كانتي "الأسطورة الهادئة" التي لا تعرف السقوط
قلّة من النجوم حافظوا على بريقهم بعد مغادرتهم الملاعب الأوروبية، مثل الفرنسي نغولو كانتي، الذي يُعدّ واحداً من هؤلاء القلائل، الذين تمكّنوا من الحفاظ على مستواهم، وأثبتوا أن العطاء هو سر الاستمرارية، وأن الشغف الحقيقي لا يتراجع مهما تغيّرت الأجواء، وأن العُمر في كرة القدم مجرد رقم.
قد يختلف البعض على الأفضل في جيله، لكن أحداً لا يختلف على أن نغولو كانتي هو أحد أكثر اللاعبين ثباتاً وصدقاً في أدائهم في داخل المستطيل الأخضر. منذ بداياته المتواضعة في بولوني، مروراً بتجربته التاريخية في الدوري الإنكليزي الممتاز مع ليستر سيتي وتشيلسي، وحتى مغامرته العربية مع اتحاد جدة السعودي، لم يتغير شيء في قاموس كانتي الكروي: نفس الحماس والإصرار، ونفس الهدوء والتواضع الذي لا يفارقه.
منذ انتقاله إلى الاتحاد السعودي صيف 2023، لم يعرف كانتي معنى التراجع أو التهاون، فبينما رأى البعض أن تلك الخطوة ستكون بمثابة الختام الهادئ لمسيرة نجم عالمي اعتاد اللعب في أعلى المستويات الأوروبية. ردّ هو على الجميع في الملعب بأداء ثابت ومجهود لا ينقطع، كأنه لا يزال ذلك اللاعب في ذروة عطائه مع تشيلسي، ذا الرئات الثلاث الذي لا يكلّ ولا يملّ في داخل الملعب؛ فبدلًا من أن يختفي بريقه، وجد كانتي في جدة بداية جديدة.

ورغم أن لغة الأرقام قد لا تنصفه، فإن اللاعب الفرنسي البالغ من العمر 34 عاماً لا يزال يؤدي دوره كأنه في منتصف العشرينات، لا بل بات ركيزة لا يمكن الاستغناء عنها ضمن منظومة الاتحاد، بفضل لياقته المذهلة وحضوره البدني والفني المستمر، وهو ما جعل إدارة النادي تُفكّر جدياً في تجديد عقده لموسمين إضافيين.
قد لا يمنحه الإعلام القدر الكافي من الأضواء مقارنة بنجوم آخرين، لكن الواقع يؤكد أن كانتي يتفوّق على كثير منهم باستمراريته. ومع كل مباراة يخوضها، يثبت أنه ما زال قادراً على منافسة نجوم الوسط الأصغر سناً، مستنداً إلى خبرة هائلة وقدرة استثنائية على قراءة اللعب وافتكاك الكرات.
ذلك الثبات اللافت لم يمر دون تقدير من جانب المدير الفني لمنتخب فرنسا، ديدييه ديشان، الذي استدعاه إلى قائمة "الديوك" للمعسكر المقبل، لتكون المرة الأولى له منذ عام 2024، وليعود إلى تمثيل المنتخب من جديد. وبهذا الأداء المتصاعد، والاستمرارية، يبدو من المنطقي أن يبقى اسم كانتي مطروحاً بقوة ضمن حسابات فرنسا في كأس العالم 2026، ليكمل مسيرة بدأت قبل عقد من الزمن وما زالت تُكتب بنفس اللمعان. كانتي هو مثال نادر للاعب لا تهزّه السنوات، ولا تُغريه الشهرة، ولا يُسقطه الانتقال من أوروبا.
نبض