رحلة فنية مع كورال "الفيحاء"
المايسترو باركيف تسلاكيان لـ"النهار": نؤمن أنّ الفن يجب أن يعبر الحدود

يبرز كورال "الفيحاء" كأحد أبرز الفرق التي أضاءت الساحة الفنية في لبنان والعالم العربي. تحت قيادة المايسترو باركيف تسلاكيان، استطاع الكورال أن يحقق إنجازات مدهشة، ويستمر في تقديم أعماله بكل شغف وطاقة. فكما تعكس الموسيقى تنوع الإنسان، يعكس كورال "الفيحاء" روح لبنان بكل أطيافه، مشاركاً أخيراً في أمسية من أمسيات "بيروت ترنّم" في كنيسة مار مارون بالجمّيزة.

أصبح هذا المهرجان علامة فارقة في المشهد الثقافي اللبناني والعربي. يصفه المايسترو تسلاكيان بأنه "طفلنا الذي لا يجب أن يتوقف عن التطور"، مشيراً إلى أهمية هذا المهرجان في إتاحة الفرصة للكورالات المختلفة للاحتكاك بالجمهور العربي. فشهر كانون الأول (ديسمبر) في لبنان أصبح، بفضل "بيروت ترنم"، شهراً للكورالات، حيث يجد الفنانون فرصة للتألق والتفاعل مع جمهورهم.

22 عاماً من العطاء الفني
لقد قطع كورال "الفيحاء" شوطاً طويلًا خلال 22 عاماً من العطاء، متجاوزاً العديد من التحدّيات ليصبح واحداً من الأسماء اللامعة في عالم الكورالات. يقول تسلاكيان: "العطاء في الفن هو غريزة موجودة في قلب الإنسان، وهو يجلب الراحة". ولعل هذه الغريزة هي ما دفع أعضاء الكورال إلى الاستمرار في تقديم أعمالهم بكل شغف، مُرسّخين بذلك إرثاً موسيقياً يعكس حبهم العميق للفن.
الفن ليس طريقاً سهلاً، وهذا ما يعبّر عنه المايسترو تسلاكيان من خلال التأكيد على أهمية الإصرار على التطور المستمر. في حديثه لـ"النهار"، يوضح: "من الطبيعي ألا يوجد كمال في الفن، فلا أحد يصل إلى القمة، لكن الإصرار والاستمرار هما ما يجعلنا نتقدّم".
رغم الظروف الصعبة، بما في ذلك الحرب الأخيرة التي أجبرت الكورال على تعديل برامجه، ظل العطاء الفني مستمراً، مع التزام الكورال بتقديم أغانٍ وطنية تلامس هموم الناس وتحيي الروح الوطنية.

صوت لبنان الواحد
ما يميز كورال "الفيحاء" هو التعددية الثقافية والطائفية بالاضافة إلى الكثير من التحسينات والتطورات التي لا يتوانى عنها: "أولاً يجب أن يلتزم الأعضاء بالتدريبات، لأن الله خلقنا مختلفين، وكل شخص يمتلك صوتاً مميزاً. من هنا، يجب أن يتعلموا توحيد الأصوات، وهو أمر صعب، ولكن يجب عليهم أن يجربوا ويطوروا أصواتهم. هذا بحد ذاته يعتبر نوعاً من العطاء والتكيّف مع الآخرين. بالإضافة إلى ذلك، نحن لا نصرخ أثناء الغناء، كل أغنية لها نغمة خاصة، وكل نغمة لها طابع معين يستطيع الأعضاء خلقه رغم أنهم لم يتخصصوا بالموسيقى بشكل كامل، ولا أحد منهم قد غنّى في حياته من قبل. 

العمل الجماعي والتعاون بين أعضاء الكورال الذين ينتمون إلى مختلف المناطق والطوائف، هو ما يجعل هذا الكورال مثالاً للوحدة الوطنية اللبنانية. لدينا أعضاء من مناطق مختلفة مثل طرابلس، الهرمل، جبل محسن، كسروان، البقاع، الضاحية وغيرها. الكورال يعكس صورة وطنية لبنانية، حتى وإن كنا نختلف سياسياً أو دينياً، فإننا نلتقي في الفن".

الفن اللبناني خارج الحدود
لم يقتصر كورال "الفيحاء" على نشر الفن داخل لبنان فحسب، بل سعى أيضاً إلى تعميق وجوده على الصعيدين العربي والعالمي. يشير تسلاكيان إلى أن الكورال قد وصل إلى العديد من البلدان العربية والدولية، مؤكداً: "تهمّنا المصلحة العامة، نشر هذا النوع من الفن في كل البلدان العربية أمر في سلّم أولوياتنا منذ 22 عاماً. لهذا السبب الأغنيات مكتوبة من اليسار إلى اليمين وبأحرف لاتينية، كل ذلك بغرض نشرها عربياً وعالمياً."
يتابع: قادة الكورالات الذين يعملون في بلدان أخرى وأيضاً لبنان، نستقبلهم عدة مرات سنوياً حيث يخضعون على مدى اسابيع لتدريب مكثّف حول التفاصيل التقنية بقيادة الكورال. نحن نؤمن أن الفن يجب أن يعبر الحدود ويجمع الناس من مختلف الأماكن."

دعم الكورالات الناشئة
لا يتوقّف دور كورال "الفيحاء" عند حدود العروض الفنية والمهرجانات، بل يتعدى ذلك إلى دعم المواهب الشابة والكورالات الناشئة في المناطق المختلفة. يوضح المايسترو تسلاكيان: "نحن نساعدهم ليصبحوا جزءاً من هذا التراث الفنّي الذي نريد أن نتركه للأجيال المقبلة." 
وكورال "الفيحاء" بقيادة المايسترو تسلاكيان هو أكثر من مجرد فرقة غنائية؛ إنه مشروع فني يعكس رسالة وطنية وإنسانية في الوقت ذاته. من خلال 22 عاماً من الجهد والإبداع، استطاع هذا الكورال أن يثبت أن الفن هو الرابط الأقوى بين الناس، وأنه لا حدود للموسيقى التي تجمع القلوب وتوحد الأرواح. ومع استمرار رحلته الفنية، يبقى هذا الكورال مثالاً حياً على أن ّالفن هو الوسيلة الأمثل لإحياء الثقافة والحفاظ على التراث، مهما كانت الظروف، وكما يقول: "السياسيون يصنعون الأحداث، الفنانون يصنعون التراث".