سلام من جامعة الدول العربية: لبنان يفتح صفحة جديدة تقوم على الإصلاح والسيادة الكاملة

سياسة 02-11-2025 | 23:50

سلام من جامعة الدول العربية: لبنان يفتح صفحة جديدة تقوم على الإصلاح والسيادة الكاملة

نواف سلام: يعتمد لبنان سياسة خارجية قائمة على عدم التدخّل في شؤون الدول الأخرى، كما يرفض أي تدخل خارجي في شؤونه. 
سلام من جامعة الدول العربية: لبنان يفتح صفحة جديدة تقوم على الإصلاح والسيادة الكاملة
نواف سلام. (نبيل اسماعيل)
Smaller Bigger

اعتبر رئيس مجلس الوزراء اللبناني نواف سلام، خلال كلمة ألقاها أمام المندوبين الدائمين للدول الأعضاء في جامعة الدول العربية بالقاهرة، أنّ "منطقتنا تمرّ بلحظةٍ فارقة من تاريخها الحديث، إذ شهدنا خلال العامين الماضيين تصعيداً خطيراً في فلسطين، واهتزازاتٍ أمنيةٍ في الخليج والبحر الأحمر، ودوراتٍ من العنف وأزماتٍ سياسية واقتصادية وبيئية واجتماعية خانقة في مشرق وطننا العربي كما في مغربه، ناهيكم عن الحرب في لبنان".


جاء ذلك في إطار زيارة رسمية يقوم بها سلام إلى مصر، حيث زار مقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية على رأس وفد رسمي رفيع، والتقى الأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط.

 

وقال سلام: كل هذه التحديات كشفت إنّ الحاجة اليوم هي إلى إعادة بناء مفهوم الأمن القومي العربي على أسسٍ حديثة: أمنٌ لا يُختزل في البعد العسكري وحده، مهما كانت أهميته، بل يشمل البعد الاقتصادي والتعليمي والتكنولوجي والاجتماعي. فالأمن العسكري ركنٌ أساسيّ من أركان الأمن القومي، لكنه يبقى شرطًا غير كافٍ ما لم يُدعَم بالأمن الاقتصادي والاجتماعي والمعرفي، لأنّ البنادق لا تحمي وطنًا جائعًا ولا مجتمعاً منقسماً على ذاته، ولا دولةً عاجزةً عن إنتاج المعرفة".

 

أضاف: "في قلب هذه التحديات تبقى فلسطين، القضية التي تختصر في ظلمها معنى الغياب العربي، وفي صمودها معنى الأمل العربي. لقد زادت إسرائيل من فائض قوتها، وسعت إلى توظيفه في تكريس واقعٍ جديد على الأرض، ولكن في المقابل، تغيّر الرأي العام العالمي نفسه. فقد بدأ الضمير الإنساني يعي عمق المأساة الفلسطينية، وصار مطلب العدالة لأهل فلسطين يُعبَّر عنه في الشوارع والجامعات ووسائل الإعلام الكبرى في شتى انحاء العالم. هنا تكمن المفارقة التي يجب أن نحسن قراءتها: فكلّما ازداد فائض القوة في الميدان، ازدادت الحاجة إلى فائض الشرعية في القانون والرأي العام".

 

وتابع: "من هنا رهاننا اليوم هو على إنهاء الاحتلال، ووقف الاستيطان، وحماية المدنيين، ودعم مسار الاعتراف بدولة فلسطين وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية التي تبنّيناها في قمة بيروت عام 2002، و"إعلان نيويورك" لحل الدولتين الذي رعته كل من المملكة العربية السعودية وفرنسا. وفي هذا الصدد، فنحن في لبنان نؤكّد رفضنا لأي محاولة لتهجير الفلسطينيين أو توطينهم في بلدٍ آخر رفضاً قاطعاً، ونشدد على ضرورة الاستمرار في دعم وكالة الأونروا لتتمكن من أداء دورها الإنساني تجاه الأشقاء الفلسطينيين، فضلاً ان دعمها هو دعمٌ للاستقرار في الدول المضيفة أيضاً".

 

أردف سلام: "من الأطلسي إلى المتوسط فالخليج والبحر الأحمر، تتقاطع شرايين التجارة والطاقة والغذاء، وتُختبر قدرة العرب على بناء منظومة أمنٍ مشترك. والمطلوب اليوم رؤيةٌ متكاملة: أمنُ الممرات البحرية، وتكامل سلاسل الإمداد، وتطوير القدرات السيبرانية، وصون البنية الرقمية التي باتت خط الدفاع الأول عن أمن الدول. والأمن العربي  يمتدّ من الممرات البحرية إلى أحواض الأنهار، من مياه النيل إلى البحر الأحمر، ومن القرن الأفريقي إلى المتوسط، لأنّ أمن المياه والطاقة والغذاء هو وجهٌ آخر لسيادتنا. فمن القضايا التي ينبغي أن تُدرَج في صميم التفكير العربي المشترك هي قضية الأمن المائي، لا كملفٍّ تقني، بل كجزءٍ من الأمن القومي بأبعاده الاستراتيجية. فالمياه في منطقتنا هي شريانُ الحياة، ومصدرُ استقرارٍ اقتصاديٍّ واجتماعيٍّ في آن. ولأن الأنهار الكبرى، وعلى رأسها نهر النيل، تشكّل عصبًا وجوديًا لدولٍ عربيةٍ أساسية، فإنّ أي اختلالٍ في توازنات توزيعها أو إدارتها العادلة يتحوّل سريعًا إلى مسألة أمنٍ قوميٍّ شامل".

 

وأشار سلام إلى أنه "لا بدّ أن تتحوّل الدبلوماسية المائية إلى أحد أركان الأمن العربي، قائمةٍ على التعاون الإقليمي، واحترام الحقوق التاريخية، وتبنّي مقاربة “المصالح المشتركة” بدلاً من الصراع على الموارد. فحماية النهر، في نهاية المطاف، هي حمايةٌ للحياة".


وأكد أنه "حان الوقت لأن نؤمن بأنّ ما يجمعنا أكبر مما يفرّقنا، وأنّ ما يوحّد مصالحنا المشتركة أعمق من كل خلافٍ سياسيٍّ أو ظرفٍ آني. فالعالم العربي يمتلك اليوم من المقوّمات ما يجعله قادراً على الانتقال من الشعور بالانتماء إلى هندسة المصلحة المشتركة. فالمصلحة المشتركة، حين تُبنى على الرؤية لا على الظرف، تتحوّل من خيارٍ سياسيٍّ إلى قاعدةٍ وجودية، ومن فكرةٍ إلى طاقةٍ خلاقة. فهي ليست شعارًا يُرفَع في المؤتمرات، بل ركنٌ حيٌّ يُبنى ويُغذّى ويُسقى بالثقة والإرادة، وينمو كلّما صدقت نية الشركاء في حمايته. والمصلحة المشتركة لا تُختبر في أوقات اليسر، بل في لحظات الشدّة. فالأزمات ليست نهاية الطريق، بل بدايته الجديدة. فحين نحسن قراءة الأزمات، ونعرف كيف نحوّل الخسارة إلى معرفة، والفوضى إلى نظام جديد، نكون قد أعدنا اكتشاف المصلحة المشتركة كقوةٍ دافعةٍ للابتكار والتكامل لا كعبءٍ سياسي. وهكذا، لا تعود الأزمات عائقًا أمام وحدتنا بل  تحدياً  لاثبات قدرتنا على التعاون".

 

 

رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام
رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام

 

وقال: "المصلحة المشتركة، في معناها الأعمق، ليست صفقةً آنية، بل نظام حياةٍ مشترك يقوم على إدراكٍ متبادل بأنّ ازدهار كلّ دولةٍ عربيةٍ هو ضمانة لازدهار جاراتها، وأنّ الخسارة في أيّ ركنٍ من أركان الأمة هي خسارةٌ للجميع.
لذلك يجب أن نتعلّم كيف نُحوّل المصلحة المشتركة إلى حاجة، والحاجة إلى التزام، والالتزام إلى فعلٍ دائم. فحين تصبح الشراكة حاجةً، يتحرّر العمل العربي من موسمية الخطاب إلى ديمومة المشروع، ويتحوّل التكامل من أمنيةٍ إلى قاعدةٍ للعمل المشترك".

 

أضاف أنّ "بناء المصلحة المشتركة لا يعني إلغاء الخصوصيات، بل تحويلها إلى مصادر غنى. فالتكامل لا يعني التماثل، بل التعاون في الاختلاف. ومن هنا يبدأ الطريق الطويل نحو النهضة العربية الشاملة، نهضةٍ تُقاس بقدرتنا على تحويل المؤسسات إلى إنجازات، والإنجازات إلى ثقةٍ متبادلة بين الشعوب والدول. ولدينا كل المقوّمات لننجح: من الثروات إلى الطاقات، من الجغرافيا إلى التاريخ، من اللغة الواحدة إلى التجارب المشتركة. ما ينقصنا ليس الموارد، بل ثقافة التخطيط المشترك، وإرادة تحويل الرغبة إلى برنامج".

 

وتابع سلام: "من هنا، تتجلّى المصلحة العربية المشتركة كمنهجٍ شاملٍ يجمع بين الأمن والدفاع، والعلم والتعليم، والاقتصاد والبيئة، والصحة والتنمية.
فحين نُطلق منطقةً عربيةً للتعليم العالي والبحث العلمي  لنسمه مثلا –  برنامج ابن خلدون للتبادل الأكاديمي، نربط العقول العربية بشبكةٍ موحّدة من المعرفة والإبداع،  وحين نؤسس تحالفًا عربيًا للاقتصاد الأخضر والأمن المائي، نحمي الأرض ونستثمر في الحياة،  وحين نمدّ الممرات اللوجستية العربية–الإفريقية، نحول الجغرافيا إلى خطةٍ للتنمية لا إلى خط تماس. وحين نحشد كفاءاتنا في المهجر عبر بوابةٍ عربيةٍ للخبرات، نحول الهجرة من نزيفٍ إلى عودةٍ للمعرفة ورأس المال. وحين ننشئ آليةً عربيةً لتسوية المنازعات الاستثمارية، نمنح المستثمرين الثقة ونربط الرأسمال بالعقل. وحين نمكّن النساء والشباب من مواقع القرار، نعيد إلى المصلحة المشتركة معناها الإنساني العميق: أن تكون السياسة في خدمة الحياة".

 

ولفت إلى أنّ "نحن لا نبدأ من الصفر، بل من تراكم سبعة عقودٍ من التجارب، ومن إرثٍ لم يُستنفد بعد. علينا فقط أن نستثمر في هذا الإرث، لنحوّل المصلحة العربية المشتركة إلى بوصلة النهضة العربية الجديدة، فيصبح التعاون خيارًا طبيعيًا لا فرضًا بروتوكوليًا، ويغدو التكامل العربي رسالةً عقلانيةً في عالمٍ يبحث عن توازنٍ جديدٍ بين القيم والمصالح، بين السيادة والانفتاح، بين الخصوصية والعولمة".

 

أضاف: "من هنا تأتي الحاجة إلى تحديث نموذج الجوار العربي بوصفه رافعةً استراتيجية للأمن والتنمية معًا، وإلى الانتقال من منطق ردّ الفعل إلى منطق المبادرة. فالدول والمنظمات التي تصنع التاريخ هي التي تملك القدرة على التفكير بالمبادرات الكبرى، وعلى تحويل الجغرافيا إلى فرصة لا إلى قيد. إنّ شراكة الجوار العربي للأمن والتنمية يمكن أن تشكّل اليوم الإطار الجديد لفهم المصلحة العربية في زمنٍ يتغير فيه النظام الدولي. فربط ملفات الأمن المائي والطاقة والغذاء والرقمنة في شبكةٍ واحدة من المصالح المتبادلة، يعيد إلى جامعة الدول العربية دورها كفاعلٍ إقليميٍّ منتج".

 

وأكّد سلام أنه "في ظل التحديات المتسارعة التي تشهدها منطقتنا العربية، يقف لبنان اليوم على أتمّ العزم في مواجهة واقعه بثباتٍ ومسؤولية. لقد افتتح لبنان صفحةً جديدة في تاريخه بانتهاج سياسة واضحة تقوم على الإصلاح والسيادة معًا: إصلاحٌ في مؤسساته وإدارته واقتصاده، وسيادةٌ كاملة على أرضه وقراره".

 

وقال: "الدولة اللبنانية تعمل اليوم على الالتزام الحقيقي باتفاق الطائف الذي يشكل أساس دستورنا وعلى تنفيذ قرار مجلس الأمن 1701 تنفيذاً كاملًا، انطلاقًا من إيمانها بالشرعية الدولية وتمسّكها باستعادة سيادتها وبسط سلطتها على كامل أراضيها، وحرصها على استعادة الحياة إلى القرى الجنوبية وإعادة الإعمار".

 

أضاف: "لقد شهد العالم على التزام لبنان بوقف الأعمال العدائية، لكنّ الخروقات الإسرائيلية ما زالت مستمرة، واحتلال أجزاء من أرضنا قائم، وملف الأسرى والمفقودين لم يُقفل بعد. ومن هنا، ندعو أشقاءنا العرب إلى الضغط على المجتمع الدولي لإلزام إسرائيل بالانسحاب الكامل من أراضينا ووقف اعتداءاتها المتكررة واطلاق سراح أسرانا".

 

وتابع: "في الوقت ذاته، يعتمد لبنان سياسة خارجية قائمة على عدم التدخّل في شؤون الدول الأخرى، كما يرفض أي تدخل خارجي في شؤونه. وهو يسعى إلى بناء شراكاتٍ استراتيجيةٍ متينة مع أشقائه العرب، إيمانًا بأنّ أمنهم واستقرارهم من أمنه واستقراره. نقدّر عالياً تضامن الدول العربية مع لبنان في ظروفه الصعبة، ودعمها له في مواجهة الأزمات المتتالية. فرغم حجم التحديات الداخلية، يبقى لبنان، كما كان دوماً، منفتحاً على محيطه، ثابتاً في عروبته".

 

وأشار إلى أنّ "المطلوب من العالم العربي اليوم ليس الانكفاء ولا التنافس، بل بناء شراكاتٍ واقعية قائمة على المصالح الاستراتيجية المشتركة، المطلوب أن ننطلق مما هو قائم - من الاتفاقات، والهيئات، والمؤسسات العربية المشتركة - وأن نُعيد تنشيطها وربطها بمشروعاتٍ اقتصادية وتعليمية وتكنولوجية عابرة للحدود. فالتكامل الاقتصادي العربي ليس شعارًا، بل خطة بقاءٍ جماعيٍّ في زمن التحوّلات الكبرى".

 
وأضاف: "هكذا، تُصبح الجامعة العربية عقلًا جمعيًا عربيًا يربط بين سيادة الدول ومصالحها، بين الهويّة والانفتاح، وبين الماضي والمستقبل. فالدبلوماسية الحديثة لم تعُد تكتفي بحلّ النزاعات، بل تعمل على بناء المستقبل، على إنتاج المعايير، وعلى صياغة المصلحة بلغةٍ العصر".

 

وختم سلام: "في زمنٍ تختلط فيه العواصف بالفرص، نتمسّك بجامعتنا العربية لأنها المؤسسة التي تجمعنا والإطار الذي يستطيع تحويل هويتنا المشتركة إلى سياساتٍ، والسياسات إلى مشاريعٍ، والمشاريع إلى واقعٍ في حياة الناس.
وحين نثق بأنفسنا وبطاقات شبابنا، نستعيد موقعنا في العالم كما كنا: صُنّاع فكرٍ، ومراكز معرفةٍ، ومؤمنين بقدرة الإنسان العربي على النهوض مهما أثقله التاريخ. العروبة ليست ذاكرةً، بل أفقٌ مفتوح نحو المستقبل، مشروعٌ يتجدّد مع كل جيل. المستقبل يبدأ عندما نقرّر أن نكون جزءاً منه، لا مجرد شاهدين عليه، وحينها نكتب مجدداً تاريخنا المشترك". 

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 11/2/2025 7:34:00 PM
أفادت شبكة "سي أن أن" الأميركية، استناداً إلى مصادر استخباراتية أوروبية، بأن هناك دلائل إضافية على جهود الجمهورية الإسلامية لإعادة تأهيل قدرات وكلائها، وعلى رأسهم "حزب الله"
كتاب النهار 11/3/2025 5:40:00 AM
يكفي الفلسطينيين إساءة الى لبنان الذي حضنهم، وإساءة الى اللبنانيين على مختالف فئاتهم ومكوناتهم
ثقافة 11/1/2025 8:45:00 PM
بصمة لبنانية في مصر تمثّلت بتصميم طارق عتريسي للهوية البصرية للمتحف المصري الكبير.
ثقافة 11/2/2025 10:46:00 AM
"والدي هو السبب في اكتشاف المقبرة، وكان عمره وقتها 12 عاماً فقط سنة 1922."