عمليّة الضّمير: كسر الحاجز حول دمشق وبوادر شراكة أمنيّة جديدة؟

المشرق-العربي 20-10-2025 | 22:00

عمليّة الضّمير: كسر الحاجز حول دمشق وبوادر شراكة أمنيّة جديدة؟

شكّلت العملية منعطفاً نوعياً لأنها كسرت الخطوط الحمراء التي كانت تفصل دمشق عن نطاق عمل التحالف.
عمليّة الضّمير: كسر الحاجز حول دمشق وبوادر شراكة أمنيّة جديدة؟
وجود مشتبهين مرتبطين بـ"داعش" في محيط دمشق يعيد فتح ملف الأمن الداخلي في منطقة عُدّت آمنةً نسبياً. (أ ف ب)
Smaller Bigger

في سابقة أمنية هي الأولى من نوعها قرب العاصمة السورية، نفّذ التحالف الدولي فجر الأحد عملية إنزال جوي في منطقة الضمير بريف دمشق، انتهت باعتقال أحمد عبد الله المسعود البدري الذي تتباين الروايات حيال هويته بين "قيادي سابق في داعش" و"مسؤول أمني رسمي".


العملية استمرت لساعات وسط تحليق مكثّف للطيران وتطويق أمني محكم، وشكّلت منعطفاً نوعياً لأنها كسرت الخطوط الحمراء التي كانت تفصل دمشق عن نطاق عمل التحالف، والذي اعتاد لسنوات العمل في الشمال الشرقي مع "قسد"، أو في البادية عبر قاعدة التنف، وكذلك في شمال حلب وإدلب.


لا تكمن أهمية الحدث في هوية المستهدف وحدها، بل في موقعه الجغرافي والدلالة السياسية التي يحملها. إذ يفتح الإنزال قرب دمشق بابين متوازيين للقراءة: الأول أنّ نطاق عمل التحالف بات مفتوحاً وغير مقيّد بخطوط سابقة، والثاني أنّ دمشق الجديدة تواكب متطلبات مكافحة الإرهاب، حتى لو لم تُعلن رسمياً انضمامها إلى التحالف.


ويتعزّز هذا المعنى إذا استُحضر ما كشفه "المرصد السوري لحقوق الإنسان" في 13 تشرين الأول/أكتوبر 2025 عن إعادة هيكلة "جيش سوريا الحرة" بتغيير اسمه إلى "قوات المهام الخاصة في البادية"، ونقل تبعيته من وزارة الدفاع (الفرقة 74) إلى وزارة الداخلية، مع استمرار التنسيق مع التحالف عبر دوريات وتدريبات مشتركة لملاحقة خلايا "داعش".


هكذا يصبح التحول المؤسسي قناة عملية لتيسير التنسيق، فالفصيل الذي يعرفه الأميركيون جيداً بات جزءاً من الأمن الداخلي، ما يتيح للطرفين تقديم العملية للرأي العام، كلٌّ بلغته الخاصة، من دون تناقض مباشر، فيما تبدو العملية أول اختبار عملي لآلية التنسيق الجديدة بينهما.

 

أحمد عبد الله المسعود البدري. (مواقع تواصل اجتماعي)
أحمد عبد الله المسعود البدري. (مواقع تواصل اجتماعي)

 

 

على هذا الخط، جاء تعليق المبعوث الأميركي توم براك بأن "سوريا عادت إلى صفّنا" كتلخيص مكثّف لتحوّل أوسع في مقاربة واشنطن التي تعتبر التعاون في مكافحة الإرهاب — ولا سيما ضد "داعش" — البوابة الوحيدة لأي تقارب سياسيّ أو تخفيف للعقوبات.


بذلك يمكن قراءة الإنزال قرب العاصمة كرسالة مزدوجة: من التحالف الذي يُثبت أن يده طويلة في أي مكان من سوريا، ومن دمشق التي تُظهر استعدادها للتعاون في الملف الأكثر حساسيةً لدى الأميركيين.


غير أنّ التطور لا يخلو من إشارات مقلقة. فوجود مشتبه فيهم مرتبطين بالتنظيم في محيط العاصمة يعيد فتح ملف الأمن الداخلي في منطقة عُدّت آمنةً نسبياً.


وهو ما يستحضر عمليات سابقة لوزارة الداخلية في ريف دمشق، مثل اعتقال منفّذي تفجير كنيسة الدويلعة، وهي قضية وعدت الوزارة بنشر اعترافاتها ولم تفعل حتى الآن.


هذه الوقائع، إلى جانب عملية الضمير، ترسم صورةً عن عودة النشاط الجهادي إلى مناطق حضرية حساسة، وتضع الأجهزة أمام اختبار مركّب بين الحاجة إلى الشفافية ومقتضيات العمل الأمني.


بالتوازي، وصفت وسائل إعلام محلية مقرّبة من دوائر المرحلة الانتقالية العملية بأنها الخامسة المشتركة منذ تموز/يوليو، وقدّمتها دليلاً على شراكة أمنية جديدة، فيما التزم الجانب الأميركي الرسمي الصمت، تاركاً التصريحات السياسية وحدها لتلمّح إلى طبيعة التنسيق.


وبين الروايات المتضاربة، برزت تسريبات الناشط السوري زين العابدين (@DeirEzzore)، المعروف بمتابعته الدقيقة لأخبار التنظيم، إذ قال إن العملية كانت خاطئة، وإن البدري أُصيب برصاصة أثناء الاعتقال ثم نُقل إلى مستشفى حرستا قبل أن يُفرَج عنه لاحقاً، مشيراً إلى أنه يعمل مع جهاز استخبارات الدولة وظهر الشهر الماضي برفقة نائب محافظ ريف دمشق. وهي روايةٌ لم تؤكدها أي جهة مستقلة، لكنها تكشف حجم الالتباس الذي يلفّ العملية وهوية المستهدف.

 

ولم يقتصر الجدل على السرديات الأمنية والإعلامية، إذ دخل البُعد العشائري إلى المشهد مع بيان لقبيلة عنزة التي ينتمي إليها البدري، استنكرت فيه العملية ووصفت المستهدف بأنه رجل دولة ومصلح اجتماعي، وطالبت بالتحقيق والإفراج عنه فوراً.


هكذا تحوّل حدثٌ كان يُفترض أنه أمني بحت إلى قضية رأي عام، تتقاطع فيها الحسابات المؤسسية مع حساسيات المجتمع المحلي.


في المحصّلة، تتجاور خمس سرديات فوق رقعة واحدة: إنزال جويّ للتحالف بحسب المرصد، ومداهمة أمنية داخلية بحسب دمشق، وشراكة جديدة وفق الإعلام المقرّب، وتسريبات ميدانية متناقضة، واحتجاج عشائري يرى الاستهداف ظالماً.


ما يجمعها كلّها أنّ العملية وقعت على تخوم العاصمة، وفي لحظة سياسية دقيقة يُعاد فيها تعريف العلاقة بين دمشق وواشنطن على قاعدة مكافحة الإرهاب، وأنّ إعادة تدوير "جيش سوريا الحرة" تحت مظلة الداخلية قد تكون القناة التي جعلت هذا التنسيق ممكناً.


ومع كل عملية مشابهة، يُعاد رسم الخريطة الأمنية والسياسية في سوريا الجديدة، حيث تتقاطع مسارات مكافحة الإرهاب وتطبيع العلاقات، وتغدو كل خطوة ميدانية اختباراً عملياً لشكل التحالفات المقبلة.


الأكثر قراءة

العالم العربي 10/17/2025 6:20:00 AM
"وقهوة كوكبها يزهرُ … يَسطَعُ مِنها المِسكُ والعَنبرُوردية يحثها شادنٌ … كأنّها مِنْ خَدهِ تعصرُ"
ثقافة 10/17/2025 6:22:00 AM
ذلك الفنجان الصغير، الذي لا يتعدّى حجمه 200 ملليليتر، يحمل في طيّاته معاني تفوق حجمه بكثير
ثقافة 10/17/2025 6:23:00 AM
القهوة حكايةُ هويةٍ وذاكرةٍ وثقافةٍ عريقةٍ عبرت من مجالس القبائل إلى مقاهي المدن، حاملةً معها رمزية الكرم والهيبة، ونكهة التاريخ.
ثقافة 10/17/2025 6:18:00 AM
من طقوس الصوفيّة في اليمن إلى صالونات أوروبا الفكرية ومقاهي بيروت، شكّلت القهوة مساراً حضارياً رافق نشوء الوعي الاجتماعي والثقافي في العالم.