الوقت: صديق أم عدو؟ كيف نعيش لحظاتنا بشكل أبطأ؟

الوقت: صديق أم عدو؟ كيف نعيش لحظاتنا بشكل أبطأ؟
Smaller Bigger

عندما كنت طفلة، كان الحديث عن عام 1975 يبدو كأنه يشير إلى زمن قريب، ربما قبل 30 عاماً فقط. لكن اليوم، وأنا أستوعب أن هذا التاريخ يعود إلى نصف قرن مضى، ينتابني شعور بالدهشة والارتباك. كيف مضت كل تلك السنوات بهذه الوتيرة الخاطفة؟ كيف تسارعت الأيام لتصبح العقود مجرد ومضاتٍ عابرة؟

 

نحن، جيل الألفية، نشأنا في عالم تغير بوتيرة مذهلة، وكأن الزمن كان في سباق مع نفسه. عشنا طفولة بسيطة مع أشرطة الكاسيت، ألعاب الفيديو الأولى، وانتظار الإنترنت البطيء لتحميل صورة واحدة. لكن فجأة، انتقلنا إلى عصر الهواتف الذكية، التطبيقات السريعة، والبث الفوري حيث كل شيء يحدث الآن بلمح البصر.

 

 

لم يكن التسارع في الزمن مجرد تأثير التكنولوجيا، بل كان نتيجة أحداث كبرى تركت بصماتها على وجداننا. من أحداث 11 سبتمبر التي هزّت طفولتنا، إلى ظهور وسائل التواصل الاجتماعي التي جعلتنا متصلين طوال الوقت، وصولاً إلى الجائحة التي قلبت حياتنا رأساً على عقب. لم تكن هذه المحطات مجرد تواريخ، بل نقاط فاصلة أعادت تشكيل إحساسنا بالوقت.

 

اليوم، وأنا في منتصف الثلاثينات، أجد صعوبة في استيعاب أن عام 2000 لم يعد "البداية" بل أصبح "التاريخ". أطفال اليوم يرونه عالماً قديماً، وأغاني التسعينات التي رقصنا عليها أصبحت تُصنَّف "كلاسيكية". حتى أبسط لحظات الفرح، مثل شراء شريط كاسيت أو انتظار حلقة مسلسل، تبدو الآن كأنها تنتمي الى عالم مختلف.

 

إحساسنا بالزمن نسبي، وما يجعل الأيام تتسارع هو الروتين والاعتياد. ربما السر في إبطاء الزمن يكمن في عيش اللحظة بحواسنا كاملة.

 

الأطفال والوقت: عالم مليء بالدهشة
الأطفال يرون الزمن بطريقة مختلفة تماماً. وجدت دراسة أجريت عام 2023 في مجلة Nature Scientific Reports أن الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة يرون اللحظات "المثيرة" أطول من اللحظات "الهادئة"، بينما يميل الكبار إلى العكس. هذا يعني أن إحساس الأطفال بالزمن يتأثر بشدة بمقدار الأحداث التي يعيشونها.

 

علاوة على ذلك، يستخدم الأطفال إشاراتٍ مختلفةً للتعبير عن الزمن. غالباً ما يشيرون إليه بإيماءات تدل على الحجم أو الكمية، في حين أن الكبار يرونه خطاً زمنياً مستمراً.

 

ماذا يحدث في أدمغتنا مع تقدّمنا؟
وفقًا لنظرية طرحها البروفسور أدريان بيجان، فإن السبب الرئيسي لشعورنا بتسارع الزمن يكمن في الطريقة التي تعالج بها أدمغتنا المعلومات. فمع تقدّمنا في العمر، تصبح شبكاتنا العصبية أكثر تعقيداً، ممّا يؤدي إلى تباطؤ في معالجة المعلومات البصرية. هذا يعني أن أدمغتنا تسجل عدداً أقل من الصور الذهنية مقارنة بما كانت تسجّله عندما كنا أصغر سناً.

يقول بيجان: "الناس يندهشون من مقدار ما يتذكرونه من أيام شبابهم، ليس لأن تلك الأيام كانت مليئة بالتجارب العميقة، بل لأن أدمغتهم كانت تعالج اللحظات بسرعة أكبر".

 

نظرية النسبة الزمنية
هناك تفسير آخر لتسارع الزمن، وهو مرتبط بكيفية نسبتنا للوقت إلى أعمارنا. بالنسبة الى طفل في الخامسة من عمره، تمثل السنة 20% من حياته بأكملها. لكن بالنسبة الى شخص في الخمسين، فهي تمثل 2% فقط من حياته. هذه النسبة تجعل السنوات تبدو كأنها تتقلّص كلما تقدّمنا في العمر.

 

إضافة إلى ذلك، فإن مقدار التغيرات التي تحدث في حياتنا يلعب دوراً كبيراً. الطفل في الخامسة يمرّ بتغيرات سريعة ومثيرة، بينما الشخص في منتصف العمر يعيش حياة أكثر استقراراً، مما يجعل الزمن يبدو كأنه يتسارع.

 

كيف نبطئ الزمن؟
الخبر الجيد هو أن هناك طرقاً فعالة لإبطاء إحساسنا بتسارع الزمن. المفتاح يكمن في التركيز على الحاضر والانغماس الكامل في اللحظة.

1. الوعي باللحظة الحالية
جرّب أن تكون حاضراً بالكامل في اللحظة. اشعر بنبضات قلبك، وراقب أنفاسك وهي تدخل وتخرج. دراسة أجراها عالم النفس آدم أندرسون أظهرت أن إدراكنا للزمن قد يكون مرتبطاً بطول دقات قلبنا. يمكنك تجربة تمرين بسيط: قم بضبط ساعة توقيت، وأغلق عينيك، وركّز على تنفسك لمدة تعتقد أنها دقيقة واحدة. ثم تحقّق من الوقت لترى مدى دقة إحساسك.

2. إبطاء ضربات قلبك
يمكنك استخدام التنفس العميق لتهدئة ضربات قلبك، مما يساعد على إبطاء إحساسك بالزمن. فكلما كانت دقات قلبك أبطأ، شعرت بأن الوقت يمضي ببطء أكثر.

3. العودة إلى دهشة الطفولة
تذكر كيف كنت ترى العالم وأنت طفل. كل شيء كان جديداً ومثيراً. حاول أن تستعيد هذا الشعور من خلال ملاحظة التفاصيل الصغيرة حولك، سواء كانت نسيج الورقة في يدك أو لون السماء عند الغروب. كلما زادت دهشتك من العالم، شعرت بأن الوقت يتمدّد.

4. التقاط الذكريات
جرّب توثيق لحظاتك من خلال الكتابة أو التصوير. كلما زادت الذكريات التي تخلقها، شعرت بأن حياتك مليئة بالتجارب، مما يجعل الزمن يبدو أبطأ.

5. التأمل وممارسة اليقظة
التأمل هو أداة فعالة لزيادة وعيك باللحظة الحالية. عندما تركز على الآن، يتوقف عقلك عن القفز بين الماضي والمستقبل، مما يمنحك إحساساً أعمق بالزمن.

 

في النهاية، عيشوا اللحظة
حين نتأمّل في إحساسنا بتسارع الزمن، ندرك أن المشكلة ليست في الوقت نفسه، بل في الطريقة التي نعيشه بها. ربما تكمن الإجابة في التوقف عن قياس الزمن بالسنوات أو العقود، وبدلاً من ذلك، قياسه باللحظات التي تترك أثراً في قلوبنا.

قد لا نستطيع إبطاء عقارب الساعة، لكن يمكننا أن نبطئ إحساسنا بها من خلال التركيز على التفاصيل، والاستمتاع بما بين أيدينا، والبحث عن المعنى في كل يوم. الزمن ليس عدواً، بل شريك رحلتنا. وكلما منحناه اهتمامنا ووعينا، أصبحنا أكثر قدرة على الاستمتاع به، وجعل حياتنا مليئة بلحظات لا تنسى.

العلامات الدالة

مواضيع ذات صلة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 10/8/2025 3:44:00 AM
أقدم شقيق النائب الأردني السابق قصي الدميسي على إطلاق النار من سلاح رشاش تجاه شقيقه عبد الكريم داخل مكتبه، ما أدى إلى وفاته على الفور.
اقتصاد وأعمال 10/8/2025 7:17:00 PM
ما هو الذهب الصافي الصلب الصيني، ولماذا هو منافس قوي للذهب التقليدي، وكيف سيغير مستقبل صناعة المجوهرات عالمياً، وأهم مزاياه، وبماذا ينصح الخبراء المشترين؟
اسرائيليات 10/9/2025 3:20:00 PM
جلس في أحد المقاهي البيروتية واحتسى فنجان قهوة بين الزوار المحليين.