الارتباك الرسمي يهدد الدعم الخارجي وشبكة الأمان

لبنان 23-10-2025 | 14:47

الارتباك الرسمي يهدد الدعم الخارجي وشبكة الأمان

النتيجة المباشرة للواقع هي أن المساعدات الموعودة للبنان ستبقى معلّقة، والبرامج الدولية ستتراجع أو تخفّض
الارتباك الرسمي يهدد الدعم الخارجي وشبكة الأمان
سلسلة غارات معادية استهدفت شمسطار (مراسلة النهار).
Smaller Bigger

تتزايد المخاوف من دخول لبنان مرحلة جديدة من العزلة السياسية والاقتصادية بعد تعثّر أي خطوة عملية في اتجاهين أساسيين يشكّلان معيار الثقة الدولية: حصر السلاح بيد الدولة، وإحياء التفاوض غير المباشر مع إسرائيل.

 

فالجمود الذي يطبع المشهد الداخلي بعد نعي رئيس مجلس النواب نبيه بري مسار التفاوض، مقابل تمسّك رئيس الجمهورية جوزف عون بضرورة إبقاء القنوات الديبلوماسية مفتوحة، يرسل إلى الخارج إشارات متناقضة حول القرار اللبناني الموحد، ويُفقد الدولة صدقيتها أمام شركائها الدوليين.

 

هذا الارتباك في الموقف الرسمي ينعكس مباشرة على صورة لبنان في العواصم المؤثرة. ففرنسا التي كانت تتولّى دوراً محورياً في التنسيق بين بيروت والأمم المتحدة، ترى اليوم أن غياب التفاهم الداخلي حول أولويات المرحلة يفرغ أي مبادرة من مضمونها.

 

ووفق مصادر سياسية مطلعة، فإن مؤتمر دعم الجيش اللبناني الذي كانت التحضيرات جارية لعقده، قد يُؤجَّل إلى وقت غير محدّد، بعدما أبلغت دول مانحة باريس بضرورة "توضيح الموقف اللبناني من الاستقرار الحدودي والتزام القرارات الدولية قبل ضخ أي دعم مالي أو لوجيستي جديد".

 

فرنسا التي لطالما تبنّت خطاب "الحفاظ على المؤسسات اللبنانية" بدأت هي أيضاً تتريّث في وعودها الاقتصادية، خصوصاً في ما يتعلق بملف إعادة إعمار البنى التحتية، إذ تعتبر أن أي دعم لا يمكن فصله عن وضوح المشهد الأمني والسياسي، وعن مدى التزام بيروت سياسة النأي بالنفس.

 

أما الدول الخليجية، فتعتمد مقاربة مختلفة تقوم على المراقبة الصامتة. فالدعم الخليجي الذي كان ينتظر عبر برامج تنموية أو استثمارات مباشرة، عُلّق إلى حين ظهور "تحوّل فعلي" في الأداء اللبناني تجاه السيادة وضبط السلاح.

 

وفي الكواليس، تدور أحاديث ديبلوماسية عن أن الرياض والكويت وأبوظبي لا تنوي الدخول في أي التزام مالي جديد قبل أن تلمس علامات واضحة على أن الدولة اللبنانية هي التي تدير قرار الحرب والسلم، لا القوى المسلحة الخارجة عن سلطتها.
أما الولايات المتحدة، فتبدو أكثر وضوحاً في مواقفها. فالإدارة الأميركية التي استثمرت في رعاية المفاوضات البحرية سابقاً ترى أن نعي مسار التفاوض الحالي يشكّل انتكاسة لمسار طويل من التهدئة كانت واشنطن تراهن عليه لاحتواء التوتر في الجنوب. ومع أن واشنطن لا تزال تدعم الجيش اللبناني باعتباره المؤسسة الشرعية الوحيدة، تؤكد المصادر أن استمرار المراوحة السياسية سيقود إلى إعادة تقييم حجم هذا الدعم، وربطه أكثر من أي وقت مضى بالتزام لبنان موجبات سبق أن تعهد بها، وهي تتخطى اتفاقية وقف النار التي ينطلق منها، وتعتبرها من تركات الإدارة السابقة ولا تؤدي إلى الاستقرار، وبالتالي تسعى إلى اتفاقية جديدة تضمنها بنفسها تشبه ما جرى في غزة.

 

دولياً، يجمع المراقبون على أن لبنان يمرّ في مرحلة دقيقة تشبه "الفراغ الإستراتيجي"، إذ لا يبادر إلى أي خطوة في الاتجاهين: لا نحو نزع السلاح ولا نحو استئناف قنوات التفاوض الديبلوماسي مع إسرائيل برعاية الأمم المتحدة. وهذا الغياب شبه الكامل للقرار السياسي يجعل لبنان ملفاً هامشياً في أجندة القوى الكبرى التي تركّز حالياً على التسويات الإقليمية الكبرى في غزة والبحر الأحمر وأوكرانيا.

 

النتيجة المباشرة لهذا الواقع هي أن المساعدات الموعودة للبنان ستبقى معلّقة، والبرامج الدولية ستتراجع أو تخفّض، فيما سيجد لبنان نفسه أمام ضغوط مالية جديدة تشمل حتى مؤسساته الرسمية التي تعتمد على الدعم الخارجي، وعلى رأسها الجيش والقوى الأمنية.

 

في الخلاصة، إن عدم تقدّم لبنان بأي خطوة ملموسة نحو تثبيت سيادته الكاملة أو إعادة الانخراط في المسار الديبلوماسي، سيقوده إلى تآكل تدريجي في شبكة الأمان الدولية التي لا تزال تحيط به.

 

فالعالم اليوم يقرأ سلوك بيروت على أنه انسحاب من منطق الدولة إلى منطق الانتظار، ما يعني أن أي تحوّل في الموقف اللبناني، مهما كان صغيراً، سيكون شرطاً أساسياً لاستعادة الثقة الدولية وتجنّب الدخول في عزلة سياسية واقتصادية قاسية.


الأكثر قراءة

مجتمع 11/13/2025 4:43:00 PM
أكّد المدير العام للطيران المدني المهندس أمين جابر أنّ التحويل في مسار الرحلات جاء نتيجة الأحوال الجوية القاسية في الشمال.
سياسة 11/14/2025 2:56:00 PM
الجيش الإسرائيلي: الوحدة 121 بحزب الله مسؤولة عن ملف اغتيال سياسي لبناني مسيحي