أثار عرض مسلسل "معاوية" الجدلية التاريخية حول الخليفة الأموي الأول مجدداً. وتعرّض العمل لانتقادات حادة حتى قبل عرضه، أبرزها أنه "يأتي في سياق سياسي لتجميل وجه معاوية وتبييض صفحات تاريخه الدموي"، كما يقول المنتقدون. "النهار" ناقشت الانتقادات مع مؤلف "معاوية" الصحافي والكاتب المصري خالد صلاح.

خالد صلاح الصحافي، ما الذي دفعك للانتقال إلى الكتابة الدرامية؟
الصحافة والدراما كلاهما يعتمدان على السرد، لكن الفرق في الوسيط الذي يُستخدم لنقل القصة. الصحافي يُحلل، يُنقب عن الحقائق ويُوثّق الأحداث، بينما الكاتب الدرامي يعيد تشكيلها داخل حبكة إنسانية مؤثرة. في السنوات الأخيرة، شعرت أن بعض القصص التي تستحق أن تُروى لا يمكن اختزالها في مقال أو تقرير، بل تحتاج إلى سرد بصري يُحرك المشاعر، وهذا ما دفعني إلى خوض تجربة الكتابة الدرامية. الانتقال إلى الدراما لم يكن خروجاً عن الصحافة، بل امتداد لها، ولكن بأدوات مختلفة.

لماذا اخترت شخصية معاوية بن أبي سفيان؟
معاوية ليس مجرد شخصية تاريخية، بل هو شخصية محورية في التحولات الكبرى للتاريخ الإسلامي. لا يمكن فهم الدولة الإسلامية بعد الخلفاء الراشدين من دون فهم معاوية، فهو الرجل الذي أسس نظام الحكم الذي استمر لقرون لاحقة. كما أنه شخصية درامية بامتياز، مرت بتطورات وصراعات حادة على المستوى السياسي والشخصي. قررت أن أتناول حكايته لأنني أؤمن بأن فهمه هو مفتاح لفهم جزء كبير من تاريخنا.

ألا ترى أن تناول شخصية متّهمة بإثارة الانقسامات خطوة جريئة تضعك في مرمى الانتقادات؟
أؤمن بأن الدراما ليست معنية بإرضاء الجميع بقدر ما هي معنية بطرح الأسئلة التي تجعلنا نفكر في تاريخنا بشكل أعمق. حب المصريين لآل البيت أمر لا نقاش فيه، بل هو جزء من هويتهم الدينية والثقافية. لكن هذا لا يعني أن نُقصي الشخصيات الأخرى التي كانت طرفاً في الصراع، لأن فهمنا لما جرى بين علي ومعاوية لا يجب أن يكون انتقائياً. فالتاريخ ليس أسود أو أبيض، بل هو مجموعة معقدة من الأحداث والمواقف التي تستحق أن تُناقش بعيداً من الأحكام الجاهزة.

ثمة من يرى أنّ العمل محاولة لتجميل صورة معاوية. هل كان هدفك تقديم قراءة جديدة لمعاوية أم إعادة صوغ صورته التاريخية؟
هذا العمل لم يُكتب لتجميل أحد أو تشويه أحد، بل ليُقدم سرداً درامياً قائماً على البحث والعمق الإنساني. من الطبيعي أن يكون لكل مشاهد قراءته الخاصة للتاريخ، لكن الهدف من المسلسل لم يكن كتابة دعاية لمعاوية أو غيره، بل تقديم شخصيات حقيقية بكل تناقضاتها، نجاحاتها وإخفاقاتها. المشكلة أن البعض يصدر أحكامه قبل مشاهدة العمل، بينما الحكم الحقيقي يجب أن يكون بعد رؤية كيف تم تقديم الشخصية.

كيف تعاملت مع تباين الروايات التاريخية عن معاوية؟ هل أضفت لمسات درامية من خيالك للتشويق؟
التعامل مع التباينات التاريخية كان أحد التحديات الكبرى. اعتمدت على المراجع التاريخية الأساسية التي تناولت معاوية من زوايا مختلفة، وكان هدفي أن أقدم رواية متوازنة لا تنحاز إلى طرف دون آخر. أما عن الإضافات الدرامية، فطبيعة أي عمل فني تتطلب بناء مشاهد وشخصيات مكملة للحبكة، لكن من دون أن تكون على حساب الأمانة التاريخية أو تغيير جوهر الأحداث. وقد اطلعت على العديد من الكتب والمراجع التاريخية من مختلف المدارس الفكرية، إذ استغرقت مرحلة البحث وقتاً طويلاً، وكانت هناك نقاشات مع متخصصين في التاريخ الإسلامي لضمان دقة التفاصيل قدر الإمكان.

حرصت على إظهار الأبعاد الإنسانية في شخصية معاوية. ما الهدف؟
لأن معاوية لم يكن مجرد رجل سياسة، بل كان إنسانًا له مخاوفه وطموحاته وأزماته. أي شخصية درامية قوية يجب أن تكون لها جوانب إنسانية تجعل الجمهور يفهم دوافعها، حتى لو لم يتفق معها. الهدف لم يكن تبرير أفعاله، بل تقديمه كإنسان عاش في زمن مضطرب واتخذ قرارات شكلت جزءاً كبيراً من التاريخ الإسلامي.

كيف تعاملت مع الحساسية المذهبية أثناء تناول هذه الفترة التاريخية؟
كان من الضروري تقديم القصة بعيداً من الروايات الطائفية، لأن الهدف ليس إعادة إنتاج الصراعات المذهبية، بل تقديم عمل فني يتيح للجمهور رؤية الأحداث في سياقها التاريخي. أي عمل يتناول هذه الفترة سيواجه انتقادات، لكن المهم هو أن يكون الطرح متوازناً وموضوعياً بقدر الإمكان.

أرجئ المسلسل لسنوات، ثم ظهر فجأة إلى النور خلال رمضان الجاري، ما سبب عرضه الآن، وهل للأوضاع السياسية في المنطقة علاقة بتوقيت عرضه؟
تأجل المسلسل لأسباب إنتاجية ولوجستية، ولم يكن هناك أي بعد سياسي وراء توقيت عرضه. "ام بي سي ستوديوز" لديها خطة إنتاجية واضحة، والمسلسل كان جزءاً من هذه الخطة. وأود توجيه الشكر إليها على شجاعتها في تبني هذا المشروع، وأشكر المخرج طارق العريان الذي رشحني لكتابته، لثقته بقدرتي على تقديم عمل يحترم التاريخ ويتعامل معه بعمق درامي وإنساني. وأتمنى أن يكون المسلسل فرصة للنقاش المفتوح حول تاريخنا، وليس مجرد عمل درامي يمر مرور الكرام.

ثمة آراء ترى أن توقيت عرض المسلسل في ظل الأوضاع السياسية الراهنة قد يثير النعرات الطائفية ويعيد نكء الجراح التاريخية، ما ردّك؟
أعتقد أن هذا التخوف مبالغ فيه. التاريخ موجود في الكتب، وليس سراً، وما نفعله في الدراما هو تقديمه في شكل بصري ودرامي. من الأفضل أن نناقش هذه القضايا في أعمال فنية بدلاً من تركها حكراً على التفسيرات الأحادية التي تغذي الانقسامات.

ما الرسالة الأساسية التي سعيت لإيصالها؟
التاريخ الإسلامي ليس مجرد صراع بين الخير والشر، بل سلسلة من الأحداث المعقدة التي صنعها بشر، لكل منهم دوافعه وخياراته. علينا أن نقرأ تاريخنا بفهم أعمق، لأن فهم الماضي هو المفتاح لفهم حاضرنا.

هل الدراما العربية مستعدة للتعامل مع قضايا التاريخ الإسلامي الحساسة بجرأة وموضوعية؟
أعتقد أن هناك تحولات في الدراما العربية تجعلها أكثر جرأة في تناول التاريخ، لكن لا يزال أمامنا طريق طويل. الأعمال التاريخية يجب أن تُعامل بجدية، وتُقدم برؤية بحثية عميقة، لأن التحدي الحقيقي ليس في تقديم القصة، بل في كيفية تقديمها بموضوعية من دون تحريف أو تزييف.