تتواتر في الأسابيع الأخيرة تقارير استخباراتية غربية وإسرائيلية تتحدث عن أنّ "حزب الله" بدأ بإعادة بناء قوته العسكرية بعد أشهر من الاستنزاف على جبهة الجنوب. مترافقة مع تصريحات  من قيادات "حزب الله" تؤكد ان الحزب تعافى او قطع شوطا بالتعافي، لكنّ هذا السؤال الجوهري يُطرح بإلحاح: من أين يستطيع الحزب أن يُعيد تسليحه في ظلّ الحصار والمراقبة، ومن أيّ طريق تمرّ الإمدادات؟
 
فمنذ العام 2006، اعتمد الحزب على محور إمداد إيراني- سوري يمتدّ من طهران إلى بيروت عبر الأراضي السورية، مرورا بمطار دمشق أو مرفأي اللاذقية وطرطوس. غير أنّ المعادلة تغيّرت بعد سقوط نظام الأسد في سوريا لتصبح هذه المرافق غير متاحة للحزب اضافة الى اقفال الطرق البرية التي تربط إيران بلبنان عبر العراق وسوريا.
 
يعتمد الحزب في المدة الأخيرة تكتماً شديداً بما يخص عمله العسكرية وأي معلومة غير متاحة من مصادر قريبة منه، الاّ أنه وبحسب تقارير استخباراتية تصدر من دول مجاورة  تؤكد أن سوريا لا تزال المنفذ الرئيسي له، ولو بشكل جزئي، وأقل بكثير من السابق عبر اعتماد طرق التهريب والممرات غير الشرعية التي تربط البلدين  فالتقارير الغربية تشير إلى استمرار نقل شحنات صغيرة من القطع التقنية وقطع الصواريخ عبر الحدود الوعرة, لكن بوتيرة ضعيفة نسبيا.
 
أما البحر، فاحتمال استخدامه يبقى ضعيفاً. فمياه المتوسط أمام السواحل اللبنانية والسورية تخضع لمراقبة مشددة من البحرية الإسرائيلية ومن قوات "اليونيفيل"، ما يجعل نقل شحنات عسكرية عبر البحر أقرب إلى المغامرة. ورغم الحديث عن إمكان تمرير مواد مزدوجة الاستخدام ضمن شحنات مدنية تجارية، لا توجد أدلة قاطعة على حصول ذلك حتى الآن.
 
ويبرز كذلك مطار بيروت الدولي في بعض التقارير الاستخباراتية التي تزعم أنّ الحزب يستفيد من شركات مدنية وشحنات ذات غطاء ديبلوماسي إيراني لإدخال أجهزة إلكترونية دقيقة أو شرائح متطورة تُستخدم في تطوير الصواريخ والمسيّرات. إلّا أنّ هذه المعلومات لم تثبت علناً، والسلطات اللبنانية تنفي وجود أي خرق أمني من هذا النوع داخل المطار.

لكنّ التطور الأهم هو ما يقال عن نشاط داخلي لتجميع وتصنيع السلاح داخل الأراضي اللبنانية. فإسرائيل أعلنت مراراً أنّ الحزب أنشأ "ورشات تصنيع" في البقاع والجنوب والضاحية، لتحويل الصواريخ التقليدية إلى صواريخ دقيقة الإصابة.  والحزب لم ينف هذه الادعاءات لا بل اعلن امينه العام الراحل السيد حسن نصرالله  ان الحزب قد خطا خطى متقدمة في مسار تصنيع الصواريخ والمسيرات، وبمساعدة تقنية ايرانية عبر تواجد عدد كبير من الخبراء الايرانيين في لبنان وهم لا يزالون موجودين حتى اليوم  . ووفق تقديرات أمنية غربية، ليست هناك "مصانع" بالمعنى الصناعي الواسع، بل ورشات صغيرة متنقلة تُدار بسرّية تامة، وتستفيد من مواد أولية تُستورد بطرق مدنية وتجارية يصعب رصدها.
 
بناءً عليه، فإنّ القول إنّ "حزب الله يعيد بناء قوته العسكرية" يبدو جزئياً دقيقاً. فالحزب بالفعل يعمل على تعويض خسائره من الصواريخ والمسيّرات والأنظمة الإلكترونية التي استخدمها أو فقدها خلال المواجهات الأخيرة. لكنه لا يستطيع إعادة بناء ترسانته بحرية، لأنّ كل مسار لوجستي بات مكشوفاً ومعرّضاً للضرب. العملية إذن بطيئة، متقطعة، ومحدودة بظروف الميدان والرقابة الإسرائيلية والدولية.
 
في المحصلة، إعادة البناء هذه لا تعني تدفق شحنات ضخمة من السلاح عبر الحدود، بل هي شبكة معقّدة من التوريد الجزئي والتجميع المحلي والتطوير التقني. سوريا لا تزال الرئة اللوجستية الأساسية، وإنْ بصعوبة، فيما البحر والمطار يبقيان مسارين عاليي المخاطر. أما الداخل اللبناني، فقد تحوّل إلى مساحة تطوير ذاتي تُستثمر فيها الخبرة الإيرانية المتراكمة والتقنيات الصغيرة الحجم.