ما لا يستطيع الذكاء الاصطناعي تخيّله

ما لا يستطيع الذكاء الاصطناعي تخيّله

الإنسان يخلق المعرفة… والذكاء الاصطناعي يعيد ترتيب الماضي فقط.
ما لا يستطيع الذكاء الاصطناعي تخيّله
صورة تعبيرية
Smaller Bigger

*نانسي بدران

كلما ازدادت ضجة الذكاء الاصطناعي واتسع حضوره في العلوم والتقنية، يتضاعف وهمٌ يتسرّب ببطء إلى النقاش العام: أن هذه النماذج قادرة على ابتكار المعرفة من العدم، تماماً كما يفعل العقل البشري حين يكتشف نظرية جديدة أو يُعيد صوغ فهمه للعالم. غير أن هذا التصور يتجاهل حقيقة بسيطة وعميقة في آن واحد: الذكاء الاصطناعي لا يزال محصوراً داخل حدود ما يُعطى له، بينما يقوم العقل البشري ببناء ما لم يُعطَ بعد.


فالآلة مهما بدت ذكية لا تتجاوز في عملها عملية إعادة ترتيب واسعة لتجارب الآخرين. أما الإنسان، فهو لا ينتظر اكتمال الصورة كي يفكر؛ بل يصنع الفكرة رغم نقص المعطيات. يكفي أن نراقب الطريقة التي يتعلم بها الطفل لغته الأولى لندرك ذلك: لا يجمع الطفل البيانات ثم يكرّر أنماطها، بل يبتكر قواعد لم تُعرض عليه صراحة، ويقول جملاً لم يسمعها من قبل. هذا الميل نحو صوغ القاعدة، وليس الاكتفاء بنسخها، هو ما يجعل البشر قادرين على الإبداع العلمي.

 

الذكاء الاصطناعي على النقيض تماماً. فهو ينظر إلى الوراء دائماً، يستند إلى نصوص سابقة ومعارف موثقة، ويعيد صوغها بصورة تبدو جديدة لكنها محكومة ببذرتها الأولى. وحين يواجه سؤالاً يتطلب كسر السياق أو تخيل ما يناقض البيانات المتاحة، يقف عند حدود مدخلاته. إنه جهاز استدعاء للماضي، وليس محركاً للمستقبل.

 

يظهر هذا الفرق بوضوح حين نضع الآلة أمام موقف ليس فيه دليل مباشر. الإنسان في لحظات الغموض لا ينتظر البيانات؛ بل يصنع فرضيات. يغامر. يجرب. يُخطئ ويصحّح. هذه السلوكيات ليست امتداداً للمعلومات، بل تجاوزاً لها. الإبداع، في جوهره، هو القدرة على رؤية ما لا تقوله البيانات بعد، واعتبار المجهول مساحة للعمل وليس فراغاً يجب ملؤه بذكريات الآخرين.

 

العالم نفسه يتغير بطريقة لا يمكن لأي قاعدة بيانات أن تلحق بها. نحن نعيش في بيئة تتشكل لحظة بلحظة، بينما تعتمد النماذج الآلية على ماضٍ ثابت. الإنسان وحده قادر على التعامل مع هذا التدفق المتقلب؛ لأنه لا يحاول فهم العالم فحسب، بل يسعى إلى إعادة تشكيله. بياناته ناقصة، نعم، لكنه يعوّض نقصها بالشغف والافتراض والتجريب.

 

صورة تعبيرية مولّدة بالذكاء الاصطناعي
صورة تعبيرية مولّدة بالذكاء الاصطناعي

 

ولا يتوقف الفارق عند حدود التفكير العلمي فقط، بل يمتد إلى القدرة على إدراك القيمة، وتحديد ما يستحق البحث فيه، وتعيين الأسئلة الصحيحة قبل الإجابات. فالآلة لا تختار موضوعاً لأنها ترى فيه إمكانية جديدة؛ بل لأن بياناتها توجّهها إلى ما قيل سابقاً. أما الإنسان فيستطيع أن ينحرف عن المسار التقليدي، وأن يتبع حدسه نحو منطقة مجهولة تماماً، ليجعل منها اكتشافاً لاحقاً.

ولذلك، فإن الخلط بين إعادة توليد النصوص وبين إنتاج المعرفة العلمية هو خلط بين عمليتين مختلفتين جذرياً. الذكاء الاصطناعي يستطيع مساعدتنا، رفع كفاءتنا، وإعادة تنظيم معارفنا، لكنه لا يستطيع — حتى الآن — أن يعطينا فكرة لم يضع العالم بذرتها من قبل.

 

فالآلة تُجيد توقع ما قد يحدث،
أما الإنسان فيتجرأ ليسأل ما الذي يمكن أن يكون؟
وهذا السؤال، وحده، هو أصل الاكتشاف العلمي.

 

* مهندسة حلول الحوسبة للمشاريع السحابية في الحكومة الفيدرالية – أوتاوا، كندا

الأكثر قراءة

ايران 11/26/2025 12:07:00 AM
أفادت وسائل إعلام إيرانية غير رسمية بسماع تحليق طائرات حربية مجهولة فوق غرب البلاد، بالتزامن مع تفعيل محدود للدفاعات الجوية
لبنان 11/26/2025 2:32:00 PM
وجّه الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم، رسالة إلى "التعبويين المجاهدين" ‏في "يوم التعبئة" السنوي
لبنان 11/26/2025 3:37:00 PM
من خلال الكشف الذي أجرته شعبة المعلومات، تبيّن أن أفراد العصابة أحدثوا فجوة في الجدار الخلفي للمحل من جهة منزل مهجور، وتمكّنوا عبرها من الوصول إلى متخت المتجر.
لبنان 11/26/2025 5:55:00 PM
تمّ تعديل التعاميم بحيث تمّ السماح للموسسات الفردية والجمعيات المرخصة من المراجع المختصة (خيرية أو دينية) الإفادة من التعميمين.