُتَنازع عليه، ولا ليكون ممرًّا لمحتلٍّ وقاتلٍ ومجتاحٍ، ولا مستقَرًّا.
حرامٌ أنْ يظلّ يُعَامل على أساس المذكور أعلاه، أوّلًا وثانيًا وثالثًا ورابعًا، وإلى آخره. إلى آخره.
حرامٌ أنْ يظلّ يُنَال من هذا اللبنان، على أيدي أهله، وواضعي الأيدي عليه، وعلى أيدي الأمم وألاعيب الأمم الإقليميّة والدوليّة.
حرامٌ أنْ يظلّ يُبشَّعَ هذا اللبنان. حرام.
يُخجِلني أنّي لا أعرف أنْ أعطيه حقّه، ولا أنْ أصفه، ولا أنْ أحميه، ولا أنْ أُقنِع أهله به، ولا واضعي الأيدي عليه، ولا الأمم، ولا الأديان، ولا الأحزاب، ولا أحد. 
يبكّيني أنّي أحبّه، ولا أستطيع أنْ أشفيه، ولا أنْ أخلّصه، ولا أنْ أحرّره من أهله، ومن واضعي الأيدي عليه، ومن الأمم ومن ألاعيب الأمم.
يجب أنْ يُخلَّص هذا اللبنان من البراثن. كلّ البراثن. براثن أهله أوّلًا. وبراثن واضعي الأيدي عليه. وبراثن الأمم وألاعيب الأمم.
يجب أنْ يُخلَّص هذا اللبنان. 
يجب حقًّا أن أعرف، يجب حقًّا أن نعرف كيف!

[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم