في الأشهر الأخيرة بدأ الذكاء الاصطناعي يشقّ طريقه بالتدريج إلى المدارس في لبنان، ولا سيّما الخاصة منها التي تسعى إلى تحديث أساليبها التعليمية ومواكبة التطور الرقمي العالمي إذ لطالما قدمت نفسها على أنها أكثر المدارس علماً وتطوراً في لبنان متفوّقة بأشواط عن المدارس الرسمية. فقد بدأت بعض المدارس، وخصوصاً الكاثوليكية والإنجيلية منها، هذا العام الدراسي 2025-2026 بإدخال تقنيات الذكاء الاصطناعي.

لكن من الضروري التنبّه إلى أن هذا الانفتاح يحمل في طيّاته تحديات حقيقية، إذ تبرز مخاطر محتملة مرتبطة بالتوجّهات الأيديولوجية أو الدينية الخفيّة التي قد تحملها بعض هذه الأنظمة، سواء في البيانات التي بُنيت عليها أو في آليات تحديثها المستمرة.

لذلك لا بد من مقاربة علمية-تقنية وحذرة لمدى الاستفادة من القدرات التعليمية الهائلة للذكاء الاصطناعي للتوصل إلى حماية القيم التربوية والثقافية للمؤسسات التعليمية اللبنانية.

التعليم والذكاء الاصطناعي.

هذا الحذر مردّه إلى سوابق عدة حصلت حول العالم في البلدان التي سبق أن أدخلت هذه التقنيات إلى مدارسها. في كندا مثلاً، تنبّأ أحد أنظمة الذكاء الاصطناعي من سيرسب من التلامذة، ما أثّر عليهم، وفي مدارس الولايات المتحدة الأميركية أخطأ الذكاء الآلي في تقييم نصوص الأطفال وفقاً لخلفياتهم وأصولهم العرقية.

الأمين العام للمدارس الكاثوليكية في لبنان الأب يوسف نصر أكد في حديث لـ"النهار" أن المدارس الكاثوليكية متنبهة جداً لمخاطر وتبعات إدخال الذكاء الاصطناعي على التعليم والتربية، مضيفاً "هذه الوسيلة مهمة جداً ولا بد منها لكن يجب مراقبتها جيداً والتوعية على كيفية استخدامها". 

View this post on Instagram

A post shared by Annahar Al Arabi (@annaharar)

وبحسب نصر "الآن لدينا 20 مدرسة تجهّز بـSteam- lab، وهي وسيلة تكنولوجية حديثة للتعلم تتضمن أنظمة ذكاء اصطناعي وذلك بالتوازي مع مراقبة من لجنة أخلاقية مشكلة لضمان المحافظة على قيمنا وأخلاقياتنا ولجنة تكنولوجيا متخصصة". 

وفي السياق التقني يشير الخبير في إدارة الاتصالات جبران خوري في حديثه لـ"النهار"، "أولاً إن لم تتدخل الدولة، ممثلة بالوزارات المختصة، أي وزارة التربية والتعليم العالي ووزارة الذكاء الاصطناعي، لوضع استراتيجية لحماية الطلاب من أي ضرر قد يلحقهم في إدخال الذكاء الاصطناعي إلى المدارس، يجب أن تتدخل تجمعات المدارس كالمدارس الكاثوليكية والمدارس العلمانية والمدارس الإسلامية لوضع إطار تنظيمي لهذا الإدخال، يحمي الطلاب من أي أفكار أيديولوجية قد تكون مشبوهة".

وعن طبيعة هذا الإطار التنظيمي يشرح خوري "ثمة العديد من الخطوات يمكن للمدارس اتباعها للتأكد من أن منصة الذكاء الاصطناعي التي ستعتمدها لا تحمل توجهاً دينياً أو أيديولوجياً مخفياً ولا تتطور مع الوقت لتصبح كذلك، وهي تتمثل في طلب المدارس قبل توقيع العقد تفاصيل عن مصادر البيانات الأساسية المعتمدة ومصادر المحتوى والتصنيفات والبيانات التي تغذي النظام وعن سياسة التحديث وآليات التعلم المستمر".

أما الخبيرة في الذكاء الإصطناعي سالي حمود فدعت المدارس إلى الابتعاد عن اعتماد أنظمة الذكاء الاصطناعي ذات البيانات المفتوحة والضخمة (open source) واستبدالها بأنظمة تطورها هي بمساعدة خبراء ما يضمن أن يتماهى النظام مع المجتمع المستخدم فيه".

المشكلة قد تكمن أيضاً في مدى قدرة المدرسة بكادرها التعليمي والإداري على مراقبة أيّ نظام ذكاء اصطناعي تريد التعامل معه، أو حتى فحصه قبل اعتماده، إذ إنه لن يكون سهلاً على المدرسة استقدام خبراء في هذا المجال، لذلك يبقى الحلّ المنطقي والعملي تشكيل لجنة متخصّصين بين وزارتي التربية والذكاء الاصطناعي لفحص هذه الأنظمة للمدارس وإعطائها الاستشارة في هذا الخصوص.