في زمنٍ ساد فيه الرجال القيادة الأوركسترالية، تفرض المايسترا التونسية الدكتورة أمل قرمازي حضورها إحدى أبرز الوجوه العربية في المشهد الموسيقي العالمي.

من قاعات السوربون إلى أعرق المسارح في أوروبا والعالم العربي، تشقّ قرمازي طريقاً متفرّداً يجمع بين الأكاديمية الصارمة والحسّ الفني الرفيع المستوى، على رأس أوركسترا "مزيكا" التي أسّسها الدكتور شادي حاكمة، إذ تبني مشروعاً موسيقياً يزاوج بين التراث العربي والروح السمفونية الحديثة، بطريقة تحاكي الجمهور العالمي من دون أن تفقد هويتها.

تصف قرمازي في حديث إلى "النهار"، "مزيكا" بأنها مساحة تتوازن فيها الحداثة مع الجذور، إذ يطمح فريق عملها إلى تقديم التراث العربي بلغة منفتحة على العالم، تُظهر أنه إرث حيّ قادر على التطوّر والانتشار، وفق ما حققت أخيراً في سلسلة من 14 حفلة مكتملة العدد خلال أقل من شهرين في فرنسا، إنكلترا، سويسرا، بلجيكا، الكويت، مونتريال، ونيويورك. وتشير في هذا السياق إلى وقوفها على خشبة "مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي" كـ"لحظة فارقة"، ليس فقط لرمزيتها كامرأة عربية تقود أوركسترا دولية، "بل لأن هذا المشهد في ذاته حمل رسالة بأن الإبداع لا يرتبط بجنس أو خلفية، بل بالكفاءة والقدرة على الابتكار"، على حد تعبيرها، مضيفةً أن تقديم "أنغام من المغرب العربي – من المحيط إلى الخليج" شكّل رمزاً ثقافياً جامعاً، يظهر فكرة وحدة التراث العربي على مسرح دولي بأداء عازفين ينتمون إلى أكثر من عشر جنسيات. بالنسبة إليها، كان ذلك "تجسيداً حياً لتفاعل الموسيقى العربية مع العالم من دون أن تتخلّى عن خصوصيتها".

أمل قرمازي على المسرح (النهار)

وتستذكر محطة مهمة أخرى، حين تلقت دعوة رسمية من الجمهورية الفرنسية لقيادة حفل ضخم أمام أكثر من عشرة آلاف شخص، قدّمت في خلاله مقطوعات من ريبرتوار السيدة فيروز. تلك التجربة شكّلت بالنسبة إليها "اعترافاً عالمياً بقدرة المرأة العربية على القيادة الموسيقية، ورسّخت إيمانها بأن الفن قادر على إعادة صوغ الصور النمطية".

وتربط نجاحها بجانب أكاديمي متين، إذ تحمل دكتوراه في الموسيقى وعِلم الموسيقى من السوربون، ما يمنحها أدوات تحليلية دقيقة تنعكس على أسلوبها في قيادة الأوركسترا وتصميم برامج موسيقية تجمع بين القيمة الفنية ومتعة الجمهور. وتوضح أن ما يميز "مزيكا" هو "الجودة الفنية الصارمة وابتعادها عن الطابع التجاري، مع الحفاظ على الأصالة العربية داخل قالب عالمي متقن".

ولا تغفل الفنانة التونسية دور شراكتها مع الدكتور شادي حاكمة في نجاحها، والتي ترتكز على رؤية مشتركة تعترف بأن الموسيقى العربية تستحق موقعاً عالمياً يليق بها: "أقدّم القيادة الفنية، بينما هو يدير الجانب الاستراتيجي والتنظيمي، ما خلق توازناً أثمر نجاحات كثيرة".

أمل قرمازي تعزف (النهار)

وتنظر قرمازي بإيجابية إلى التحديات التقنية والثقافية التي تواجهها خلال البروفات مع نحو 30 عازفاً من خلفيات مختلفة، إذ تعتبره "تنوعاً يتحوّل إلى قوة على المسرح، حين تُشرح الهوية الموسيقية لكل قطعة ويُشاد التوازن بين أقسام الأوركسترا".

وفي الختام، توجّه رسالة إلى الجيل الجديد من الفتيات العربيات مفادها أن القيادة هي ثمرة الكفاءة والاجتهاد والانضباط، وأن الإيمان بالموهبة والعمل المتواصل قادران على إيصال أي فتاة إلى منصّة القيادة عالمياً. أما عن مشاريعها المقبلة، فتعلن عن تعاون فني جديد مع الفنان اللبناني سليم عساف، على أن يبقى حلمها الأكبر رؤية الموسيقى العربية تُقدَّم على أعرق المسارح العالمية بروحها الأصيلة وبصوت معاصر.