في خضم التوترات التجارية المستمرة بين الولايات المتحدة والصين، توصّل الجانبان إلى اتفاق بشأن "تيك توك"، ما يشير إلى خطوة محتملة نحو إنهاء الجدل الدائر حول مستقبل التطبيق في الولايات المتحدة، ويعكس تحولات استراتيجية تهدف لتمهيد الطريق أمام زيارة محتملة للرئيس الأميركي دونالد ترامب لبكين.

وقال ترامب، اليوم الثلاثاء، إن الولايات المتحدة والصين لديهما اتفاق من شأنه أن يبقي التطبيق يعمل في الولايات المتحدة، وينقل أصوله الأميركية إلى مالكيه الأميركيين من شركة "بايت دانس" الصينية.

وصرّح وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت في مؤتمر صحافي عقب اختتام الجولة الأخيرة من المحادثات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم في مدريد، أن ترامب وشي سيتحدثان يوم الجمعة لإتمام الصفقة. وأضاف أن الهدف من الصفقة هو انتقال التطبيق إلى الملكية الأميركية.

لقاء ترامب – شي
قبل أيام من حظره، يشكل توصُّل الطرفين إلى اتفاق خطوة حاسمة نحو إنهاء الجدل الدائر منذ سنوات حول إمكانية تشغيل التطبيق في أميركا.
وسبق أن أبدت بكين رغبة ضئيلة في إبرام صفقة بشأن التطبيق الشهير، لكنها وافقت على الاتفاق للحفاظ على طموحها بزيارة ترامب للصين، بحسب ما أفادت صحيفة "وول ستريت جورنال".
وقال مسؤولون أميركيون لوكالة "بلومبرغ"، إنه "بدون اتفاق تيك توك لن يكون من الممكن عقد اجتماع بين ترامب وشي". وأضاف مسؤول طلب عدم الكشف عن هويته أن زيارة ترامب الرسمية للصين كانت ستُستبعد أيضاً.

ويُعد مكان انعقاد القمة نقطة خلاف، فبينما تدرس واشنطن اجتماع قادة منطقة آسيا والمحيط الهادئ في كوريا الجنوبية في تشرين الأول/أكتوبر، تسعى بكين إلى عقد قمة ثنائية في الصين.

ومع ذلك، فإن صفقة "تيك توك" وحدها قد لا تكون كافية لتأمين القمة، ولا تزال هناك عقبات كبيرة تتعلق بالتجارة والفنتانيل تحول دون التوصّل إلى اتفاق تجاري. 

ترامب يحب "تيك توك"
أقرّ الكونغرس بأغلبية واسعة من الحزبين الجمهوري والديموقراطي قانوناً وقّعه الرئيس السابق جو بايدن العام الماضي، يُلزم شركة "بايت دانس" ببيع تطبيق "تيك توك" بحلول 19 كانون الثاني/يناير 2025، وإلاّ فستُحظر، بحجة أن الحكومة الصينية قد تستخدم التطبيق للوصول إلى البيانات الشخصية للأميركيين أو التأثير على ما يشاهدونه على الإنترنت.

ووقّع ترامب ثلاثة أوامر تنفيذية متتالية تُوجّه إدارته بعدم تطبيق القانون، وينتهي الموعد النهائي الحالي هذا الشهر.

وفي الحقيقة، حاول ترامب حظر "تيك توك" خلال ولايته الأولى وفشل، لكنه في السنوات الأخيرة أصبح أكبر مدافع عنه، قائلاً إنه يعتقد أنه "نجم بارز" على المنصة.

ورأى ترامب أن التطبيق أسهم في فوزه في انتخابات عام 2024 ومكنه من الوصول إلى عدد أكبر من جمهوره والناخبين الشباب، بحسب صحيفة "واشنطن بوست". 

لقد استخدم الرئيس التطبيق المشهور بين الشباب خلال انتخابات العام الماضي، مقتنعاً بذلك جزئياً من قبل ابنه بارون.

وأفادت وكالة "أ ب" بدورها بأن ترامب حصد أكثر من 15 مليون متابع على "تيك توك" منذ انضمامه العام الماضي، وقد أشاد بالمنصّة الرائدة في مجالها لمساعدته على اكتساب شعبية بين الناخبين الشباب. 

تيك توك (أ ب)

من يشتري "تيك توك"؟
لم تُسمِّ إدارة ترامب المشتري المدعوم من الولايات المتحدة، ولكن من المتوقع على نطاق واسع أن يقود المجموعة لاري إليسون، الرئيس التنفيذي لشركة "أوراكل"، بحسب شبكة "سي إن إن".

وبالفعل، تقدمت عدة مجموعات استثمارية في الأشهر الأخيرة قائلة إنها ستكون مهتمة بشراء "تيك توك". ومن بين أبرز الشخصيات مالك فريق لوس أنجلس دودجرز السابق فرانك ماكورت والمستثمر كيفن أوليري، نجم برنامج "شارك تانك".

لكن من المرجح أن يكلف "تيك توك" أكثر مما يستطيع هؤلاء المستثمرون توفيره. لهذا السبب يعتقد محللون أن المرشح الأكثر ترجيحاً لشراء أصول "تيك توك" الأميركية هو إليسون.

ولشركة "أوراكل" علاقة مع "تيك توك" حيث تستضيف حالياً بيانات "تيك توك" الأميركية على خوادمها في تكساس، وتُراجع شفرتها بحثاً عن أي ثغرات أمنية محتملة. 

وقد أبدى المسؤولون الأميركيون قلقهم بشأن جذور شركة "بايت دانس" وملكيتها، مشيرين إلى القوانين الصينية التي تُلزم الشركات الصينية بتسليم البيانات التي تطلبها الحكومة.

وتتطلب عملية البيع موافقة شركة "بايت دانس" والسلطات الصينية. ولم تكشف أي من السلطات الأميركية أو الصينية الاثنين عن تفاصيل خطة البيع.

بالإضافة إلى مساهمي "تيك توك"، تُطرح مسألة ملكية الخوارزميات التي أسهمت في نجاح هذه الشبكة الاجتماعية. وصرّح وانغ جينغتاو، نائب مدير اللجنة المركزية لشؤون الفضاء الإلكتروني في الصين، للصحافيين في مدريد بوجود توافق على السماح "باستخدام حقوق الملكية الفكرية مثل خوارزمية تيك توك" - وهي نقطة خلاف رئيسية في الصفقة. وأضاف أن الجانبين اتفقا أيضاً على تكليف شريك بالتعامل مع بيانات المستخدمين الأميركيين وأمن المحتوى. 

كيف ينظر الأميركيون إلى "تيك توك"؟
في الوقت الحالي، لا يزال تطبيق "تيك توك" يعمل لخدمة 170 مليون مستخدم في الولايات المتحدة. وقد أنشأ البيت الأبيض حساباً رسمياً على المنصة الشهر الماضي.

ويشهد الأميركيون انقساماً حاداً بشأن ما يجب فعله بشأن "تيك توك" مقارنةً بما كانوا عليه قبل عامين.

أظهر استطلاع حديث أجراه مركز بيو للأبحاث أن حوالي ثلث الأميركيين أيدوا حظر "تيك توك"، بانخفاض عن 50% في آذار/مارس 2023.

وعلى رغم مواجهته منافسة متزايدة من خدمات الفيديو القصير مثل "إنستغرام ريلز" و"يوتيوب شورتس"، لا يزال "تيك توك" قوة ثقافية هائلة وإحدى أكبر قصص النجاح على وسائل التواصل الاجتماعي في العقد الماضي. وقدّر المحللون أن "تيك توك" في الولايات المتحدة حقق إيرادات تقارب 10 مليارات دولار العام الماضي، معظمها من الإعلانات ومساهمات المشاهدين ومبيعات التجارة الإلكترونية.

ويمثل الاتفاق الإطاري بشأن "تيك توك" خطوة مهمة في العلاقات الأميركية-الصينية، لكنه لا يحلّ جميع التحديات العالقة بين البلدين. يبقى مستقبل التطبيق مرتبطاً بتطورات سياسية واقتصادية أوسع، بينما تترقب الأسواق والمستخدمون مصير منصة أصبحت جزءاً أساسياً من المشهد الرقمي العالمي.