إلى الرئيس سلام: أَطلق "الورشة الوطنية للحوار الإجتماعي الثلاثي"
لا نجد سياسة إجتماعيّة – إقتصاديّة في برنامج حكومة "الإصلاح والإنقاذ"، لا في البيان الوزاري ولا في القرارات العشوائيّة والمتّخذة في مجال الأجور أو الضرائب أو التقديمات الإجتماعيّة. ويمكن ملاحظة ذلك خصوصاً في قرارات وزارات العمل والمال والتربية وغيرها...
قد تكون لهذا التقصير أسبابه الفكريّة (العجز عن إنتاج سياسة إقتصاديّة – إجتماعيّة في ظروف الإنهيار)، أو أسبابه السياسيّة (العجز عن التوافق على هكذا سياسة داخل الحكومة)، أو أسبابه الإستراتيجيّة (التركيز على المسائل الأمنيّة وعلى الإصلاحات التشريعيّة قبل الشروع في مقاربة الشأن الإقتصادي – الإجتماعي).
أعرض في هذا النص اسباباً موجبة للمبادرة لإطلاق ما اسمّيه "الورشة الوطنية للحوار الإجتماعي الثلاثي"، من أجل الإتفاق على سياسة إجتماعيّة – إقتصاديّة في هذه المرحلة التاريخية.
اختصر هذه الأسباب الموجبة بأربعة:ّ
1- لم يشهد لبنان، حكومياً، ومنذ إنتهاء الحرب سنة 1990، مبادرة في مستوى الكوارث الإجتماعيّة – الإقتصاديّة المتولّدة عن الحروب المتتالية وكذلك عن الإنهيارات الماليّة والإقتصاديّة، مبادرة تطلق حواراً إجتماعياً ثلاثياً، يُشارك فيه الدولة وأصحاب العمل والعمال، للتوصل الى عقد اجتماعي ينتشل البلاد من أزماتها الإقتصاديّة – الإجتماعيّة. وقد أثبتت التجارب العالميّة ان الخروج من هكذا أزمات وطنية لا يمكن ان يتم إلاّ عبر حوار إجتماعي ثلاثي، يتحمّل فيه كل طرف معني، مسؤوليّة إيجاد الحلول وتنفيذها في سياق خطة يُتّفق عليها. المقاربات الحكوميّة حتى الآن إما تعتمد على حوار مع الجهات الخارجيّة (صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، مصارف أو جهات مانحة أو مقرضة...)، وإما تلجأ الى قرارات متفرّقة مرتجلة وغير منسّقة وبلا رؤية موحدة مستقبليّة.

2- يجري التركيز اليوم على بسط سلطة الدولة على الأراضي اللبنانيّة كاملة، تحت عنوان "السيادة الوطنيّة". الرئيس سلام يعرف قبل غيره، ان مصدر "السيادة الوطنيّة" في الدساتير الديموقراطيّة، وبينها دستورنا، هو الشعب او إرادة المواطنين مجتمعة.
بهذا المعنى لا يستقيم مفهوم "السيادة الوطنيّة" إذا اقتصر على الجانب الأمني- السياسي ولم يشمل الجانب الإقتصادي – الإجتماعي. وهذا يعني عملياً مشاركة الشعب من خلال هيئاته التمثيليّة في رسم السياسات الإقتصاديّة – الإجتماعيّة. واعتقد ان الرئيس سلام يعلم جيّداً أن ضعف لبنان وخضوعه للإعتداءات الإسرائيليّة ليس نتيجة تخلف تكنولوجي وعسكري فحسب، بل أيضاً نتيجة فقر إقتصادي ومالي. وإذا كان الشعب، يجد نفسه بشكل عام عاجزاً عن أي تأثير على المستوى الأمني والعسكري، فإن تعبئته وإستنهاضه إجتماعياً وإقتصادياً عبر مشاركته في وضع السياسات الاجتماعية- الاقتصادية، هو من ضرورات العمل على تحقيق "السيادة الوطنيّة" حتى بمعناها العسكري والأمني. والحكومة تحتاج الى هذا الإلتفاف الشعبي لإعطاء قراراتها الدعم اللازم، المبني ليس فقط على "الحس الوطني" بل على المصلحة الإقتصاديّة- الإجتماعيّة الملموسة للمواطنين.
3- قد يدّعي البعض ان الحوار الإجتماعي الثلاثي قائم حالياً من خلال عمل مؤسّساته: لجنة المؤشر، المؤسّسة الوطنيّة للإستخدام، الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي، والمجلس الإقتصادي الإجتماعي. غير ان التدقيق في عمل هذه المؤسسات يشير الى ما يأتي:
· لجنة المؤشّر: لا تناقش اللجنة سياسة الأجور وهي في صلب مهماتها، ويقتصر عملها في الآونة الأخيرة على "مساعدات ماليّة" لا تدخل في صلب الأجور وتتغاضى حتى عن مناقشة علميّة لمؤشّر الغلاء.
· المؤسّسة الوطنيّة للإستخدام: عانت المؤسّسة في السنوات الأخيرة من الشغور شبه الكامل في مجلس إدارتها ممّا عطّل أعمالها، لكن يجري اليوم تعيين مجلس إدارة جديداً لها؛ لا تنتج المؤسّسة سياسة عامة للإستخدام كما ينص عليها قانونها.
· الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي: عانى الصندوق في السنوات الأخيرة من عدم إنتخاب مجلس إدارة جديد لاسباب سياسية، ويجري اليوم سدّ هذا الفراغ.
· المجلس الإقتصادي الإجتماعي: يعمل المجلس كأنه منتدى تُطرح فيه القضايا لأغراض نثقيفيّة أو إعلاميّة، بدلاً من أن يقوم بدوره كإطار للمفاوضة بين الأطراف الممثّلة فيه، تصدر عنها توصيات للحكومة.
4- الأطراف الثلاثة، الدولة والعمال وأصحاب العمل، مسؤولون عن عدم إشتغال مؤسّسات الحوار الإجتماعي بشكل جدّي وفاعل. لقد أجريت محاولات في السابق لتفعيل آليات عمل الحوار الإجتماعي الثلاثي، شاركتُ في إحداها، والتي نتجت منها، بمشاركة الأطراف الثلاثة، "إستراتيجيّة للحوار الإجتماعي"، لكن مثلها مثل غيرها من المحاولات بقيت في أدراج وزارة العمل ومن دون إهتمام من الحكومة.
فيما يكتمل تشكيل مجالس ادارة مؤسّسات الحوار الاجتماعي، باتت القضيّة تحتاج الى دفع من فوق، من رئاسة الحكومة تحديداً، لإطلاق "الورشة الوطنية للحوار الإجتماعي الثلاثي"، تلزم مؤسّسات الحوار القيام بواجباتها تطبيقاً لقوانينها، وبتنسييق تام في ما بينها، في إطار رؤية حكوميّة لعناوين هذا التنسيق وآلياته.
المطالب القطاعية التي تعبّر عنها نقابات وروابط، لا يمكن ان تجد لها حلولاً قطاعية في ظل أزمة مالية واقتصادية عامة ومتفاقمة. وحدها مقاربة عامة وشاملة، في إطار حوار إجتماعي وطني، يمكنها أن تتلمس بعض المعالجات الأولية التي تتطلب حكماً تسويات في كل من "الطبقات الاجتماعية" المعنية وفي ما بينها.
نبض