الخوارزميات في غرف التشخيص.. هل يبقى الطبّ "فنّ الإصغاء" أم سيغدو "فنّ الأتمتة"؟

الخوارزميات في غرف التشخيص.. هل يبقى الطبّ "فنّ الإصغاء" أم سيغدو "فنّ الأتمتة"؟

هل يصبح المريض متحدثاً باسم بياناته لا ذاته؟ بينما يُهمَّش كل ما لا يُقاس أو يُرمَّز..
الخوارزميات في غرف التشخيص.. هل يبقى الطبّ "فنّ الإصغاء" أم سيغدو "فنّ الأتمتة"؟
الذكاء الاصطناعي والطب.
Smaller Bigger

منذ أن وُجد الطب، كان يقوم على علاقةٍ إنسانية قد لا تشبه أي علاقة مهنية أخرى عرفها البشر. الطبيب لم يكن "مزود خدمة"، أو "بائع منتج"، بل "حكيم" يلجأ إليه الناس عند حاجتهم، فيعالجهم بعلمه ويؤاسيهم بإنسانيته. تلك الثقة التي جمعت بين المريض وطبيبه كانت دوماً جزءاً من العلاج بقدر ما كان الدواء نفسه.

اليوم، في عصر الذكاء الاصطناعي، تتغير معالم هذه العلاقة. الخوارزميات تدخل إلى غرف التشخيص، وتتعلم قراءة الأشعة وتحليل التحاليل، وتقدّم للطبيب احتمالاتٍ دقيقة لا يستطيع العقل البشري مجاراتها. لكنها، رغم ذلك، لا تعرف أين تتوقف، أين عليها احترام مساحة المريض وخصوصيته، وأين "تطبطب" عليه..

"الطب الخوارزمي"

 

استخدم ثلثا الأطباء الأميركيين، بزيادة قدرها 78% عن العام السابق، و86% من الأنظمة الصحية الذكاء الاصطناعي كجزء من ممارساتهم في عام 2024، وفقاً لـ"ذا غاردين". إذ يعد صانعو السياسات والمصالح التجارية بأن الذكاء الاصطناعي سيحل مشكلة إرهاق الأطباء، ويخفض أكلاف الرعاية الصحية، ويوسع نطاق الوصول إليها.


في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أصبح نظام ذكاء اصطناعي جديد من OpenEvidence أول نظام ذكاء اصطناعي يحصل على درجة 100% في امتحان الترخيص الطبي في الولايات المتحدة. وبالفعل إن نماذج اللغة الكبيرة اليوم قادرة على تحليل كميات هائلة من الأدبيات الطبية، وإعداد ملخصات مُرتَّبة، بل تتفوق على الأطباء البشر في مهمات التشخيص في بعض الدراسات. 

 

وأشارت الأبحاث إلى أن الذكاء الاصطناعي أيضاً قادر على قراءة الصور الشعاعية بدقة تُضاهي دقة المتخصصين البشر، واكتشاف سرطانات الجلد من صور الهواتف الذكية، وتحديد العلامات المبكرة لتسمم الدم لدى المرضى المُقيمين في المستشفيات بشكل أسرع من الفرق الطبية.

فعلياً، فإن الذكاء الاصطناعي، في جوهره، أداة حسابية تعتمد على تجميع البيانات وتحليلها، وتسرع بالفعل على الطبيب إتمام الكثير من المهمات التي تحتاج إلى وقت وجهد. لكن الطب ليس علم أرقام فحسب، بل هو علمُ إنسان. هنا تحديداً يحذّر الأطباء من خطر الانزلاق نحو "الطب الخوارزمي"، بحيث يتحوّل الجسد إلى معادلة، والمعاناة إلى ملف رقمي فقط.

 

تعبيرية.
تعبيرية.

 

هل تستبدل العلاقة الإنسانية؟

 

في حديثٍ خاص الى "النهار"، يوضح الدكتور محمد الكيالي، رئيس الاتحاد الدولي للتكنولوجيا والاتصالات IFGICT، والخبير في الذكاء الاصطناعي،  هذه المفارقة بقوله: "منذ نشأة الطب، قامت علاقةٌ وثيقةٌ بين المريض وطبيبه، حتى لُقِّب الطبيب بالحكيم، واعتمد بعض العائلات على طبيبٍ خاصٍّ يُرافقها جيلاً بعد جيل".


أما في ظلّ دخول الذكاء الاصطناعي إلى ميادين متعددة، ومنها القطاع الصحي، فيرى أن "هذا النظام بات يعتمد اعتماداً كاملاً على جمع البيانات وتحليلها واستخلاص النتائج منها، بما يساهم في مساعدة الطبيب على التشخيص واتخاذ القرار. غير أنّ جوهر العملية الطبية يبقى قائماً على العلاقة بين الطبيب والمريض، لا بين المريض والذكاء الاصطناعي".


ويحذر من أن "العديد من الشركات يعتمد على استخراج بيانات المرضى وتحليلها، وقد بلغ الأمر حدّ إستغلال هذه البيانات وبيعها لشركاتٍ أخرى".

وأكد أن ذلك "يُعدّ تعدّياً صريحاً على خصوصية المرضى وحالاتهم، بل يشكّل نوعاً من التهديد للأمن القومي، إذ لم يعد الأمن القومي مرتبطاً بمكافحة الإرهاب أو حماية الحدود فحسب، بل يشمل أيضاً حماية المعلومات والبيانات الصحية الخاصة بكل دولة".

 

ما يقوله الدكتور كيالي يلمس جوهر السؤال الأخلاقي في ثورة الطب الرقمي: فمع مرور الوقت، يخشى البعض أن يصبح المريض متحدثاً باسم بياناته لا عن ذاته، بينما يُهمَّش كل ما لا يُقاس أو يُرمَّز.

 

ويبقى السؤال مفتوحاً، هل سيبقى الطبّ "فنّ الإصغاء"، أم سيغدو "فنّ الأتمتة"؟ وهل سنتمكن من تسخير هذه التكنولوجيا من دون تهميش العلاقة الإنسانية مع صون خصوصية المرضى وأمن بياناتهم؟

الأكثر قراءة

تركيا 11/16/2025 6:11:00 AM
كان أفراد العائلة أصيبوا بتوعّك الأربعاء بعد تناولهم أطعمة من باعة متجوّلين
سياسة 11/16/2025 9:53:00 AM
قماطي: "الولايات المتحدة تُعزّز هذه المستودعات وتضغط بكل ما تستطيع لنزع سلاح المقاومة"
سياسة 11/16/2025 2:18:00 PM
حنكش: لضبط كل السلاح خارج الشرعية وخصوصاً مع رواسب الميليشيات المسلحة في المتن وكل لبنان
سياسة 11/16/2025 5:01:00 PM
تجاوز عدد المقترعين عند الإقفال 4700 ناخب