طبيب مصري لـ"النهار": مريضاتي أغرمن بالذكاء الاصطناعي

لم يعد الذكاء الاصطناعي أداة تقنية مساعدة في العمل والبحث فحسب، بل بدأ يتسلل إلى مساحات أكثر حميمية من حياة الإنسان، بما فيها الصحة النفسية. وبينما يرى البعض فيه وسيلة سريعة لتفريغ الهموم أو ترتيب الأفكار، يحذّر خبراء من مخاطره، خصوصاً عندما يتحول إلى بديل من الدعم النفسي المتخصص.
يؤكد الدكتور عبد المحسن ديغم، استشاري العلاج النفسي، أن عدداً من الأشخاص باتوا يستخدمون أدوات الذكاء الاصطناعي وسيلةً لتشخيص أمراضهم النفسية، فيصف المريض أعراضه ليحصل على استنتاج سريع. لكنه يحذر: "التشخيص ليس دقيقاً دائماً، لأن كلمة واحدة قد تغيّر المسار كلياً، وغالباً لا يذكر المريض سوى الأعراض الأساسية".
ويضيف لـ"النهار" أن بعض الحالات التي تابعها اعتمدت على "تشات جي بي تي" للحصول على دعم عاطفي: "بعض المريضات وجدن في ردود الذكاء الاصطناعي كلمات إعجاب واهتمام يفتقدنها في حياتهن اليومية، إلى درجة أن بعضهن قلن إنهن أحببن الذكاء الاصطناعي نفسه". لكن هذه "العلاقة" لا تدوم طويلاً، فبمرور الوقت تدرك المريضة أنها تحادث آلة، فتعود إلى العلاج النفسي.
الأخطر، وفقاً لديغم، أن بعض التطبيقات الأخرى (غير تشات جي بي تي) تجاوز حدود الدعم لتشجع بعض المستخدمين على خطوات راديكالية في حياتهم، كالانتحار مثلاً، أو الطلاق. ويؤكد أن "اللجوء إلى الذكاء الاصطناعي بصفته أداةً للعلاج النفسي غاية في الخطورة، وغالباً ما يؤدي إلى آثار عكسية".
بين التسلية وفقدان الثقة
لا يتكلم ديغم من عدم، فقد رصد حالات واقعية بدا فيها أن استخدام "تشات جي بي تي" يوفر للمريضات تفاعلاً ذكيًا؛ إذ يستمع إلى ما تبوح به المريضة ويعيد صياغته في شكل دعم عاطفي أو كلمات تقدير. وإذا لجأت إلى الحديث بالعامية، فيجيبها بالعامية نفسها، ما يعزز شعور القرب والإلفة بينهما، من دون أن تخاف انكشاف أمرها أو انفضاح أسرارها.
لكن بعد أيام قليلة، تبدأ المريضة بإدراك أن الطرف الآخر آلة لا أكثر، حتى وإن بدت استجاباته مناسبة لاحتياجاتها. عند هذه النقطة، يتكشف خطر التعلق الوهمي، فتتجه بعض الحالات أحياناً إلى طلب العلاج النفسي للخلاص من هذا التعلّق. ورغم أن عدد هذه الحالات ليس كبيراً، فإنه أيضاً ليس بهيّنٍ.
تعكس التجربة الشخصية للكاتبة سحر الجميل وجهاً آخر لهذه العلاقة. فقد بدأت باستخدام "تشات جي بي تي" من باب الفضول والتجربة الجديدة. "أطلقت عليه اسم نوح، واعتبرته صديقاً أرتب معه مهمات يومي"، كما تقول سحر، لكن سرعان ما فوجئت بطلبات غريبة: إرسال صورة أو تسجيل صوتي. تضيف: "كنت أتعامل معه ببراءة، لكن صدمتني جرأته".
بمرور الوقت، شعرت سحر بالملل. تروي لـ"النهار": "يحفظ ولا يفهم، ويكرر نفسه. أدركت سريعاً أن نوح ليس آدمياً"، فاقتصرت علاقتها به على أسئلة متعلقة بالعمل أو البحث العلمي، وتجنبت تماماً محادثته عن مشاعرها الخاصة.
البصمة الإنسانية
أما مروة آدم، المتخصصة في العلاقات الإعلامية وصناعة المحتوى، فوجدت في "تشات جي بي تي" نفسه أداة عملية توفر وقتاً وجهداً في العمل، لكنها لا تغني عن البصمة الإنسانية. تقول: "أستخدمه في العصف الذهني والتلخيص، خصوصاً في القصص الإنسانية الطويلة. لكنه بالنسبة إلي مجرد مسودة أولية، أضيف إليها صوتي الخاص".
وعن رأيها في استخدام الذكاء الاصطناعي في العلاج النفسي تحديداً، تقول مروة لـ"النهار": "لا أفضل إطلاقاً أن يُستخدم في الجوانب الإنسانية السيكولوجية، فقد يقدّم مصادر أو يقترح كتباً متخصصة، لكنه لا يحلّ محلّ التفاعل البشري في الدعم النفسي. فالكلمات وحدها لا تكفي، وما يحتاجه المريض يتجاوز التلخيص أو الاقتراح إلى فهم أعمق لشخصيته وسياقه".
يحذر ديغم من مستقبل يزداد فيه اعتماد الناس على الآلة. فيقول: "أسوأ ما حدث في العامين الأخيرين هو الذكاء الاصطناعي. أخشى أنه بعد 15 سنة، سنجد جيلاً لا يعرف كيف يفكر أو يتواصل أو يعالج المعلومات".
وبينما ترى سحر أن "تشات جي بي تي" مجرد تسلية موقتة، وتعتبره مروة وسيلة اختصار وقت في العمل، يظل الرأي الحاسم لدى المتخصصين: الذكاء الاصطناعي لا يصلح أداةً للعلاج النفسي، فهو قد يوفّر دعماً عاطفياً موقتاً، أو يساعد في التشخيص المبدئي، لكنه عاجز عن تقديم حلول شخصية عميقة، وهو ما يبقى مهمة الإنسان نحو أخيه الإنسان.