"يونيفيل أوروبي" بعد انتهاء مهمة اليونيفيل؟
مع اقتراب انتهاء مهمة "اليونيفيل" في جنوب لبنان نهاية العام 2026، وفق القرار الأخير الصادر عن مجلس الأمن، تتكثّف المشاورات بين بيروت والعواصم الأوروبية حول ما يعرف في الكواليس بـ"مرحلة ما بعد اليونيفيل" أي الشكل الجديد للحضور الأوروبي في لبنان بعد خمسة عقود من الانتشار الميداني.
في الأروقة الديبلوماسية ووفق الإعلام الأوروبي، يُتداول بأن أوروبا لا تنوي الانسحاب الكامل من المشهد اللبناني، بل التحوّل من حضور عسكري ميداني إلى حضور مؤسساتي، أو تقني داعم، تحت عنوان تعزيز الدولة اللبنانية. هذا التحوّل يعني عمليًا أن الخوذ الزرقاء قد تغادر الجنوب، لكن البعثات الأوروبية ستبقى بشكل او باخر وهو ما اكده ضابط في الكتيبة الاسبانية لمطران مرجعيون للروم الكاثوليك جورج حداد قبل ايام.
فرنسا، صاحبة النفوذ التاريخي والدور المحوري في إنشاء "اليونيفيل" وتعديل مهامها بعد حرب تموز/يوليو 2006، تُعدّ العصب الأساسي في رسم المرحلة المقبلة.
وبحسب تقارير إعلامية فرنسية فإن "الأم الحنون" تعمل على انتقال منظم يضمن استمرار الأمن على الحدود الجنوبية من خلال تعزيز قدرات الجيش اللبناني، مضيفة أن باريس تعتبر أن استقرار الجنوب لا يحتاج بالضرورة إلى قوة أممية كبيرة، بل إلى مؤسسات لبنانية قوية قادرة على ضبط الأرض.
وتشير معلومات متقاطعة إلى أن وزارة الدفاع الفرنسية أعدّت خطة دعم تمتد حتى عام 2028، تشمل تدريب وحدات الجيش على المراقبة الحدودية، وتزويدها بتقنيات رصد واتصال متقدمة، ودعم لوجستي عبر الاتحاد الأوروبي.
أما إيطاليا، التي تشارك منذ سنوات بوحدة كبيرة في اليونيفيل، فتسعى إلى الحفاظ على ما تسميه الحضور المدني–العسكري الأوروبي في الجنوب اللبناني وأنها لن تترك الجنوب، بل ستواصل عبر الاتحاد الأوروبي أو مبادرات وطنية مشاريع دعم محلية وإنسانية، إلى جانب المساعدة التقنية للجيش اللبناني لان أوروبا معنية بأمن المتوسط، ولبنان جزء من هذا الأمن.
برلين التي شاركت لسنوات في مهمة اليونيفيل البحرية، أبلغت الأمم المتحدة نيتها الاكتفاء بمشاركة محدودة خلال المرحلة الانتقالية، مركّزة على دعم الإصلاحات الدفاعية وتقديم تجهيزات مراقبة حدودية.
في المقابل، تقول مصادر أوروبية أن بريطانيا تتّجه نحو خفض حضورها الميداني مقابل زيادة الدعم الاستخباري والتقني للجيش اللبناني، في إطار برامج التعاون الأمني القائمة بين البلدين.
وبهذا لن تكون هناك يونيفيل أوروبية بالمعنى العسكري. ما يُدرس هو إطار تعاون متعدّد الأطراف بإشراف الاتحاد الأوروبي، يعتمد على المستشارين والتقنيين والخبراء والتدريب والدعم المؤسسي.
في مكاتب الاتحاد الأوروبي في بيروت، يدور حديث أكثر تفصيلًا عن البديل العملي. فبروكسل تُخطّط لإطلاق برنامج دعم طويل الأمد للجيش اللبناني ضمن آلية الـ European Peace Facility، بقيمة تصل إلى نحو 150 مليون يورو على مدى ثلاث سنوات، تشمل معدات مراقبة ليلية، عربات مدرعة خفيفة، ودعم لوجستي لمراكز القيادة والتحكّم في الجنوب.
كما يدرس الاتحاد الأوروبي إنشاء بعثة مدنية – أمنية صغيرة (EU Advisory Mission–Lebanon) مشابهة لتلك التي أُطلقت في أوكرانيا وجورجيا، هدفها تقديم الخبرة التقنية والإصلاح الإداري داخل مؤسسات الدولة اللبنانية، من دون وجود عسكري على الأرض.
في المقابل، يدرك لبنان الرسمي أن مرحلة ما بعد "اليونيفيل" ستضع الجيش اللبناني في مواجهة مباشرة مع مسؤوليات أمن الجنوب.
مصدر في وزارة الدفاع أكّد أن المؤسسة العسكرية "تعمل على وضع خطة انتشار بديلة بالتنسيق مع القوات الدولية والدول المانحة"، مشيراً إلى أن "الجيش مستعد لتسلّم زمام الأمور تدريجياً شرط توفّر الدعم المالي والتقني".
ويضيف المصدر أن التنسيق قائم مع الجانب الفرنسي والإيطالي حول برامج تدريب ومناورات مشتركة من المفترض أن تبدأ مطلع 2026 استعداداً للانسحاب التدريجي للقوات الدولية.
الاّ أن هناك مخاوف من الانسحاب السريع دون تأمين بدائل فعّالة ما قد يخلق فراغاً أمنياً في بعض النقاط الحساسة، خصوصاً في مناطق تماس قرب الخط الأزرق.
وبحسب تقديرات مراكز بحث أوروبية، فإن غياب قوة أممية كبيرة سيزيد من تعقيد المعادلات على الحدود اللبنانية–الإسرائيلية، ويضع ضغطاً مضاعفاً على قدرات الجيش اللبناني الذي يعاني أصلًا من أزمة تمويل حادّة.
التحول الأوروبي المرتقب يعكس رؤية جديدة للعلاقة مع لبنان: أوروبا تريد البقاء، لكن من خلال المؤسسات لا الدبابات. فبعد خمسين عاماً من الانتشار، تستعد القارة العجوز لإعادة تعريف حضورها في الشرق الأوسط، بما يخفف الأكلاف المالية والسياسية، ويمنح لبنان دوراً أكبر في حفظ أمنه الذاتي.
نبض