مع اقتراب موسم الأعياد، يزداد الحديث عن الفرح، اللقاءات، الهدايا، واللحظات الدافئة... لكن خلف هذه الصورة المثالية، يعيش كثيرون توتراً خفياً ناجماً عن الضغوط المادية، توقعات العائلة، أو الشعور بالوحدة. محاولة موازنة كل هذه الأمور دفعة واحدة تجعل فترة الأعياد، التي يُفترض أن تكون مريحة، مصدر قلق وإرهاق.

وبحسب "الجمعية الأميركية لعلم النفس"، يمكن أن يكون موسم الأعياد وقتاً سعيداً ومجهداً في الوقت ذاته بسبب التوقعات المرتبطة بقضاء الوقت مع العائلة والأصدقاء، التعامل مع المشاكل العائلية، والحفاظ على التقاليد المهمة. وتشير الجمعية إلى أن حوالي 9 من كل 10 بالغين في الولايات المتحدة يشعرون بالتوتر خلال موسم الأعياد، بينما يرى نحو 63% منهم أن موسم الأعياد أكثر توتراً مقارنة بموسم دفع الضرائب. كما أن 28% من الأميركيين يشعرون بتوتر أكبر هذا الموسم مقارنة بالعام الماضي، نتيجة عوامل مثل الدخل، الفقد العاطفي، وضغوط العائلة.
لماذا يتحوّل موسم الأعياد إلى موسم ضغط؟
يوضح المعالج النفسي والمستشار لدى منظمة "أطباء بلا حدود"، الدكتور ماريو عبود، في حديث إلى "النهار"، أنّ العطلات مليئة بالفرح والتوتر معاً. خلال فترة الأعياد يزداد الإحساس بالمسؤولية تجاه الآخرين، إذ يسعى كل شخص لإظهار مشاعر الحب بطريقته الخاصة، والاستعداد لشراء الهدايا والتحضيرات المختلفة للاحتفال.

أولاً: الضغط الزمني
يشكّل عامل الوقت ضغطاً كبيراً على الأفراد، إذ يجب إنجاز التحضيرات خلال فترة زمنية محدودة، ما يزيد الشعور بالتوتر والإرهاق النفسي.
ثانياً: التوتر العاطفي
تثير المناسبات والاحتفالات ذكريات الماضي، وتدفع الأشخاص إلى مقارنة أعياد هذا العام بالسنوات السابقة، ما قد يسبب شعوراً بالإحباط والضغط النفسي، خصوصاً للعازبين أو لأولئك الذين فقدوا شخصاً عزيزاً أو انفصلوا عن شريك حياتهم. في هذه الحالات، يشعر الفرد بفرح خارجي، لكنه قد يعاني داخلياً من الحزن أو التخبّط.
ثالثاً: التناقضات النفسية
تشهد هذه الفترة من السنة شعوراً بالتناقض النفسي، حيث يكون المحيطون فرحين، بينما يشعر البعض بعدم السعادة الداخلية بسبب ذكريات مرتبطة بهذا التوقيت، ما يجعل الفرحة العامة متناغمة مع الحزن الشخصي.
رابعاً: التوقّعات الاجتماعية
يُضاف إلى ذلك ضغط التوقعات الاجتماعية، مثل الالتزام بالواجبات العائلية، تجهيز الزينة، وإقامة الاحتفالات بأبهى حلّة لمواكبة الصيحات على منصات التواصل الاجتماعي، حتى وإن لم يكن الشخص مهتماً بها أو يواجه أفراداً لا يفضلهم، ما يولّد شعوراً بالضغط الاجتماعي.
خامساً: الضغط المالي
يعتبر الضغط المالي من أبرز مصادر التوتر خلال الأعياد، إذ يفكر الأفراد في الميزانية اللازمة لشراء الهدايا وإقامة الاحتفالات. وقد يشعر البعض بالإحراج أو التقصير إذا لم تتوافق إمكانياتهم المالية مع متطلبات الاحتفال، ما يزيد شعورهم بالقلق والتوتر.

كيف تتعامل مع توتّر الأعياد بطريقة صحية وواقعية؟
يقدّم الدكتور عبود مجموعة من النصائح العملية:
- عد إلى أصل معنى العيد وابتعد عن المظاهر التسويقية الزائدة التي قد تضيف عبئاً غير ضروري.
- ضع حدوداً لما قد يسبب لك التوتر، حتى لو كان ضمن الواجبات الاجتماعية، واتخذ خيارات تتوافق مع قيمك الشخصية.
- كن واقعياً مع نفسك واعترف بقدراتك وحدودك، ولا تُجبر نفسك على أكثر مما تستطيع.
- في حال حضورك جمعات عائلية مع أشخاص لا تحبهم، تنازل قليلاً لتجنب التوتر، أو تجنب التواجد إذا لم تتحمل الوضع.
- عند مواجهة الذكريات العاطفية المرتبطة بالماضي، عامِل نفسك بلطف، ولا تسمح لهذه الذكريات بالسيطرة على مشاعرك لفترة طويلة، بل حاول تكوين ذكريات جديدة.
- ضع قيمك الأساسية في مقدمة أولوياتك، مثل الوقت الذي تقضيه مع أحبائك، وليس الهدايا أو الزينة فقط.
- إذا كنت وحيداً خلال الأعياد، فكر في التطوع ومساعدة الآخرين، وكن المبادِر بالتواصل مع المحيطين بك.

حيل عملية لتخفيف التوتر:
- خذ إجازة إذا أمكن، أو اطلب ترتيبات عمل مرنة، مثل العمل عن بُعد أو جداول عمل مرنة خلال العطلات.
- ضع ميزانية للأعياد والتزم بها لتفادي الضغط المالي.
- قلل من تعرضك للإعلانات التجارية التي قد تزيد شعورك بالضغط.
- رتب أولوياتك للأمور الأكثر أهمية وتجنب ما هو ثانوي.
- خصص وقتاً للاسترخاء، ممارسة الرياضة، التنفس العميق، أو التأمل لتخفيف التوتر.
- توقّع مسببات التوتر خلال عطلتك واتخذ خطوات لحماية نفسك منها مسبقاً.
نبض