حق السيادة لا يُقاوَض: الجيش اللبناني يدافع عن الحدود الشرقية وفقاً لـ"خرائط دورافور"

لبنان 18-11-2025 | 16:09

حق السيادة لا يُقاوَض: الجيش اللبناني يدافع عن الحدود الشرقية وفقاً لـ"خرائط دورافور"

الإشكال الحدودي في عرسال أمكن حلّه بهدوء بين الجيشين اللبناني والسوري، وجاء موقف الجيش اللبناني حاسماً، إذ منع إقامة النقطة من دون أي اشتباك
حق السيادة لا يُقاوَض: الجيش اللبناني يدافع عن الحدود الشرقية وفقاً لـ"خرائط دورافور"
صورة متداولة عند الحدود اللبنانية السورية. (تواصل اجتماعي)
Smaller Bigger

في خضمّ التوتر المتصاعد على الحدود الشرقية وتنامي الإشارات المقلقة لسعي دمشق نحو فرض ترسيم عسكري أحادي الجانب، يتحول الوجود الفعلي للجيش اللبناني إلى ضرورة وطنية قصوى، فهذا الوجود لم يعد مجرد إجراء ردعي، بل هو تطبيق مباشر للسيادة الوطنية وحماية لأرض لبنانية موثقة.

 

في هذا السياق، جاء تصدى الجيش اللبناني (فوج الحدود البرية الرابع) في العاشر من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري لقوة من الجيش السوري ومنعها من استحداث مركز عسكري على تلة صدر البستان الواقعة ضمن المنطقة الحدودية المتنازع عليها عقارياً في جرود عرسال، علما أن التلة واقعة ضمن الأراضي اللبنانية وفقاً للخرائط الرسمية. وقد حال تدخّل وحدات الجيش اللبناني دون أي تغيير في الوضع الميداني.

 

لذلك، لا يزال ملف ترسيم الحدود اللبنانية - السورية، وخصوصاً في منطقة البقاع الشمالي، يمثل "أحد أبرز الملفات السيادية العالقة منذ تأسيس دولة لبنان الكبير"، كما يؤكد العميد المتقاعد منير شحادة، مضيفاً أن المسألة "تتجاوز الجغرافيا إلى عمق التاريخ والقانون والسياسة"، وبالتالي فإن حق الجيش اللبناني في الانتشار ضمن الـ 27 نقطة الخلافية ليس أمراً قابلاً للتأجيل، بل هو واجب وطني وقانوني حتمي تفرضه المستندات التاريخية.

 

والإرث الحدودي الطويل للبنان ليس فراغاً قانونياً، بل هو تراكم للقرارات والمراسيم التي تثبت ملكية لبنان لأراضيه المتنازع عليها، معززةً بآراء الخبراء القانونيين، إذ تستند الشرعية التاريخية، وفقاً لشحادة، إلى القرار الفرنسي الصادر في 31 آب/أغسطس 1920 الذي أعلن قيام "دولة لبنان الكبير"، وقد كرّست معاهدة لوزان عام 1923 هذه الحدود الدولية، ما منحها "طابعاً قانونياً دولياً ثابتاً".

وتؤكد الوثائق الفرنسية، ولاسيّما منها خرائط:
Géographique de l’Armée Française Service
  انتماء مناطق البقاع الشمالي (القاع، الهرمل، اللبوة) إلى لبنان، وهو ما أعاد تأكيده المرسوم الرقم 318 الصادر عن المفوض السامي الفرنسي عام 1924.

وتظل خرائط كميل دورافور (Commission Camille Durafour) وأعمال مسح لجنته، إلى جانب قرارات مثل 153LR و27LR، المرجع الأساسي لتحديد الحدود الدولية الفاصلة بين البلدين. ويوضح في هذا الإطار، أن هناك مساحة من الحدود "تم تحديدها نهائياً وفقاً للقرار 153LR  وخرائط دورافور"، وهذه المناطق، على الأقل، يجب أن تكون تحت السيطرة الكاملة والفورية للجيش اللبناني من دون أي تردد. ويمثل قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1680 (2006) "محطة مفصلية"، إذ "دعا سوريا إلى التعاون مع لبنان لترسيم الحدود".

 

ويخلص شحادة إلى أن الموقف اللبناني يستند إلى "قاعدة قانونية صلبة، تُلزم دمشق التعاون لتحديد النقاط الحدودية العالقة، بما يمنع أي خرق أو تداخل إداري"، مشيراً إلى وجود نحو 27 محضر خلاف على طول الحدود الممتدة حوالى 376 كيلومترا، كما أن ملكية الأفراد اللبنانيين للأراضي في القرى الـ27، الموثقة من ضمن المسح العقاري هي دليل إضافي، مبيّناً بالاستناد إلى الدفاتر العقارية العثمانية وسجلات النفوس القديمة، أن القرى المتنازع عليها كانت تتبع إدارياً متصرفية جبل لبنان أو قضاء بعلبك، وبالتالي فإن الوجود العسكري اللبناني هو ببساطة عملية تنفيذ سيادي قاطع على الأرض لما هو موثق في الأرشيف القانوني والتاريخي.

 

ويذكّر بتشكيل لجنة لبنانية - سورية مشتركة لترسيم الحدود البرية عام 2008، بدأت أعمالها ميدانياً، خصوصاً في مناطق البقاع الشمالي (مشاريع القاع، جوسيه والقصير)، لكنها توقفت بسبب الخلافات السياسية واندلاع الحوادث السورية عام 2011، ما أعاق استكمال الترسيم لأسباب أمنية. رغم ذلك، لا تزال الخرائط والمستندات القانونية محفوظة في الأرشيفين اللبناني والسوري، ويمكن استئناف العمل بها لاحقاً.

 

وعما قدمته المستشارة السياسية للرئيس الفرنسي آن كلير لو جاندر من خرائط للترسيم، يقول مصدر مطلع لـ"النهار" إن الخرائط الفرنسية للحدود اللبنانية-السورية تُعدّ غير مكتملة وذات فائدة محدودة. ورغم امتلاك الفرنسيين بعض الخرائط، فهي تقتصر على أجزاء صغيرة من الحدود، ويعود معظمها إلى ما قبل عام 1939 (أي قبل الحرب العالمية الثانية) ومرحلة ما قبل الاستقلال. وبالتالي، لا يمكن اعتبارها حلاً شاملاً أو مرجعاً مفصلاً يُعتمد عليه لترسيم الحدود بالكامل.

 

في المقابل، فإن الجهود الفعلية والحديثة لوضع خرائط شاملة قامت بها الدولة اللبنانية، وتحديداً من خلال مديرية الشؤون الجغرافية في الجيش اللبناني ودوائر المساحة والعقارية.

 

لهذا، تظل المسؤولية الأساسية لإتمام الترسيم على عاتق الدولتين (لبنان وسوريا) وفق رؤية سيادية واضحة، ولا تتجاوز الخرائط الفرنسية دورها كأداة مرجعية جزئية أو شاهد تاريخي لبعض النقاط الخلافية.

 

وبالعودة إلى الإشكال الحدودي في عرسال، أمكن حلّه بهدوء بين الجيشين اللبناني والسوري، بحيث تراجعت المحاولة السورية لإقامة نقطة حدودية كانت مقررة في جرود عرسال، قبالة بلدة فليطا السورية.

 

وبحسب مصدر أمني، جاء موقف الجيش اللبناني حاسماً وقاطعاً، إذ تدخّل بسرعة ومنع إقامة النقطة من دون أي احتكاك أو اشتباك، مؤكداً أن أي وجود عسكري سوري داخل الأراضي اللبنانية مرفوض، وأن هذا الموقف يعكس توجيهات واضحة من القيادة التي تشدد على الحفاظ الكامل على السيادة، وعدم السماح بوجود أي نقطة تمركز أو موطئ داخل الحدود اللبنانية، ولو بمقدار شبر، ولا في أي تلّة داخل الحدود اللبنانية.

 

ويبرز دور الوحدات الحامية الحدود، وتحديداً فوجي الحدود البرية الرابع والثاني، إلى جانب مديرية المخابرات التي توفّر الغطاء الاستخباري الأساسي في مراقبة الشريط الحدودي والتصدي للخروق، إذ أثبتت فاعلية عالية خصوصاً في الأشهر الأخيرة، عندما نجح فرع مخابرات الهرمل في إقفال سائر المعابر غير الشرعية.

 

ومع ذلك، لا تزال هذه القوى الميدانية في حاجة ماسّة إلى تعزيزها بالموارد اللوجيستية والبشرية، من أجل السيطرة الكاملة والمستدامة على الحدود.

 

الواقع أن القرى اللبنانية الـ27، مثل الهرمل ورأس بعلبك وعرسال وشبعا، تحتاج إلى حماية فعلية لضمان عدم تعرض سكانها للتهديد من أي قوة أجنبية تحاول تثبيت مواقعها العسكرية. ويشدد شحادة على أن ترسيم الحدود يمثل "فرصة استراتيجية للبنان لتعزيز سيطرته على مناطقه الشرقية وضبط المعابر غير الشرعية التي تُستخدم للتهريب"، وهو ما يحمي الأمن الداخلي ويتيح للدولة "استعادة جزء من الإيرادات الجمركية المهدورة".

 

ويشدد على أن "الأساس القانوني والتاريخي متين، لكن التثبيت الميداني يتطلب إرادة سياسية واضحة لضمان استقرار الحدود وصون حقوق اللبنانيين".

 

في المحصلة، حق الجيش اللبناني لا مساومة عليه، والانتشار وفقاً لخرائط دورافور والمراسيم الدولية، هو السبيل الوحيد لضمان بقاء الحدود الموثقة دولياً حدوداً فعلية. 

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

النهار تتحقق 11/17/2025 11:20:00 AM
"هذه الصور وصلتنا قبل قليل للخلية التي ألقت عناصر من الأمن والداخلية السورية القبض عليها، وهي تابعة لحزب الله..."، تقول المذيعة. ما حقيقة هذا المقطع؟
سياسة 11/16/2025 7:55:00 PM
يتمتع مرتينوس بخبرة تزيد عن 25 عاماً في ممارسة المحاماة، وقد شغل عدة مناصب داخل نقابة المحامين في بيروت قبل ترشحه للنقابة
سياسة 11/17/2025 8:37:00 AM
هاجمت صحيفة "طهران تايمز" إجراءات مصرف لبنان النقدية التي تستهدف تجفيف اقتصاد الكاش المعتمد بصورة أساسية من "حزب الله".  
سياسة 11/18/2025 7:24:00 AM
أشارت المحطّة اللبنانية إلى أن السفارة اللبنانية في واشنطن ألغت بدورها استقبالاً كان سيقام لقائد الجيش.