بسّام برّاك وأثرٌ سيبقى في فردوس الذاكرة ليهزم التراجيديا
عندما حان أوان رمقه الأخير، ارتقى الأستاذ بسّام برّاك بكلّ ما أنجزه وأتقنه وأنعم به معرفةً على طلّابه الجامعيين. هو من حفر أثره في تعمشقه اللغة العربية وتعملقها، وحاول أن يستجلب من دخلوا صفّه الجامعيّ نحو مرتبة مبجّلة من الإتقان. ولم يكن الضجر ليسدل على أيّ برهة تعليميّة وإياه لأنّه كان يشكّل حالةً خارجة عن النمطية المعتادة ويحاول أن يضع طلابه في تحدٍّ مع الذات لاعتناق لغة الضاد أو إنماء نعمة الأداء.
حضوره الرصين في الجامعة الأنطونية في بعبدا، وذلك المكتب المجاور قاعات التعليم، مكتبه الذي كان يدخله مارّاً من دون ضجيج، وعلى ثغره ابتسامة مهذّبة، كان كافياً لأن يحوز التفاتة طلّابٍ واقفين على تخوم طموحاتهم التي لا تنسى مثابرةً لتطوير فنيّة تلقّن بما ينصح به.
هكذا كثرت اللقاءات الجامعية التي عيشت مع بسّام برّاك، وإذا بها تحوّلت ذكريات نوعيّة لمن اجتمعوا لإغناء اللغة وقوّة أداء التقديم. ومتعارف عن برّاك أنّه لم يكن من مجاملي الطلاب، ولم يكن لينثر إطراءات سوى على من هو جديرٌ بها. ولم تكن لديه مشكلة في القول علانيةً إنّ هذا صاحب قدرات وإنّ آخرَ ليس ضمن المستوى. لكنّ هدف الجميع كان محاولة الحصول على ثناءٍ منه. عند مطالعته ما كان يكتبه طلابه، كان يحرص على مخاطبتهم حول الأسباب التي جعلتهم يذكرون أحد الأشخاص المرموقين أو يبحث عن فلفشة تأثّرهم الأدبيّ. كما كان يتكلّم هو عن تأثّره.
من إتقان اللغة ثم فنّ الأداء، كانت الأيام تمضي بسرعة في حضرة برّاك، قبل أن تصبح ذكريات ثابتة بعد انتهاء مواعيد الحضور الجامعية لتبقى ها هنا في وسع الذاكرة الإنسانية. وكان تواصلي مع الأستاذ برّاك بعد انتهاء المرحلة الجامعيّة يعيد إحياء روحية تلك الأيام في نفسي شخصياً ويقوّي الطمأنينة في أنّها مهيَّأة لأن تبقى مستحضرة في كلّ تحيُّنٍ متمسّك بمرحلة توطّدت برغم أنها انطوت. سنوات قليلة مضت كان التواصل فيها مع برّاك في المناسبات بعد انتهاء المرحلة الجامعية يبقي على الصلة، حتى بعد بدء مأساته مع مرضه.

لقد بدا الأستاذ برّاك قادراً على المتابعة في كلّ ظهور إعلاميّ وأن يبعد مرضه العضال عن خبر الشاشة، قبل التراجيديا الأليمة التي أكملت وخزها حتى الرمق الأخير في 27 تشرين الأول 2025. رحيل برّاك في الجسد أكثر من آلام من عرفوه وأسفوا على رحيله، فكان الجمع المكتظّ بمن حضروا مأتمه في كنيسة سيّدة الخلاص الرعائيّة في عين الريحانه في 28 تشرين الأول 2025، هناك حيث كُرِّم في حضورهم. لكنّ بسّام برّاك سيبقى في فردوس ذاكرة كلّ منهم ليهزم تراجيديا المرض التي لا تقوى على كلّ ما أحرزه من إنجازات وافرة وأيام حضوريّة في كلّ برهة من تذكّرٍ.
نبض