بالصور - افتتاح معرض الأيقونات البيزنطيّة والملكيّة في متحف قصر دبّانة في صيدا
برعاية بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسي وحضوره، افتُتح في متحف قصر دبّانة في صيدا معرضُ الأيقونات البيزنطية والملكية العائدة إلى كنيسة القدّيس نيقولاوس التاريخية في صيدا القديمة، وذلك بمبادرة من راعي أبرشية صيدا ودير القمر للروم الكاثوليك المطران إيلي بشارة الحداد، وبدعوة من رئيس مؤسسة دبّانة والمتولّي على متحف قصر دبّانة روفائيل دبّانة.
المعرض الذي استضافه قصر دبّانة في المدينة، بالتزامن مع احتفال كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك بمناسبة يوبيلها المئوي الثالث، ضمّ ستين أيقونة بيزنطية وملكية، تضمنت مجموعة فريدة وغنيّة لما تمثّله من تراث ديني عريق تميّز بحقبات تاريخية حملت في مضمونها رسومات للسيد المسيح والسيدة العذراء وقدّيسين وقدّيسات، تعود إلى بداية القرن الثامن عشر وحتى النصف الأول من القرن العشرين. وتجلّت أهميتها بعدما أعاد ترميمها الرسّامان لينا كِلكيان وزوجها هاكوب، بمساهمة من مؤسسة الحريري المتمثّلة برئيستها السيدة بهية الحريري ورئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري.

وتقدّم الحاضرين إلى جانب البطريرك العبسي والمطران حداد، رئيسُ الحكومة السابق فؤاد السنيورة، والنواب ميشال موسى، عبد الرحمن البزري، ملحم خلف، وأسامة سعد ممثلاً بزوجته إيمان سعد، وإيلي بوفاضل ممثلاً النائب غادة أيوب، والنائب السابق سليم خوري، ورئيس بلدية صيدا المهندس مصطفى حجازي ونائبه الدكتور أحمد عكرة، وروفائيل دبّانة وزوجته، ورؤساء بلديات حاليون وسابقون، والرسامة لينا كِلكيان وزوجها هاكوب، وجمعٌ من الآباء والكهنة والرهبان.
البطريرك العبسي
وبعد ترحيب من الأب جهاد فرنسيس، ألقى البطريرك العبسي كلمةً بالمناسبة، حيّا في بدايتها الحضور من متحف قصر دبّانة هذا الصرح العريق، وقال: "كم هو جميل ومبارك أن يلتقي الفنّ المقدّس بالتاريخ العريق في رحاب هذا القصر الذي ليس هو مجرّد معلم أثري، بل هو نبض ثقافي ومركز إشعاع لمدينة صيدا، يحتضن اليوم كنزا ًروحياً لمدينتنا وكنيستنا على حدّ سواء. إننا نرى في هذا المعرض دليلاً حياً إلى أن صيدا هي مدينة التراث واللقاء والتناغم بين التاريخ والإيمان".

وأضاف: "نفتتح اليوم هذا المعرض البديع للأيقونات التي تعود ملكيتها إلى أبرشية صيدا للروم الكاثوليك، والتي أَتاحت لنا أن نشارك في هذا الجمال الفني الذي يعكس الجمال الإلهي. وإذ نتأهب لنغذّي بصرنا وبصيرتنا بهذه الأيقونات، لا بدّ أن نتوجه بخالص الشكر والتقدير إلى كلّ من أسهم في إخراج هذا العمل إلى النور. أولاً عائلة دبّانة الكريمة على استضافة هذا الحدث، مقدّرين دورها في حفظ التراث الثقافي الكنسي ووضعه في الخدمة العامة ليستفيد منه الناس. حقاً إنه عمل وطني وكنسي بامتياز يستحق الثناء، وهو مشروع من المشاريع النادرة الفريدة في بلادنا".

ونوجه تحية خاصة إلى السيدة المبدعة لينا كِلكيان التي عملت بيد فنّان وقلب مؤمن، وأعادت إلى هذه الأيقونات رونقها وجمالها الأصلي وجعلتها تتحدث بلغة النور من جديد. ونشكر خاصةً جهود الأخوين الأب نقولا رياشي وجان لوي منقيس، اللذين أشرفا على تنظيم هذا المعرض بكل حب وشغف، فجعلا من هذه الأيقونات جسراً يربط الماضي بالحاضر.
والشكر الأخوي الجزيل لراعي الأبرشية صاحب السيادة المطران إيلي بشارة حداد على تشجيعه لمثل هذه المبادرات والمشاريع التي ليست لتكريم أشخاص، بل لإنشاء نشاط كنسي هام يخلق في الأبرشية لوناً وحياة والتزاماً».
وتابع: «إن الأيقونة في الكنيسة ليست مجرد قطعة فنية قديمة أو لوحة مزخرفة، بل هي تراث روحي عميق وكنز لا يُقدَّر بثمن. الأيقونة هي حقاً نافذة نطلّ منها على الأبدية. إنها تجعل غير المنظور منظوراً، وتجعلنا نقترب من فهم سرّ التجسّد الإلهي الذي سمح لنا بتصويره. فعندما ننظر إلى وجوه المسيح والعذراء والقديسين المرسومة هنا، فإننا في الحقيقة ندخل في شركة حقيقية معهم، متخطّين حدود الزمان والمكان.
هذا ما جعل الكنيسة تخوض صراعاً كبيراً للحفاظ على تكريم الأيقونات في وجه الذين أنكروا عليها هذا التكريم. يسوع المسيح ابن الله المتجسّد هو صورة الآب؛ من خلاله نرى الآب: "من رآني فقد رأى الآب". كذلك الأيقونات هي صور للقديسين نراهم من خلالها، فليست من ثمّ ميتة، بل حيّة تكلّمنا ونكلّمها».
وأضاف: "إضافة إلى هذا البعد السماوي، الأيقونة صلة وصل حيّة بتراثنا وأجدادنا الذين لم يكتفوا بتزيين كنائسهم بالأيقونات، بل بيوتهم أيضاً، جاعلين منها "كنيسة مصغّرة" يصلّون ويسبّحون الله أمامها. لم يكونوا يصلّون للأيقونة بل من خلالها. كانوا يتأملون في وجه المسيح ويفتحون قلوبهم، فيرون السماء من هذه النوافذ المقدسة ويستمدّون منها العزاء والقوة والثبات. الأيقونة مدرسة تعلّمنا كيف نصلّي بالعين قبل اللسان، وكيف نستقبل إرث الإيمان الذي سُلِّم إلينا عبر القرون. ولذلك فعندما نأتي إلى هذا المعرض لا نأتي فقط لنرى تحفاً فنية، بل أيضاً لنصلّي، لأن الأيقونة تدعو المتأمّل فيها دائماً وفي كل مكان إلى الصلاة".
وأشار إلى أنه "من هذا المنظار، ليس معرض الأيقونات كغيره من المعارض. فليس معرضاً تُعرَض فيه أشياء من الماضي لها قيمة أثرية أو فنية فقط. معرض الأيقونات تُعرَض فيه أشياء مقدسة تمثّل قديسين وقديسات لا يزالون معنا، نصلّي لهم ونكلمهم. الأيقونات مخزون من التاريخ المقدّس الروحي: كم من شموع ذابت أمامها، وكم من بخور ارتفع، وكم من صلوات. هذا هو الفارق بين الأيقونات وتماثيل الأوثان أو صورها".
وتابع: "الفرق هو أن الأيقونات ليست "صنماً"، أي مادّة جامدة لا تتكلم ولا تسمع ولا ترى كما يقول صاحب المزامير، بل تتمتع بقوة على إرشادنا وتعليمنا. لذلك، فإننا إذ نأتي اليوم إلى افتتاح هذا المكان، فكأنما نأتي إلى افتتاح كنيسة".
وأوضح المطران الحداد "أن المعرض قوامه مجموعة الأيقونات اليونانية والملكية وسواها والمخصصة لأيقونوستاز كاتدرائية مار نقولا القديمة في صيدا، والتي رُمِّمت بعناية مؤسسة الحريري التي ساهمت في ترميم الكاتدرائية القديمة وأيقوناتها مشكورة، والشكر بنوع خاص لدولة الرئيس سعد الحريري والسيدة بهية الحريري".
وشكر دبّانة الحضور، منوهاً بأهمية افتتاح أبواب هذا المتحف لاحتضان معرض كنوز مطرانية صيدا، معتبراً أنها "كنوز قيمة على قدر عالٍ من الأهمية نفخر بعرضها، وأنا سعيد بمبادرة سيدنا إيلي بإقامة هذا المعرض في صالات قصر دبّانة المُعدّة لهذا الغرض. إنها تحف نادرة ومهمة جداً نأمل أن تعطي للزائرين من كل أنحاء لبنان فرصة لاكتشاف الأيقونات الرائعة التي تملكها المطرانية".
وتخلل المعرض تكريم روفائيل دبّانة من قبل البطريرك العبسي بوسام "القدس" المذهّب تقديراً وشكراً لوضعه المتحف أمانة بين أيدي مطرانية الروم الكاثوليك في صيدا. كما قام الحضور بجولة على أيقونات المعرض، استمع خلالها البطريرك العبسي والسنيورة والنواب إلى شرح من كِلكيان عن عراقة الأيقونات التاريخية والدينية التي تجسّدها عبر حقبات مختلفة.
ويستمر المعرض في استقبال زواره حتى الأول من شهر شباط من العام الجديد.
نبض