انطلاق الدورة الـ21 لـ "الملتقى الإعلامي العربي"... عون: لا يمكن أن نحقق خير الإنسان إلا بالحقيقة
انطلقت أعمال الدورة الحادية والعشرين لـ"ملتقى الإعلام العربي"، بعنوان: "الإعلام والتنمية… شركاء الحاضر تحالف المستقبل"، برعاية رئيس الجمهورية العماد جوزف عون وحضوره، بالتعاون مع وزارة الإعلام ومشاركة وزراء إعلام عرب وفاعليات إعلامية، في مركز المؤتمرات والتدريب - مبنى شركة طيران الشرق الأوسط في بيروت.
وصول رئيس الجمهورية العماد جوزف عون إلى ملتقى الإعلام العربي في مبنى شركة طيران الشرق الأوسط pic.twitter.com/0zm0U2fuGO
— Annahar النهار (@Annahar) October 29, 2025
عون: الحكم الصالح يحتاج إلى من يقول له الحقيقة
وألقى الرئيس عون كلمة قال فيها: "الحقيقة مملّة باهتة، والإشاعة جذّابة مثيرة.". هذه المقولة المنسوبة إلى أحد خبراء التواصل، تجسّد كل الإشكالية المطروحة علينا وعليكم اليوم. فهي تمثّل معضلة هذا العصر، وتشير إلى معاناتنا نحن كمسؤولين، كما تشكّل مسؤوليتكم أنتم كأهل إعلام وصحافة".

وأضاف:"أولًا، لماذا هي معضلة عصرنا؟ لأننا ببساطة نعيش في زمن انقلابيّ في كل معاييره ومقاييسه، وحتى – للأسف – في قيمه. زمنٌ لم تعد الحقيقة فيه قيمة مطلقة. حتى قيل وكُتب ونُظّر، لكونه زمنَ (ما بعد الحقيقة). لن أغرق في البحث عن الأسباب، ولن أدّعي معرفة كيف انتقلنا، على مستويات أنشطة المجتمع البشري كافة، من قيمة الإنتاج إلى قيمة الاستهلاك، ومن قيمة العمل إلى قيمة الثمن، ومن قيمة العقل إلى قيمة الجيب، وبالتالي من قيمة الحقيقة إلى قيمة الغريزة... المهم أننا اليوم هنا، وهذه معضلة على مستوى العالم. علينا أن نعرفها ونتعايش معها، لكن علينا في الوقت نفسه أن نسعى كل لحظة إلى عدم الخضوع لها، وإلى السعي لتغييرها".

وتابع: "ثانياً، لماذا هي معاناتنا نحن كمسؤولين؟ أيضاً ببساطة، لأنه لا يمكن لمجتمع بشري أن يتقدّم ويتطور بناءً على كذبة. ولأنه لا يمكن أن نحقق خير الإنسان إلا بالحقيقة. فالكوارث التي أصابت البشر عبر التاريخ كانت نتاج الأوهام والأكاذيب والأضاليل، والاستثمار في إثارة الغرائز والشعبويات وأنصاف الحقائق أو أشباهها. فالحكم الصالح يحتاج إلى من يقول له الحقيقة، فيما الشعبويات الكارثية وحدها تقوم على التطبيل، وطبعاً على التضليل. وهنا تكمن معاناة الحاكم المسؤول، بين واجبه في مصارحة شعبه وقيادته على درب الخلاص الصعب، وبين من يسوق الناس بالدجل إلى طرق الجحيم الواسعة، المعبّدة بأعذب الكلام".

وتابع: "ثالثًا، لماذا هي مسؤوليتكم؟ لأنكم رُسُلُ هذا العصر، ولأن الإشكاليات المطروحة عليكم كثيرة وكبيرة، خصوصاً في عالم يتطور تقنياً بشكل مذهل. يكفي أن نتذكر معاً أن مهنتكم هذه أمضت قروناً طويلة في زمن الكلمة المكتوبة، ثم انتقلت في عقود قليلة إلى الكلمة المسموعة، ثم إلى الكلمة المرئية... أمّا الآن فهي تتحوّل لحظوياً، من الكلمة المرقمنة إلى عوالم جديدة مذهلة من ثورة تكنولوجية، ما زلنا ربما في اللحظات الأولى من بداياتها. مسؤوليتكم هي البحث عن سبل البقاء رسلًا للحقيقة في قلب هذه الانقلابات. مسؤوليتكم أن تواكبوا الزمن، وأن تحافظوا على استقلالكم المالي في زمن ابتلاع غيلان التكنولوجيا لكل شيء. ومسؤوليتكم أن تدافعوا عن معادلات القيم الأساسية، في أن يظلّ الخبر سقفه الحقيقة. فلا خبر ولا من يُخبرون، ولا إعلام ولا من يُعلِمون أو يَعلَمون، خارج الحقيقة. وأن تظل الحقيقة غايتها خيرُ البشر وخيرُ النظام العام. هذه المسلّمة الأساسية لعملكم ولرسالتكم، لستُ أنا من وضعها، بل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي توافقنا عليه إطاراً ناظماً لحياتنا العامة، هو من يحدّدها ويحدّد حدودها. هذا الإعلان الذي أعطاكم وأعطانا كل الحقوق، وكل الحرية في التعبير، في المادة 19 منه، التي صارت عنواناً لمؤسسات وحركات وجمعيات مدافعة عن عملكم وعن حرّيتكم وحريّاتكم... هو الإعلان نفسه الذي أكّد في المادة 29 منه أنه: "لا يُخضَع أيّ فرد، في ممارسة حقوقه وحريّاته، إلا للقيود التي يقرّرها القانون، مستهدفاً منها حصراً ضمان الاعتراف الواجب بحقوق الآخرين وحرياتهم واحترامها، والوفاء بالعادل من مقتضيات الفضيلة والنظام العام ورفاه الجميع في مجتمع ديموقراطي.".

وختم قائلاً: "أعرف أن مسؤوليتكم صعبة، لأن معاناتنا كبيرة، ولأننا في زمن قاسٍ بقدر ما هو واعد... في مقرّرات كليات الإعلام القديمة، ثمة معادلة ساخرة معبّرة تعرفونها غيباً بلا شك، وهي أن الخبر ليس في أن كلباً عضّ شخصاً، بل في أن شخصاً عضّ كلباً. بينما في الحقيقة والواقع ومنطق الخير العام، الخبر الأصح والأدق هو خلاف المقولتين، فالكلب أكثر أصدقاء الإنسان وفاءً وإحساساً... والعضّ الوحيد هذه الأيام هو عضّ المظلوم على جرح الظلم والقهر والجوع، في كل أنحاء العالم... فيما إعلام التواصل الاجتماعي منهمك بردحيات الشتائم والسباب... لهذا، مسؤوليتكم اليوم جميعاً أن تجعلوا من الحقيقة مجدداً كلّ الخبر، فالثابت في تاريخ جدلية الحقيقة والكذبة أنه يمكن تضليل بعض الناس كل الوقت، كما يمكن تضليل كل الناس بعض الوقت، لكن يستحيل تضليل كل الناس كل الوقت. بناءً على ذلك، ولأنكم أنتم من أنتم، ولأنكم تجتمعون في لبنان، في الأرض التي وُلدت مع الكلمة، وعاشت من أجل الحرية، وناضلت لأجل الحقيقة... الحقيقة التي وحدها تحرّر، ووحدها تعمّر، ووحدها تحقق كل الخير لكل البشر، أحيّيكم، وأتوجّه بكل الشكر إلى المنظّمين والمشاركين، وأؤكد لكم أن عاش الإعلام الحرّ المسؤول الخيّر، لتحيا شعوبنا بخير ومسؤولية وحرية".

أبو الغيط: نتمسك بانسحاب إسرائيل الكامل من لبنان وننشد إعلاماً عربياً يواكب العصر ويحمي وحدة المجتمعات
كذلك ألقى الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط كلمة، استهلها بتوجيه التحية والتقدير إلى وزير الإعلام، بول مرقص، واصفاً إيّاه بأنه "رائع".

وقال: "يسعدني في البداية أن أتوجّه بالشكر والتقدير الى فخامة الرئيس العماد جوزف عون على رعايته وحضوره هذا الملتقى المهم، وهو ما يعكس اهتماماً أصيلاً بالإعلام ودوره في أن يكون جسر التواصل بين المسؤولين والمواطنين في عملية التنمية الشاملة. كما أتوجّه بالشكر إلى معالي الدكتور بول مرقص، وزير الإعلام في الجمهورية اللبنانية، على الدعوة الكريمة للمشاركة معكم اليوم في الدورة الحادية والعشرين للملتقى الإعلامي العربي، في حضور هذه الكوكبة المتميزة من رجال الفكر والسياسة والإعلام والثقافة والفن من مختلف الدول العربية... هنا في بيروت، بكل ما تملكه من مقومات بشرية وحضارية، تركت بصماتها عبر الأجيال. وأغتنم هذه المناسبة لأحيي الجهود الطيبة التي تبذلها هيئة الملتقى الإعلامي العربي، وأمينه العام السيد ماضي الخميس، الشريك الأصيل في مسيرة الجامعة والملتقى منذ سنوات".
وأضاف: "نتحدث اليوم في هذا الملتقى عن علاقة الإعلام بالتنمية، وعن الدور الذي يمكن أن يقوم به في تحقيق أهدافها، وهي رسالة مهمة تتطلّب التعامل بمهنية وموضوعية ومسؤولية. رسالة تصل المسؤول بالمواطن، وتعمل على توعية المواطن للمساهمة في العملية التنموية، حتى تتمكّن الدولة من الاستمرار في أداء مهماتها وتحقيق إنجازاتها في ملفات التنمية".
وأشار إلى أن "قضية التنمية هي القضية الأولى من دون منازع على أجندة الدول العربية، ولا بد من أن تكون أيضاً القضية الأولى على أجندة المجتمعات، وفي ذهن كل مواطن عربي وإدراكه. وهذا هو دور الإعلام الواعي والمسؤول، فالمواطن هو أداة العملية التنموية، وهو غايتها وهدفها في الوقت نفسه".
وأكد أن "الإعلام شريك أساسي في التنمية، لما يملكه من قوة تأثير على فئات المجتمع كافة، من خلال وسائله المسموعة والمرئية والتفاعلية.
ودوره أن يقوم بتوعية المواطنين الى أهمية العملية التنموية وآفاقها المستقبلية ومقتضياتها، وتحفيزهم على المشاركة فيها على نحو فاعل ومؤثر، بحيث تصير همّاً شخصياً لكل مواطن، أو معركةً يتعيّن الانتصار فيها".
وأضاف: "إن حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة هي عار على الإنسانية، التي رأت وشاهدت وسمحت للمحتل بأن يواصل القتل والتدمير. صحيح أن شعوب العالم كلّه استفاقت بعد أن رأت وجهاً قبيحاً متجرّداً من الإنسانية والضمير لاحتلال عنصري بكل معنى الكلمة، ولكن الصحيح أيضاً أن أبناء الشعب الفلسطيني، الصامد البطل، قد مرّوا بنكبة جديدة في زمن يُقال إنه زمن القيم وحقوق الإنسان".
وتابع: "إننا نتطلّع إلى أن يكتب اتفاق شرم الشيخ نقطة النهاية لهذه المقتلة البشعة، وأن تبدأ فوراً جهود إعادة الإعمار، وأن يبقى الشعب الفلسطيني على أرضه، وتخيب أوهام إسرائيل بتفريغ أرض فلسطين من أبنائها".
وقال: "إن إسرائيل قد تتصوّر أنها ترسم معالم شرق أوسط جديد بالبارود والدم، لكن هذا لن يحصل. فهذا الفضاء العربي، من المحيط إلى الخليج، سيظل انتماؤه عربياً ولغته عربية. وسيادة دولة الاحتلال المزعومة ليست إلا وهماً لدى أنصار اليمين المسكونين بأحلام وعقائد عنصرية لا مكان لها في عصرنا".
وعن لبنان، قال أبو الغيط: "تقف الجامعة العربية معكم في التمسّك بضرورة الانسحاب الإسرائيلي الكامل من أراضيه، وتطبيق القرار 1701 بكل عناصره."
وأكد أن "الخروق المستمرة لإسرائيل لإعلان وقف الأعمال العدائية في نوفمبر الماضي، ليست سوى محاولة يائسة للتشويش على الوضع الداخلي في لبنان، وبثّ بذور الفرقة فيه".
وأبدى ثقته بأن "القوى اللبنانية كلها لن تقبل الانجرار إلى هذا الفخ المكشوف، وأن الجيش اللبناني لديه القدرة والإرادة لتطبيق قرار الحكومة بحصرية السلاح بيد الدولة".
وختم قائلًا: "ننشد جميعاً إعلاماً عربياً مواكباً لجديد العصر، في التكنولوجيا كما في الأفكار ومناهج العمل. ننشد إعلاماً يبتعد من التحريض ولا يستهدف الإثارة، يترفّع عن إثارة الفتن، ويصون وحدة المجتمعات بعيداً من نعرات الطائفية أو المناطقية أو التشدد الديني وسائر صنوف التعصب. ننشد إعلاماً لا ينشر الخرافة، بل يحضّ الناس على التفكير لا التكفير، وعلى الإبداع لا الانصياع، وعلى النقد البنّاء لا المعارضة الاستعراضية. وباختصار، ننشد إعلاماً يدفع مجتمعاتنا إلى الأمام ويأخذ بيدها إلى المستقبل، ولا يجرّها إلى سجون التخلّف وغياهب الماضي.
أتمنى لأعمال مؤتمركم كل التوفيق، ولا يسعني سوى أن أتقدّم بالشكر مجدداً إلى فخامة الرئيس وجميع القائمين على هذا المحفل المهم".
المستشار ماضي عبد الله الخميس
وافتتح الأمين العام لـ"الملتقى الإعلامي العربي" المستشار ماضي عبد الله الخميس أعمال الملتقى بكلمة قال فيها: "نلتقي اليوم في بيروت التي تتسع كسماء، وتسمو كقصيدة، وتفيض كأغنية خالدة، لنواصل معاً مسيرة بدأناها منذ اثنين وعشرين عاماً، يوم كان الملتقى الإعلامي العربي مجرد فكرة عصيّة على التحقّق، وحلماً تكسوه الصعاب، فإذا هو يصبح واقعاً متجذراً، وفضاءً عربياً رحباً، ومنبراً يعيد للإعلام العربي دوره في صناعة الوعي وحماية الحقيقة".
وأضاف:" إن شعارنا اليوم الذي نجتمع لأجله الإعلام والتنمية... شركاء الحاضر وتحالف المستقبل، ليس مجرد كلمات تُرفع على لافتة، بل هو رؤية عميقة لمستقبل أمة تدرك أن التنمية لا تقوم بلا إعلام، وأن الإعلام بلا رسالة تنموية يتحوّل إلى صدى عابر أو فراغ متكرّر".
وقال: "إننا نلتقي لنرتقي، لا لنردد ما مضى، بل لنصوغ ما سيأتي. لا لنحصي خسائرنا، بل لنعلن إنجازاتنا. لا لنستسلم للموج المغاير الجارف، بل لنكون بحارة في سفن تُقاد إلى موانئ الأمان... لا غرقى الموج، ولا فتات الريح. نحن هنا لا لنكرر المألوف، ولا لنكتفي بالحديث عن تحدياتنا، بل لنصوغ رؤية جديدة تتجاوز حدود التنظير إلى ميادين التطبيق، وتضع الإعلام العربي في مكانه الطبيعي: شريكًا في صناعة التنمية، لا مجرد ناقلٍ للأخبار".
الإعلام اليوم ليس رفاهيةً
ولفت إلى أن:"الإعلام اليوم ليس رفاهيةً ولا ترفاً، بل هو قوة ناعمة، وجيش صامت، وسلاح لا يُرى بالعين المجرّدة، لكنه يخترق العقول ويصوغ الوجدان. الإعلام اليوم ليس ناقلاً للخبر فحسب، بل صانعٌ للرأي، وبانٍ للوعي، ومهندسٌ للوجدان الجمعي للأمة".
وتابع: "لأن الكلمة من غير وفاء لا تُثمر، فإنني أجد من واجبي أن أرفع، باسمكم جميعاً، أسمى آيات التقدير الى فخامة العماد جوزف عون، رئيس الجمهورية اللبنانية، الذي برعايته الكريمة وحضوره الأصيل يؤكد إيمانه العميق بدور الإعلام، وإيمانه بأن الكلمة الحرة هي سلاح الأمة وضميرها الحي. وأخصّ بالشكر والتقدير معالي الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد أحمد أبو الغيط، الذي شرّفنا بالمشاركة هنا في هذا الملتقى، الذي كان دائماً قريباً من الإعلام والإعلاميين، ومنا نحن في الملتقى الإعلامي العربي تحديداً، داعماً أنشطتنا، محتضناً أفكارنا، ومسانداً لمبادراتنا المختلفة. والشكر لمعالي الأخ العزيز الدكتور بول مرقص، وزير الإعلام، الذي فتح الأبواب وسهّل السبل ليكون هذا اللقاء ممكناً، فيعجز اللسان عن الشكر لما قدّمه هو وأعضاء وزارة الإعلام من دعمٍ ومساندة. والشكر موصولٌ للرعاة والشركاء الاستراتيجيين، وكل من ساهم في إنجاح هذه التظاهرة. وإلى زملائي في الإعلام اللبناني الذين احتفوا بنا وساندونا، وهو الإعلام الذي كان وما زال مدرسةً فريدة، تعلّمنا منها، وخطونا خطواتنا الأولى في بلاطها".
وأردف:"لبنان، يا أرض الأرز والشعر والموسيقى، يا وطن الحرف والكلمة، لك منا وعدٌ وميثاق: أن تبقي دائماً المنصّة الحاضنة للإعلام العربي، والراية الخفاقة فوق سماء الكلمة الحرة، والنبراس الذي لا يخبو مهما عصفت الرياح وتكاثرت الغيوم.
بيروت، يا بيروت، يا مدينةً لا تشيخ، يا جرحاً لا ينزف، يا وردةً لا تذبل، ويا قيثارةً لا تصمت. نقف على أرضك اليوم لنعلن أن الكلمة حياة، وأن الإعلام رسالة، وأن الحقيقة لا تُحجب بغربال، ولا يُطفأ نورها بزيفٍ أو ضلال".
وختم:"من هنا نعلن طموحنا الى أن يكون لبنان دائماً منصّةً حاضنةً للإعلام العربي، وعاصمةً للحرية، ومركزاً للحوار، ومرفأً للكلمة التي تُبقي الأمة على قيد الأمل".
وزير الإعلام بول مرقص
بدوره، ألقى وزير الإعلام بول مرقص، كلمة قال فيها: "عشرون عاماً مضت، كان خلالها ملتقى الإعلام العربي يتنقّل بين حضن الشقيقة الكويت وحضن الأم الجامعة، جامعة الدول العربية. لكن هذا العام، اختار الملتقى حضن بيروت. فلماذا هذا الاستثناء؟ بدأت الحكاية خلال زيارتي إلى الكويت قبل خمسة أشهر، حيث غرستُ الفكرة كبذرة، ثم رواها الأخ ماضي خميس، وها قد أثمرت ملتقى جامعاً رغم التحديات، وهو أمر نقدّره ونثمّنه بقلب مفتوح، لأنه عربون ثقة ووفاء كبيرين للبنان، الذي وإن ضاق صدره بالأزمات، اتّسع قلبه للأحباب. فكل التحايا منا لكم، وكل الامتنان على حضوركم واهتمامكم ومحبتكم".
وأضاف: "في ملتقى اليوم، يرتدي لبنان حلّته الحقيقية: حامياً للفكر، حاضناً للتعدّد، محفّزاً للثقافة. إنه لبنان الحرف والحلم والحياة، لبنان الذي جعل من الكلمة وطناً، ومن الحرف حلّة، ومن الحرية حضارة. فأهلاً بكم في لبنان، حيث الإعلام قلب الوطن النابض، ذلك القلب المقيم في الجغرافيا عمراً منذ خمسة آلاف عام. هناك، في جبيل القريبة، حيث وُلدت الحروف وبدأت الحكاية — حكاية أول مدينة إعلام في العالم — لا تزال تروي من لبنان إلى العالم حكاية وطن صغير بحجمه، عظيم برسالته، خالد بعطاءاته، اسمه لبنان".
وتابع: "هنا لبنان! هنا جبران خليل جبران، هنا ميخائيل نعيمة، ومي زيادة، وإيليا أبو ماضي، وسعيد عقل، وأمين معلوف، وغسان تويني، وطلال سلمان. هنا لائحة تطول ولا تنتهي. وهنا، أيقونتنا فيروز تذكّر العالم العربي كل صباح بأن في هذا الشرق نافذة من صوتٍ وضوءٍ وحنينٍ وإبداعٍ وإتقانٍ، اسمها لبنان".
وسأل: "لماذا الملتقى في لبنان؟ الجواب بسيط: لأنه البلد الذي تماهى علماً وإعلاماً وأدباً يوم تأسست مدرسة عين ورقة قبل 227 عاماً، وكانت أمَّ المدارس في الشرق. لماذا الملتقى في لبنان؟ لأننا بلد الحرف، والحرف صار كلمة، والكلمة مقالة، والمقالة جريدة، فإعلاماً وأعلاماً، جيلًا بعد جيل".
وتابع: "في كنف بيروت، المدينة التي عرفت باكراً معنى الكلمة ووهج الحرف، صاح ديك "النهار" قبل اثنين وتسعين عاماً. وقبل "النهار" بسنوات، أُطلقت مجلة "ألف ليلة وليلة"، وكانت الشرارة التي أضاءت درب الكلمة، لتكرّ السبحة وتتوالد دور النشر والصحف والمجلات، حتى غدت بيروت ورشة فكرٍ وأدبٍ وثقافةٍ لا تهدأ. ولم تكتفِ بذلك، بل كانت أول مدينة عربية حاضنة لأول تلفزيون وأول إذاعة، لتؤكد مرة جديدة أنها ليست مجرد مدينة، بل ذاكرة ناطقة للإبداع".
وقال: "في لبنان، لطالما كان الأمل ظلَّ القلم رغم الألم، ولطالما نكّس الإعلام الأعلام إجلالًا لشهداء الكلمة، لكنه أيضاً رفع الأعلام لأعلامٍ من لبنان في الأدب والفكر والطب والهندسة والفن والإبداع. وهنا نعود مرة أخيرة إلى السؤال: لماذا الملتقى في لبنان؟ لأننا في عهد جديد، عهدٍ يملأ الوطن أملاً، عهدٍ يرفع الكلمة ويرتقي بالإعلام، عهد الرئيس جوزف عون، الذي وعد بلبنان كما نحبه وتحبونه، وما زال على الوعد. عهد الدولة والكرامة والتجديد والنهضة والانفتاح. لذلك، بوجوده تكبر الكلمة، ويتألّق الإعلام، ويتأنّق ويسمو. فشكر كبير لفخامة الرئيس على رعايتك وحضورك".
ووجّه مرقص في الختام تحية شكر "لكل اللبنانيين الذين ساهموا في إنجاح هذا الحدث، وقد فاجأوني بحجم الكرم والعطاء كرمى إنجاح هذا الملتقى: شركة طيران الشرق الأوسط ممثَّلة برئيس مجلس إدارتها السيد محمد الحوت، التي قدّمت تسهيلات وتذاكر سفر وقاعات للملتقى، وفنادق قدّمت أجنحة وغرفاً، وشركات نقل قدّمت سيارات وباصات، ومطاعم، وشركات تنظيم، و... و... وقبل كل شيء فريق العمل الخاص. لولا محبتكم وإحاطتكم ومساهمتكم، لما أبصر هذا الحدث النور. فشكراً لكم من القلب. عاش الإعلام الحر والمسؤول، عاش لبنان".
نبض