كرة اليد المصرية... متى تُكسر "لعنة" النهائيات؟
مرّة تلو الأخرى، يقترب الحلم في كرة اليد المصرية، وتُجهز الأيادي لرفع الكأس المنتظرة، إلا أنّ اللحظات الحاسمة تأتي فجأة لتبدد كل شيء.
منتخبات اليد بمختلف فئاتها تقدّم أداءً رائعاً يعكس جدارة الأبطال الحقيقيين، لكن الحلم ينتهي بشكل مفاجئ، ويعود اللاعبون محطمين بعد خيبة أمل متجددة.
مشاهد الإخفاق تتوالى، من منتخبات الكبار إلى الناشئين؛ وفي كل مرّة تقترب فيها الفرق من تحقيق الانتصار، تتبدد الآمال كأنّ "لعنة" ما تطاردهم، لتوقف مسيرتهم عند أبواب النجاح، في لحظات تنقلب فيها النتائج رأساً على عقب عندما تصبح المسافة بين النصر والانكسار ثواني معدودة.

خلال السنوات الأخيرة، ومع تراجع أداء منتخبات كرة القدم المصرية، سطعت منتخبات اليد بإبداعاتها التي نالت احترام العالم.
وضعت النتائج الكبرى كرة اليد المصرية في واجهة المشهد الرياضي، وخصوصاً أداء المنتخب في كأس العالم 2021، حين قدم أبطال "الفراعنة" مباراة ملحمية أمام المنتخب الدانماركي، المصنف أحد أفضل الفرق العالمية، وكانت المباراة درامية انتهت بالتعادل، غير أنّ النهاية جاءت موجعة بركلات الترجيح.
وفي أولمبياد طوكيو 2021، كان المنتخب المصري على أعتاب تحقيق إنجاز تاريخي بالوصول إلى النهائي، لكنّ فرنسا أفسدت الحلم بانتصارها بنتيجة 27-23. تكرّرت القصة مجدداً في مونديال 2023 حين واجه المنتخب المصري نظيره الألماني، فمع التفوّق البدني والتكتيكي في بعض فترات اللقاء، إلا أنّ النتيجة النهائية جاءت كسابقاتها.
حتى منتخبات الشباب لم تسلم من "شبح" الهزائم القاسية؛ ففي بطولة العالم تحت 17 سنة لعام 2025، قدّم منتخب الشباب أداءً استثنائياً وأطاح منتخبات عريقة كإسبانيا وكرواتيا، لكنه خسر المباراة النهائية بشق الأنفس بنتيجة 44-43 بعد وقت إضافي مثير.

ما يزيد مرارة هذه الهزائم هو الإمكانات الكبيرة التي يمتلكها الجيل الحالي من اللاعبين، بوجود محترفين في أقوى الأندية الأوروبية، مثل نيس ومونبيلييه الفرنسيين، ودينامو بوخارست الروماني، وأورلين فيسوا البولندي، إضافة إلى أسماء لامعة مثل يحيى الدرع، أحمد هشام "دودو"، سيف الدرع، ومحسن رمضان، الذين يمثلون انعكاساً للتطوّر الكبير الذي حققته كرة اليد المصرية بالاعتماد على الاحتراف باعتباره أساس النجاح.
ومع ذلك، تبقى المفارقة الكبرى حاضرة، فهذا الجيل الذي يمتلك خبرات واسعة واحترافية عالية يقع ضحية للمواقف الحاسمة التي تتطلب هدوءاً ذهنياً وإدارة نفسية قوية في لحظات المباراة الحاسمة.
المقارنة بين هذا الجيل وجيل الألفية الأولى الذي ضم لاعبين بارزين مثل حسين زكي وحمادة النقيب، تُبرز الفارق بوضوح؛ فبإمكانات محدودة حينها، نجح ذلك الجيل في تحقيق المركز الرابع في مونديال 2001، وصنع إنجازاً تاريخياً لكرة اليد المصرية ما زال يُذكر حتى اليوم.
يُثبت التاريخ أنّ هذا الموقف ليس أمراً استثنائياً؛ فمنتخبات مثل النروج وفرنسا عانت شيئاً شبيهاً قبل أن تعيش فترات ازدهار غير مسبوقة، فالنروج قضت سنوات طوالاً وصيفاً بلا ألقاب قبل أن تنجح أخيراً في كسر "العقدة". بدورها، عاشت فرنسا إخفاقات متعددة قبل ظهور جيل ذهبي بقيادة نيكولا كاراباتيتش الذي قادها نحو فترة من الهيمنة المطلقة على اللعبة.
ربما تعيش مصر الآن مرحلة مشابهة لتلك التي مرّت بها فرنسا قبل انطلاقتها الكبرى، فالمنتخب يمتلك المواهب ومنظومة قوية، لكنه بحاجة إلى تلك "القفزة الذهنية" التي تحوّل الأداء الرائع إلى نجاح ملموس.
نبض